هناك حي شهير خارج أسوار مدينة تطوان العتيقة يطلق عليه حي "التوتة"، في إشارة تُحيل إلى أنه كان فيما مضى عبارة عن جنان غناء، مليئة بأشجار التوت، حيث تؤكد المصادر التاريخية، أن هاته الأشجار كانت تتواجد في أغلب الأغراس والجنان المحيطة بالمدينة. ذات المصادر التاريخية تُشير أنه لوقت قريب كانت شجرة التوت تؤثت جميع الفضاءات الخضراء بحي التوتة؛ سانية الرمل، الطوابل القديمة، وعين ملول وحومة أوطو راديو "حيث تتواجد ثكنة قوات "السيمي" حاليا، قبل أن تتعرض للإنقراض، بسبب الزحف العمراني البشع، الذي لم يرحم لا الزرع ولا الضرع ولا الطير ولا دودة القز، والذي حول جمال الحمامة البيضاء، إلى صندوق قمامة عقارية، تأكل من فضلاتها غربان العقار. السؤال المطروح لماذا تعاطت ساكنة تطوان في الماضي لزراعة شجرة التوت بكثرة دون غيرها ، حتى أن العديد من التسميات مثل باب التوت نجدها بدورها تحيل إلى هذه الثمرة ؟ الجواب نجده بين دفتي المصادر التاريخية للمدينة، حيث تؤكد على كون مدينة الحمامة البيضاء قبل أن تكتسح سلع البوليستر والبلاستيك الصيني الرخيص والرديء أهم معالمها وشوارعها، كانت قاعدة لصناعة الحرير الحر، الايكولوجي بشمال المغرب. وفي هذا الصدد يشير الأستاذ العلامة محمد المنوني أن صناعة تربية ديدان القز لاستخراج الحرير الطبيعي منها، انتقلت قديما من الأندلس إلى فاس، حيث كان الفلاحون يشتغلون بتربية دودة الحرير، من خلال غرس العديد من أوراق التوت، والذي كان يباع بكثرة في الشماعين ،حتى عرف هذا السوق بسوق "الورقة". أما بالنسبة "لتطوان" فإن الشيخ العلامة "أحمد الرهوني" قدم وصفا دقيقا لطرائق هذه الصنعة بمدينة الحمامة البيضاء قائلا "وقد كان الناس في القرون الماضية إلى العشرة الأولى من هذا القرن معتنين هنا غاية الاعتناء باستخراج الحرير من الدود، فكان كل الناس يغرس في جنانه أو غرسته عددا من أشجار التوت ،حتى اذا انتصفت "الليالي" "يقصد فصل الشتاء القارص"،اشترى أهله أوقية أو أكثر من زريعة الدود، وربوها على القاعدة المقررة حتى تفرخ، ثم يصيرون يربونها في البيوت على أكل أوراق التوت، حتى تنتشر في البيوت انتشارا كبيرا، ثم تصير تغزل خيوط الحرير على لوزتها الى أن تنسد عليها ،فتجمع في الأطباق أرطال من الحرير وأكثر". أما بالنسبة للعائد المادي لهاته التجارة المربحة فقد أوضح "الشيخ الرهوني"، أن جميع الأسر التطوانية التي كانت تتعاطى لهاته الصنعة، كانت تقوم ببيع الحرير الحر إلى التجار، أو تقوم بصباغته أوتبييضه، ويحصل الناس من ذلك على أرباح طائلة، منها تكتسى العائلة يقصد "كسوة وملابس جميع أفراد العائلة" ،ومنها تشور لنفسها الأبكار ". والمقصود "بشوار الأبكار" أن البنت التطوانية البكر، وقبل ظهور مفهوم المبادرة التنمية البشرية بقرون، كانت تعمل بمفردها أو مع قريناتها على زريعة الحرير كل عام، وبعد ذلك تبيع البعض من منتوجها لتشتري به "شوارها " حين تحل زوجة ببيت زوجها، وبعض الحرير تحتفظ به لنفسها لتقوم بخياطة جميع ملا بسها وجميع لوازم الزفاف من "مخدات الشورة" التعريجات "التناشيف "اللتوم " "جمع لثام" ،وغير ذلك من لزوم "شوارها"، وكسوتها وكسوة عرسها ،حيث اذا تمت خطبتها فان زوجها يجد أن هذه الفتاة "الصانعة"، قد أعانته بشكل كبيرعلى تغطية كامل نفقات الزفاف . كان من الطبيعي أن تنقرض هذه الصناعة من تطوان لأنها صناعة ايكولوجية بامتياز تعتمد على وفرة الحقول المحيطة بالمدينة التي تنتج أوراق التوت الذي يباع كغذاء لدودة الحريرة التي كانت تربى بأغلب البيوت التطوانية العتيقة، انقرضت دودة الحرير وماتت معها أشجار التوت الخضراء ، وبقي الاسمنت المسلح وحده الطاغي على محيا مدينة معتلة ،مدينة ترنو رويدا رويدا نحو البشاعة المطلقة.