لو قدر لك أن تلقي نظرة عن كثب ،على هذه الربوع المترامية الأطراف ،من قبائل بني حسان وبني عروس وبني ايدر مرورا بلبغاغزة وبني حرشان .لا أخالك إلا ستصفق بحرارة لساكنة هذه المداشر ،التي قست عليها الطبيعة وتنكر لها ابن آدم. شتاء برد قارس يعقد ذنب الكلب ،وصيفا حرارة مفرطة تكاد تذيب دماغ الإنسان .ورغم ذلك فالسكان متشبثون بأرض الآباء والأجداد. ولو استفسرت واحدا من الساكنة المعزولة عن العالم الخارجي. عن الأحوال .لأجاب والأسى يعلو وجهه. نعيش كما عاش الأجداد وسيلتنا الوحيدة للتنقل وسط هذه التضاريس الصعبة لقضاء المآرب هي الدواب الرفيقة المخلصة. إن ما يعانيه هذا الجزء المهم من عمالتي تطوان والعرائش لهو بمثابة كابوس حقيقي ،أرغم السكان على التعايش معه.فالمدارس إن وجدت يلزم الصغار قطع مسافات طويلة للوصول إليها.وما يشكل ذلك من خطر يهددهم طيلة موسم الأمطار حين تمتلئ الوديان والشعاب بالمياه. فيضطر الكبار لمرافقة الصغار حفاظا على سلامتهم. أما التطبيب فهو شبه منعدم، وإن وجد في المراكز فهو عبارة عن بناية إن حضر الممرض فلا أثر للدواء اللهم لبعض المحظوظين الميسورين. أما التعيسة التي تتعذر عليها الولادة في دارها بمساعدة القابلة ،يحملها أهلها فوق المحمل وهي تتلوى من الالم .إن وصلت الى مستشفى الولادة بالمدينة على قيد الحياة تعد محظوظة. والكهرباء التي تعد نعمة من أنعم الله الكثيرة انقلبت في عين الساكنة الى نقمة. فكيف يعقل أن يحج البدوي البسيط من لبغاغزة مثلا الى مركز لنجرة لشحن البطاقة .وكم مرة يعود خاوي الوفاض .لأن بكل بساطة هذه الكهرباء التي تحمل من أجلها هذه الرحلة الطويلةلا أثر لها .فينقلب الى داره وكله أسف على يوم ضاع وضاعت معه الأشغال ،بالإضافة الى مصاريف التنقل التي لا تقل عن خمسين درهما . أو ليست هذه بحرب استنزاف لجيوب تعاني الفقر والحاجة؟ في ظل هذه الظروف الصعبة والمزرية وجدت زراعة القنب الهندي طريقا سهلا ومعبدا الى المنطقة .وانتشرت انتشار النار في الهشيم .كيف لا وقد قفزت المداخيل من الصفر الى مستويات خيالية ما كانت تحلم بها الساكنة. لا يختلف اثنان على أن الأشجار المثمرة تساهم بشكل فعال في دخل الفلاح .ولكن لماذا تأخر تشجير هذه الأراضي الشاسعة منذ فجر الاستقلال الى يومنا هذا؟ وهاهم المسؤولون يرون في أشجار الزيتون والخروب واللوز البديل الأمثل للتخلي عن زراعة القنب الهندي .ولكن أليس من الصعب جدا الانتقال من زراعة تدر الشيء الكثير الى أخرى ستسد الرمق بعد سنوات وسنوات . من الحكمة والصواب أن ينهج المسؤولون التدرج في منع هذه الآفة الخطيرة التي تمكنت من العباد والبلاد .فالإسلام نفسه نهج التدرج في تحريم الخمر التي كانت جد متفشية في المجتمع القرشي أيام الجاهلية .فالمنع الكلي ودفعة واحدة له تداعيات وخيمة على السكان .فهو بمثابة السكتة القلبية .اضافة الى ما قد يسببه من قلاقل واضطرابات الكل في غنى عنها . ما احوجنا الى شعرة معاوية في معالجة الكثير من الأمور المستعصية .وخطوة الى الوراء بغية التقدم خطوتين الى الأمام . وعلى الجميع بما في ذلك وكالة تنمية الأقاليم الشمالية أن ينخرطوا اليوم قبل الغد في تنمية شاملة للمنطقة .ووضعها على سكة قطار سريع ينقلها من عالم العزلة والفقر والهشاشة الى عالم يعيش فيه الإنسان عيشة كريمة محترمة. بوكطيبة عبد الحق/لبريس تطوان