” فلا تلومن الصغار إذا بارك الكبار حماقتهم، و شجعوهم على الاستهتار” قد يخطئ صغير أو صغيرة في العائلة، فتصدر عن أحدهما إساءة اتجاه جد أو جدة، خال أو خالة، عم أو عمة، و حتى جار في ” الحومة”… فلا يجب التغاضي عن ذلك و السكوت عنه.. و إياك ثم إياك أن تغلب العاطفة في تدخلك، فتنتج عنه حزازات تؤدي إلى خصومات يكثر فيها القيل و القال…فأنى لك أن تغطي الحقيقة بالغربال، أو تطين عين الشمس و تستمكن ما استحال. لكبار العائلة وقار.. و من العار ألا يحترم هذا الوقار، من العار أن نجردهم من الهيبة التي تكبرهم في أعيننا، و إزاءهم نرى في أنفسنا الصغر.. هذه أخلاقنا التي تربينا عليها، و ورثناها عن آبائنا و أجدادنا، و خير ما نعود عليه أبناءنا.. ومن يتجرد من ثوبه، و ينسلخ من جلدته، يتعرى مسخا، و يزداد وسخا، و لا خير يرجى منه. ” سارة ” فتاة ذكية نبيهة، اجتهدت بتألق، و اجتازت امتحان الباكالوريا بتفوق..و كانت وجهتها فرنسا.. و من حسن حظها وجدت بيت خالتها مفتوحا على مصراعيه، و استقبلت فيه بالأحضان..إلا أنها سرعان ما تضايقت من مراقبة خالتها، و محاسبتها على كل تصرف خاطئ قد يعرضها للفشل لا قدر الله. كانت لا تقبل ان تبدي الخالة رأيها صراحة في بعض الرفيقات، تجنبا لكل ما يؤذيها، و يبعدها عن جادة الصواب.. و كان زوج خالتها، هو الآخر، ينتهرها برفق و لين، ناصحا واعظا: “يا ابنتي العزيزة، منذ وطأت قدماك هذا البيت، و نحن مسؤولون عنك، لا نفرق بينك و بين بناتنا.. ما يضرك يضرنا، و ما يفرحك يثلج قلوبنا.. فلا تكرسي معظم أوقاتك للتجوال في شوارع باريس الزاهية، و لا الوقوف أمام واجهات المتاجر المغرية، لمشاهدة آخر المستجدات في عالم الموضة، و التي تخطف الأبصار بالأزياء المعروضة، و لا الصعود إلى ” برج إيفل” الشامخ، و التملي بمناظر مدينة الانوار من فوق.. يا ابنتي انتقي جيدا ما تصاحبين.. قديما قيل : ” من خالط العطار نال من طيبه، و من خالط الفحام نال السوائدا”. و أضافت خالتها : ” لا اقبل منك، يا ابنة أختي أن تأتي كل ليلة، إلى البيت متأخرة، و الصعاليك في كل مكان يتربصون بالفتيات الضعيفات.. فكم نسمع يوميا من اغتصابات، ومن اختفاءات للقاصرات، يعثر عليهن بشق الانفس جثتا هامدة، مشوهة، في الغابات و المستنقعات.. يا لهول و فاجعة الكثير من العائلات.. ثم إن الحرية التي تنشدين في هذا السن، لمتعددة المساوئ، متعددة السلبيات.. فدعينا نقيدها و نحد منها حماية لك و خوفا عليك.. ليس لي ادنى شك في حفاظك على شرفك، و صيانتك لعفافك.. ثقتي بك كبيرة، و أملي أن تكوني جديرة بهذه الثقة..فلا تخيبي ظننا فيك، و خذي من النصائح ما يبكيك ويكفيك”. إلا أن الشابة العنيدة أبت و استكبرت، و قررت تنفيذ ما يدور في خلدها.. فهيأت والدتها لهذا التحول بأسباب و مسببات و أكاذيب و مبررات.. جعلتها في صفها، مساندة لها عن باطل، مما أباح لها مغادرة بيت خالتها خلسة، تاركة وراءها حتى الهدايا التي تلقتها منها.. يا للعار. و لم تقف القضية عند هذا الحد بل تعدته إلى عداوة تفرعت إلى أغصان و أفنان.. وكانت الضحية: من أحسنت و ما أساءت، من شعرت بجسامة المسؤولية، فما تأخرت و لا توانت عن إسداء النصيحة لمن سافرت طالبة للعلم، لا سائحة .. و حتى زوج خالتها المسكين جره التيار، و اخد نصيبا من شواظ النار. و عسى ان نجد من يعتذر، و من يستغفر، فما أذنب من اعتذر، و لا أساء من استغفر.