بشرى اشقارة.. تنهج سيرة أبيها وتكرس جهودها للمحافظة على المأثور الغنائي التطواني لم تترك السيدة بشرى اشقارة اي محفل او تظاهرة او مناسبة فنية او ثقافية إلا واستحضرت بشغف كبير ملامح من سيرة أبيها الفنان الراحل عبد الصادق اشقارة ،كيف لا وهي تعتبر نفسها حافظة سر أبيها ومن مسؤولياتها تكريس جهودها ومعارفها للمحافظة على المأثور الغنائي التطواني، الذي شكل الفنان الراحل أحد اعلامه البارزين .. ومن النادر جدا أن تتحدث السيدة بشرى اشقارة عن نفسها كإنسانة نهلت من التراث الموسيقى التطواني وتشبعت بأوصال السماع والمديح ونالت حظها من الدراسة الموسيقية الاكاديمية، وترجع ذلك الى كونها تلقى ذاتها في جلباب أبيها وتوهب نفسها لاستحضار وتوصيف علامات الفنان وتعدد وغزارة مواهبه وتنوعها وغناها . وتؤكد بشرى انها باهتمامها الدقيق بسيرة أبيها الطويلة والغنية وغير المسبوقة إنما تحقق ذاتها ك"مولعة بالموسيقى التراثية الراقية" وتطمح الى تقديم قطرات من يم وخطرات من جم للتعريف بهذا العلم المتميز وتخليد اسمه في الذاكرة الفنية المغربية الاصيلة وتقديم باكورة العمل الادبي والفني لعبد الصادق اشقارة، أملا في المحافظة على التراث الموسيقي الاندلسي والصوفي والشعبي وتسليط الضوء على عطاءات الفنان الراحل وتألقه في العزف والترديد الغنائي مع الحفاظ على النكهة الاندلسية المغربية القحة دون تهجين او خدش. وهي مميزات و ملامح التفنن وإن كانت لازالت حية ماثلة لكل من لامس هذا الميدان،حسب السيدة بشرى اشقارة ، الا انه من واجب الاجيال الصاعدة ان توثق أعمال أبيها وتتعمق في دراستها من الناحية الفنية، كي تظل مدرسته منبعا ومنهلا لفناني اليوم والغد ومصدر افتخار المغاربة بفنان من رعيل الفنانين المبدعين المتمكنين من مادتهم والملمين ببواطن عالم الموسيقى الاندلسية وأثر إبداعاته الغزيرة في الساحة الفنية الوطنية على مدى اربعة عقود ونيف. وعن اسباب إنشائها لجمعية عبد الصادق اشقارة للمحافظة على التراث الموسيقي والصوفي والشعبي وإصدارها لكتاب بعنوان "عبد الصادق اشقارة ..حياة وشهادات" (الطبعة الأولى سنة 2007) ،تؤكد السيدة بشرى اشقارة أنها وإن لم تكن ابنة الفنان الراحل فإنها ستفعل الشيئ نفسه استحضارا لنموذج فني أصيل جمع بين الاصالة والابتكار وبين المحافظة والابداع، ويكفي الانسان المتذوق التأمل في أعماله ونتاجاته ليعترف بفضل هذا الفنان المغربي الذي استطاع بتميز المحافظة على الاصول برونق خاص وفاض نشاطا في الحقل الموسيقي ولم يسبقه الى ذلك إلا نزر قليل من المعاصرين . ولا تمل حافظة سر ابيها اشقارة من الترديد في كل مناسبة أن سيرتها الذاتية هي جزء بسيط جدا من سيرة العلم الشامخ عبد الصادق اشقارة، وهي ترصد حياته فإنما ترصد تاريخ الموسيقى المغربية الاصيلة والمعاصرة، نظرا لتعدد أعماله التراثية إن على صعيد الآلة الاندلسية او القصائد الصوفية او الاغاني الشعبية الموروثة او المبتكرة ومساهمته بقسط وافر في تجدير الأغنية الشعبية الشمالية كلمة وجملة موسيقية وإيقاعا. وترى أشقارة أن تكريسها لجهدها ومالها لاحتضان تراث أبيها إنما يهدف الى استثارة همم المتخصصين من أجل تحقيق تاريخ اكاديمي ومنهجي لمسيرة وسيرة الفنان الرائد وعطائه وإبداعه الفني المتنوع، وتخليد محطات ومواقف من حياة ومسيرة الفنان الراحل، الذي تميز بالإتقان والتألق والتفرد بلمسته الخاصة مقارنة مع باقي خيرة عازفي الكمان، الذين عرفهم مضمار الموسيقى الاندلسية وبرز اسمه في سماء التراث الاندلسي ضمن كوكبة لامعة من شيوخ وأعلام هذا الفن كمولاي أحمد الوكيلي وعبد الكريم الرايس ومحمد العربي التمسماني. كما أن السيدة بشرى صاحبت رغم صغر سنها آنذاك أباها وكانت من الاوائل الذين يستمعون الى إبداعاته قبل ان تصبح ملك العموم، كما صاحبها صوت أبيها منذ صغرها الى أن وافته المنية يوم 31 أكتوبر من سنة 1998، وهو صوت مأثور شكل ملجأ البيوتات المغربية للتعبير عن فرحتها في أسعد المناسبات. وتؤكد السيدة بشرى اشقارة أنها لن تكل ولن تمل من العمل اليومي لضمان استمرارية إشعاع الرصيد الغنائي للفنان الراحل والمحافظة عليه دون تشويه او تحريف، شأنها في ذلك شأن نخبة من عشاق الراحل والمولعين بفنه، مبرزة في هذا السياق أن ليس غرضها من ذلك هو منع التغني بإبداعات الفنان عبد الصديق اشقارة "الذي هو ملك لكل المغاربة"، بل كونها تحرص على أن يبقى تراثه كأحد أعلام الآلة والذكر والموسيقى التراثية والمديح وقصائد الزنداني (الملحون التطواني) والصنعة التطوانية "مصون كما هو دون تشويه ". وتوضح في هذا السياق أنها تفضل ان يبقى تراث الراحل الفني كما أبدعه أبوها "دون زيادة أو نقصان "لكونه جاء شاملا وتميز بالتمسك بأسلوب الأداء التقليدي في الصنعة و اعتماده على الاسلوب الاوركسطرالي القائم على إشراك كافة الآلات الموسيقية القادرة على التعبير المتوازن والمنسجم مع الآلات التقليدية القديمة والأعمال المستوحاة من التراث الجبلي"، كما تميز الفنان الراحل بصوت عذب جذاب يستطيع به الأداء في المقامات العالية من السلم الموسيقي، وهو ما تطمح الى أن يسير على منواله الفنانون المغاربة الشباب الذين يتغنون بتراثه . وتعترف الفنانة اشقارة أنه من وجهة نظرها، ورغم عطاءاتها المسترسلة والمضنية احيانا للتعريف بتراث أبيها، فإنها لن تفي بالمطلوب باعتبار أن حياته تنوعت وتشعبت بما خاض فيه من غمار الغناء الصوفي وطقوسه والغناء الدنيوي ومستعملاته، وهو فلتة طيبة جاد بها الزمن الموسيقي المغربي الجميل. وأنا أفتخر أيما إفتخار، تقول السيدة بشرى اشقارة، أن أكون واحدة من النساء المغربيات اللواتي لهن اعتزاز كبير بتقاليد وطنهن وعاداته العريقة والقادرات على إظهار مواهبهن وإمكاناتهن وآنسن في ذواتهن القدرة على العمل والعطاء.