الحرير يوجد حتى الآن بضواحي تطوان في جهات متعددة، في قواعد شجر التوت التي يستدل من عظم حجمها على طول مدتها، وقد اندثر كثير مما عرفنا منها منذ 20 إلى 25 سنة، وكنا نسأل إذ ذاك من يربو عمرهم عن الثمانين سنة، فيجيبون مبدين أسفهم على اضمحلال ما كانوا يعملون من كون جل دور تطوان، كان بها محل مقصور على تربية دود الحرير، وأن من قبلهم كان يحدث بأكثر مما عرفوه هم، ومما يشهد لذلك، الباب المسماة بعد إعلان الحماية بباب طنجة، فإننا ومن سلف لأجدادنا لا نعلم لها اسما غير (باب التوت). وبالجملة، نقلنا عن من يوثق بهم، أن ما كان يصنع من الحرير بتطوان، شيء كثير يسد حاجة أهاليها، ويدفع منه قدر للداخلية وللخارج، شعرة ومصبوغا ومنسوجا. وعلى ما عرفناه نحن وثبت عن الأقدمين، أن تربية دود الحرير هذه، واستخراج خيوطه، وغزله على آلات مخصوصة تسمى ب(السلاكة)، كان يعد من الأعمال الداخلة في اشغال النساء والبنات. المنسوجات من الحرير: لا نعلم من منسوجات الحرير بتطوان إلا خمسة أنواع، منها ثلاثة لا زالت حتى الآن، وهي: سباني: من عرض كذا سنتيمتر، يستعملها أهل الجبل، ويوجد لها منسج واحد، لنظر المعلم محمد بن شقرون. وحٌزٌم من حرير وذهب للنساء: من عرض كذا سنتيمتر، وطول معتاد، ويوجد ثلاثة مناسج؛ واحد منها لابن شقرون المذكور، واثنان للمعلم عبد السلام الحرار. وثوب (الشرابي: من عرض 0.56 سنتيمتر، وطول حسب المطلب، يستعمل من غرابيل الحرير، ولم يبق من مناسجه إلا اثنان؛ أحدهما للشريف سيدي أحمد الملياني، والآخر للسيد محمد جسوس. أما ما كان شريفا من نسج الحرير، فقد اضمحل تماما، ولم يبق واحد يهتم به أو بإحيائه، وذلك الثوب (المسمسمات)، أرفع ثوب بأرض المغرب، عرضه 0.63 سنتيمتر، وطوله حسب المطلب، وآخر من سد باب نسجه المعلم محمد جسوس المتوفى سنة 1313. وقد بالغ الجهد كبراء معلمي فاس، في الإتيان بمثل ثوب (المسمسم)، فلم ينسجوه، كما وجهه كثير من التجار لأروبا، ولم يأتوا بمثله، ولذلك ارتفع ثمن ما بقي منه بتطوان، وتغالب فيه الأهالي. وتجد منه قطعا يظن الرائي أنها من صنع الأمس، والحقيقة أن عمرها يربو على المائة سنة. كما اضمحلت أيضا مناسج (شرابي) النساء، وهي ثوب من حرير أسود يسمى (الشَرْبِية) أو (الفَرْخة)، تشده النساء برؤوسهن، ومنتهى عرضه مختوم بحاشية فضية مخوتمة بطرفيها ذهب، آخر من نسجها بتطوان محمد جسوس المتوفى سنة 1323، ولا زال مستعملا بين الأهالي، وكل ما يوجد الآن، فهو مصنوع بمدينة فاس المحروسة. من كتاب “تحفة الاخوان في الصنائع القديمة بتطوان” للمرحوم السيد الحاج عبد السلام بنونة