أيها المغاربة ماذا ستختارون: تجار دين أم تجار حشيش؟ نشرت جريدة العلم بتاريخ 12 أبريل 2013 وثيقة مسربة من أرشيف الجماعة الإسلامية حررها وأرسلها عبد الإله بنكيران إلى وزير الداخلية آنذاك ادريس البصري، مقرا بالمراجعات التي اتخذ من فكر إقامة الدولة الإسلامية إلى الإيمان بالعمل السلمي من داخل المؤسسات، عارضا عليه كل التنازلات في محاولة إقناعه برفع الحظر عن الحركة الإسلامية، مغريا إياه بأن الحركة جاهزة لمناهضة اليسار، مؤكدا أنه مستعد ل"التعاون". وفي الرسالة يقول بنكيران: "إننا نأمل أن تتداركنا عناية اللّه على يدكم فيسمح لنا من جديد بممارسة نشاطنا والاستمرار في القيام بواجبنا في الدعوة... إننا معالي الوزير، سنكون مسرورين وشاكرين لكم صنيعكم إذا خصصتم جزءا من وقتكم لاستقبالنا والتعرف علينا..." وبعد أن باءت محاولة بنكيران لإقناع البصري بالفشل، لجأ إلى عبد الكريم الخطيب الذي رفض فكرة التحاق بنكيران بحركته وانتفض، واصفا إياه بعميل البصري. وحسب مقال نشرته المساء عدد 2882: "صفة العمالة هي الصفة التي ارتبطت ببنكيران ورددها خصومه في أكثر من محطة. لذلك كانت مهمة إقناع الخطيب صعبة." ثم، بعد محاولات إقناع الخطيب، يذكر أن لقاء تم في بيت الخطيب بوجود بنكيران وعبد الله باها وعبد اللطيف السدراتي وبعض قياديي الإخوان المسلمين بمصر من بينهم صالح أبو الرقيق والسوري عمر بهاء الأميري، وأن الخطيب نادى على بنكيران وهو يهم بالدخول: "أين هو الكوميسير؟" هو لقاء التحاق بنكيران وإخوانه بحزب الحركة الشعبية الدستورية، الذي يسمى اليوم حزب العدالة والتنمية. نفس حكاية العمالة مرتبطة ببدايات إلياس العماري، الذي كتب عنه رشيد نيني في أحد مقالاته المعنونة "إلياس الكيماوي" والتي نشرت أياما قبل اعتقاله عام 2011 إبان الحراك المغربي، فيما خلاصته أن العماري أقنع الأجهزة الأمنية، في أولى نشاطاته بالرباط داخل اليسار الجامعي، وفي أولى محاولاته التملق للتعاون معها، بقدرته على تمييع اليساريين واختراق حزب الاستقلال ومواجهة الإسلاميين وجر الاتحاديين منهم إدريس لشكر آنذاك إلى مرتع "حلوة سيدنا".. وأن نجمه بدأ يعلو حين خاض مع الأجهزة بعض الحملات ضد بعض تجار الحشيش في الريف لصالح حسب المقال نفسه تجار حشيش آخرين!! وفعلا حاول العماري جمع شتات اليساريين المغاربة في تسعينات القرن الماضي في تجمع سماه "التجمع الديمقراطي" أصدر له منشورا عنونه "المواطن" حجز عليه البصري بعد أن نشر رسالة لأحد معتقلي تازمامارت. لكنه استمر في العمل على جمع أبرز وجوه المعارضة في عهد الحسن الثاني للانضمام لتجمعه.. في وقت كان يخوض أسفارا توصف إعلاميا بالغامضة إلى أمريكا اللاتينية استطاع عبرها، وعبر علاقاته مع أكابر تجار الحشيش بالريف، كما جاء في مقال المساء، أن يكتسح مجال الديبلوماسية ضامنا مقاعدا لأصدقائه، موطدا علاقاته.. موسعا إياها نحو الداخلية المغربية نحو مستشار الملك حاليا السيد فؤاد علي الهمة.. ليخرج عن تجمعه مولود حركة لكل الديمقراطيين، نحو حزب الأصالة والمعاصرة عام 2011. ها نحن أمام عميلين لادريس البصري.. أحدهما: بنكيران، الذي قرر في لحظة ما التمسكن والانبطاح للداخلية للسماح له بالدعوة الإسلامية، والخنوع والتنازل للمخزن لأجل إنشاء حزب العدالة والتنمية، ثم التخلي عن مرجعيته للمشاركة من داخل المؤسسات. والعميل الآخر: العماري، الذي قرر أن "تقاطعه مع المخزن" لا يعني أن التغيير سيأتي من المخزن، فهو لم يومن أبدا بالمخزن والمخزن لم يومن به. ولذلك اتخذ هذا العميل من مبدأ تقوية نفسه وسيلة للغلبة.. ولإنشاء حزب الأصالة والمعاصرة، ثم الكشف عن وجهه شيئا فشيئا عبر المساومة والتخويف لبلوغ المؤسسات! بنكيران وافق غير ما مرة أن ينكمش وألا يخوض الانتخابات بكامل قوته الحزبية... تطبيقا لأجندة لعب الأحزاب في ملعب محدود السقف، يبقي للقصر قرار توظيف ميزان القوى لما يحفظ سلطه بعدم تغليب إسلاميين ولا يساريين. خاض المخزن بالعدالة والتنمية صراعات ضد يساريي الاتحاد الاشتراكي خاصة في انتخابات 2007.. ليكبح جماحهم... ووصلوا إلى إمكانية التحالف حين وصف اليوسفي الحزب "الإسلامي" بالحليف الموضوعي.. استطاع المخزن استغلال شعبية الحزب وتزايد الصحوة الإسلامية لإنهاء عهد الاتحاد الاشتراكي، بعد أن انكسر الحزب في حكومة التنواب.. ثم استغل المخزن انبطاح بنكيران ليمرر به كل الملفات اللاشعبية من إملاءات صندوق النقد الدولي وخوصصة القطاعات وإنهاء زمن دعم الدولة للمواطنين. بينما كان إلياس العماري يخوض جولات تصالحية بين المخزن وضحايا سنوات الرصاص.. وجمعهم في مقاولة حزبية تدعي أنها يسارية، ليمكن المخزن من العودة باليسار إلى الواجهة، لا يسار الاتحاد الاشتراكي المعارض، ولا يسار الاشتراكي الموحد الحالم، إنما يسار مشوه مخزني مركب ملفق مزيف.. ليخوض به من جديد الحرب الانتخابية ويعيد إحداث التوازن مع الإسلاميين لما توسعت شعبيتهم وطغت قوتهم في الساحة السياسية.. واستطاع فعلا العماري تحقيق القطبية.. اخترق حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بأن اشترى أمناءهما العامين شباط ولشكر وأفقد الحزبين مصداقيتهما لدى الشعب، وجعل نفسه ندا للعدالة والتنمية.. هكذا يلعب المخزن بالأيديولوجيتين الإسلامية واليسارية... أو الأحرى بتجار الدين وتجار الحشيش.. ليحافظ على قوته عبر إضعاف واحد تلو الآخر والمجئ بحزب بعد الآخر. المخزن اليوم يجهز لإسلاميين جدد بأن فسح المجال للسلفيين بالالتحاق بأحزاب مخزنية كحزب عرشان.. قد يستعملهم في جولات قادمة بعد أن يقضي بالأصالة والمعاصرة وطرا.. وهكذا دواليك، على أن يضعف كل حزب تقوى بضده ليسود ويبقى.