أفاد تقرير صدر مؤخرا عن وزارة الداخلية بكون مساحات زراعة القنب الهندي بالأقاليم الشمالية،شهدت خلال السنوات القليلة الماضية تقلصا ملموسا في المساحات المخصصة لزراعة الكيف بنسبة 65 في المائة، أي من 134.000 هكتار إلى حوالي 47.500 هكتار حسب آخر تقييم أنجزته السلطات المغربية باعتماد الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية. وأضافت وزارة الداخلية في تقريرها بأنها اتخذت اجراءات استباقية مكنت من إتلاف المئات من الهكتارات المخصصة لزراعة الكيف ،علاوة على حملات أمنية متواصلة مكنت من حجز أطنان من المخدرات التي كانت موجهة للتصدير،وتفكيك شبكات إجرامية تنشط في هذا المجال. معضلة تاريخية ذهبت بعض الدراسات إلى كون نبتة الكيف ظهرت في المغرب خلال القرن السابع الهجري، وبدأت في الانتشار في صنهاجة ومنطقة كتامة في القرن الخامس عشر.وفي القرن التاسع عشر سيأذن السلطان الحسن الأول بزراعة الكيف بصورة رسمية في دواوير كتامة،بني سدات ،وبني خالد بغية المساعدة على استتباب الأمن . فخلال نظام الحماية الاسبانية تم السماح بزراعة الكيف في بعض القبائل ،واتبعت السلطات الفرنسية بالجنوب نفس السياسة، إلا أنها ما لبثت أن حظرته ابتداء من 1932. بالمقابل سمحت بزراعة القنب الهندي وتصنيعه حصريا لفائدة شركة التبغ والكيف الفرنسية في كل من منطقة الغرب والحوز،ولم يتم تطبيق الحظر في المنطقة الخاضعة للحماية الفرنسية بشكل كامل إلا في أعقاب صدور” ظهير 2أبريل 1954بشأن حظر قنب الكيف”. بعد استقلال المغرب ،وأمام تردي الأوضاع الاقتصادية واستياء سكان المناطق الريفية ،سمح المغفور له الملك محمد الخامس بزراعة الكيف في الدواوير الخمس التاريخية بكتامة وبني سيدات وبني خالد.إلا انه مع بداية السبعينيات، وبارتباط مع ارتفاع الطلب على منتوج الكيف المغربي من الخارج، ستمتد زراعته تدريجيا إلى مناطق جديدة (إقليمي العرائش و تاونات مثلا) بحيث قدر التقرير الذي أنجزه مكتب الأممالمتحدة لمحاربة المخدرات بتعاون مع الحكومة المغربية سنة 2003، المساحات المخصصة لزراعة الكيف ب 134ألف هكتار. مع بداية التسعينيات، وخصوصا بعد صدور التقرير الشهير للمرصد الجيوسياسي حول زراعة المخدرات بالمغرب،( الذي قدم معطيات وأرقام حول زراعة الكيف ومسالك تهريبه ووجه اتهامات لمسؤولين في الدولة ولمنتخبين بالتورط في ذلك الملف)،وما تلاه من ضغوط الدول الاوروبية وحملات اعلامية ،قدم المغرب خلال اجتماع الوزراء الداخلية الاوروبيين ببروكسيل في نهاية 1994،”الكتاب الأبيض” الذي يعتبر أول تصور مغربي لمعالجة ظاهرة زراعة الكيف.،ويؤكد على كون تنمية الأقاليم الشمالية مدخلا لا محيد عنه لذلك . في نفس السياق التاريخي،سيعلن المغفور له الملك الحسن الثاني سنة 1996عن تأسيس” وكالة تنمية الأقاليم الشمالية” تشرف على تنسيق وتتبع الدراسات والمشاريع الكبرى الرامية للنهوض بأقاليم الشمال الذي كان يعاني من أقصى درجات العزلة والتهميش.بيد أن هول الخصاص وضعف الإمكانيات المرصودة لها،وتمركزها بالرباط بعيدا عن المنطقة،علاوة على شحة الدعم الأوروبي جعلا الوكالة عاجزة عن القيام بدورالقاطرة لتنمية حقيقية تخلق بدائل اقتصادية ملموسة لزهاء 800 ألف فلاح يقتاتون من زراعة الكيف. وفي سنة 2009 وقعت وزارة الداخلية على اتفاقية مع الوزارات المعنية خصصت بموجبها 900 مليون درهم على مدى سنتين لتمويل زراعة الزيتون، وتربية النحل ،والماعز، وفك العزلة، وتحسين التزود بالماء والكهرباء.إلا أن تلك المبادرات لم تغير من واقع الحال ،بل ان المساحات المخصصة لزراعة الكيف عرفت تزايدا ملحوظا بارتباط مع ظرفية ما سمي ب”الربيع العربي” . بطبيعة الحال ،لم تقتصر سياسة الدولة في مواجهة آفة المخدرات على المسكنات الاقتصادية ،بل اعتمدت أساسا على الملاحقات اليومية والحملات الموسمية ضد مزارعي الكيف والمتاجرين فيها ،الأمر الذي أدى الى آلاف المعتقلين في قضايا الاتجار في المخدرات ، وأزيد من 30 ألف في حالة فرار متابعين في قضايا زراعة الكيف وما يرتبط به في كثير من الأحيان من شكايات كيدية وتصفية حسابات وابتزاز. شبح المجاعة من الواضح أن أزيد من ثلاثة عقود من الاجراءات الزجرية في غياب دعم أوروبي قوي وسياسة تنموية فعالة ،لم تغيرمن واقع الحال قيد أنملة. فالمحاولات التي قامت بها الدولة من أجل إيجاد حلول لزراعة الكيف في إطار برامج التنمية البشرية والمغرب الاخضر لم تستطع إقناع الفلاحين بكونها بدائل مقنعة وذات مردودية على الصعيد الاقتصادي مما جعل معظم الفلاحين في بوادي الشمال يستمرون في زراعة الكيف رغم الحصار المضروب على تسويقه مما جعلهم ، في غياب بدائل ملموسة وذات مردودية على المدى المباشر،وفي ظل ندرة الأمطار في عدة مناطق جبلية، يعيشون اليوم على أبواب المجاعة. من هنا، يتعين على الحكومة والسلطات المحلية والمجالس المنتخبة الإسراع في تنزيل البرامج الكفيلة بتخفيف معاناة المزارعين في بادية الشمال الذين يجتازون ظروفا قاسية،وذلك بموازاة مع التفكير في بدائل جديدة من قبيل تقنين زراعة الكيف.و يمكن التذكير بهذا الصدد بالوثيقة التي أعدتها “مجموعة نداء من أجل تقنين زراعة القنب الهندي بالمغرب “في أبريل 2008،والتي أشارت فيها إلى إمكانيات استعمالاته الطبية أو الصناعية (صناعات مرتبطة بمواد التجميل والنظافة وغيرها). كما أن بعض الأحزاب السياسية سعت إلى إطلاق بعض المبادرات بهذا الشأن ،إلا أن الطابع الموسمي بقي طاغيا عليها مما قلل من نجاعتها . إن طموح المغرب دخول غمار تجربة الجهوية المتقدمة ،وسعيه الى تحسين صورته أمام المنتظم الدولي يؤكد الحاجة الى فتح حوار وطني حول زراعة الكيف يتجاوز المقاربات العقيمة السابقة،و يكون من ضمن جدول أعماله تقييم نقدي لكل التجارب التنموية السابقة (الديرو،وكالة تنمية الأقاليم الشمالية،السياسات القطاعية للحكومة…) ،بموازاة مع دراسة مدى إمكانية تقنين زراعة الكيف وتقديم تعويضات للفلاحين مقابل عدم زرعه .