إن كانت السياسة قذارة فنحن لا نريد القذرين.. الله أنزل الدين لتنقيتها برجال لا يخافون في الله لومة لائم جاء حزب العدالة والتنمية للنظام المغربي بعد الربيع العربي كالهدية من السماء، يحمل شعارات الحفاظ على الدين من أجندات الحداثيين هدأت روع المغاربة ليتأكد أن هذا الشعب تهمه هويته أكثر ما تهمه مطالب الخبز، رغم سلوكيات ويال غرابة الأمر تتناقض في واجهتها مع شريعات هذا الدين، خاصة لدى فئة الشباب وكيف يعبرون عن أنفسهم خلوة أو في الشارع العام. كما وعد هذا الحزب – متمثلا في أمينه العام عبد الإله بنكيران – الشعب بفضح لوائح وأسماء المفسدين ومحاسبتهم، وجملة من الوعود التي لم يستطع تحقيقها فيما بعد على أساس أنه محاصر باللوبيات والمافيات والعفاريت وكل ما لا يمكن للشعب إلا تخيله بالحجم الكبير ليخاف ويصمت! مرر النظام عبر هذا الحزب أجندة طالما بقيت حبيسة الحكومات الماضية الفاسدة مخافة أن تفجر غضب الشارع، وهي أجندة إصلاح صندوق المقاصة برفع الدعم عن كثير من المواد الاستهلاكية التي يعتمد عليها المواطن في معيشته اليومية، وكان نتيجة ذلك رفع الأسعار على الطبقتين الفقيرة المتوسطة، قيل لملء خزينة الدولة المفلسة بدل الاقتراض من البنك الأوروبي والبنك الدولي وكل تلك المؤسسات التي تساعد بالمال بمقابل أجندات اجتماعية حداثية تجتث الدين من الصميم.. فصبر الشعب على هذه الزيادات وقال آمين، وضحى بالخبز مقابل نفس الهوية التي جاء الحزب للذود عنها. وعفا الحزب عما سلف من سرقة المفسدين، وقالوا لنا أن العفو أدخل الملايير إلى خزينة الدولة من أموال المهربين المتهربين من الضرائب الذين سرقوا عرق الشعب ووضعوه في البنوك السويسرية!!! قلنا الحمد لله رب العالمين. وامتنع كثير من وزراء الحزب الحاكم عن الاستمرار في الإدلاء بأسماء السارقين الذين يكشف عنهم المجلس الأعلى للحسابات وعن متابعتهم قضائيا والحجر على أموالهم وممتلكاتهم بدعوى أن لا شأن لبنكيران بمجرى العدل.. على أساس استقلال السلط.. قلنا يا سلام على حكومة الديمقراطيين. وقلنا لا بأس، يحتاجون أكثر من أربع أعوام لكشف فساد 30 عاما، المهم أن يحفظوا على ما تبقى من تشريعات ربانية في مدونة الأسرة وأواصر العلاقات الاجتماعية ويجاهدوا الإعلام على بغائه.. لكن النظام لم يسمح لهم بالتدخل في الإعلام.. لأن المشتغلين بالقنوات العمومية خاصة منها الثانية لهم صلة مباشرة بأجهزة الدولة الداخلية التي تسيرهم حتى يبثوا ما يبقي الشعب هادئا بعيدا عن الثروات وزعزعة الاستقرار.. قلنا لا بأس.. ما لنا ومال زعزعة الاستقرار.. ولا أباح لهم النظام التدخل في مهرجان موازين الذي طالبنا به لا منعا للفن والإبداع، وإنما تحصينا لأموال الشعب التي تبذر في فنانين أمريكان بينما مغاربة لازالوا يعيشون في العشوائيات محرومين من الصرف الصحي، حتى يذهب التمويل في الطريق السليم.. هكذا ضل الإعلام بفساده وتدجينه لعقل الشعب وتبذيره لمال الشعب في الحموضة والتفاهة والسفاهة كما كان.. بل والأدهى والأمر، لم يستطع الحزب حتى الحفاظ على ماكان من تشريعات في مدونة الأسرة.. في عهد حكومة العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي، تم تقنين الإجهاض.. بدعوى أنه يحافظ على حياة النساء الفقيرات المهمشات في البوادي اللواتي يستعملن سموما ترديهن قتيلات، والحقيقة أن هؤلاء النسوة لن يستفدن من عملية الإجهاض حتى إن قننت لأنهن يعشن في بقاع لا يجاورها حتى مركز معالجة الزكام أو مشفى ولادة طبيعية. بل في الحكومة الإسلامية فرض النظام على بنكيران أن يلتقي السيسي، الذي طالما وصفه بالانقلابي وقذفه حزبه بقاتل المتظاهرين الأبرياء.. وكأن النظام حريص على حرق كل أوراقه وإفقاد حزب العدالة والتنمية ما كان يملك من شعبية وولاء.. وقد نجح. نعم لقد كانت خيانة عظمى أن نرى بنكيران جالسا مع السيسي! حين يعدك أمين عام حزب بأنك إن منحته صوتك سيمثل قيمك حين يصل إلى السلطة فيواجه قوى النظام الحداثية، ولما منحته صوتك ووصل، ترك صفته الحزبية جانبا وقيمك.. وأصبح يمثل النظام الحداثي "بصفته الحكومية"!!! نعم، لكنه لا زال سيرتدي قيمنا.. ليس كرئيس حكومة خلال لقاءاته وصفقاته وسفرياته واجتماعاته الوزارية.. إنما سيرتديها وهو واقف أمامنا يصرخ بالشعارات لنمنحه صوتنا، مرة أخرى، خلال الحملة الانتخابية!!! وقالوا أنه لم يستطع.. مغلوب على أمره.. إن أمروه بالجلوس مع نتنياهو سيجلس وسيطالبوننا بعدم تضخيم الأمر لأنه ذهب لمصلحة البلد.... لقد كان على النظام المغربي لما قبل الزج بالإسلاميين داخل لعبته السياسية أن يحفظ لهم مكانتهم ويحترم مواقفهم ولا يضطرهم لفعل ما يعارض مرجعيتهم وما رفعوا من شعارات لكسب ولاء الشعب. إذ لا ضرر من وجود تعارض مواقف داخل مؤسسات الدولة الملكية منها والتنفيذية والتشريعية.. بل هو دليل على استقلال السلط، والاختلاف رحمة وسعة.. سعة لتمثيل الكل: وجه مزوار يمثل موقف الدولة خارجيا ووجه بنكيران يترك دون ندوب لتمثيل مواقف الشعب داخليا. من الآن يمثل موقف الشعب؟ لا أحد. لا سياسيا بالتطبيع مع الصهاينة والسيسي وأتباعهم، لم يترك النظام جهة تحقق التوازن داخل المشهد السياسي إلا وجعلها تطبع مع هؤلاء.. لا اقتصاديا لكثرة القروض الربوية التي تغرق بها الحكومة الدولة وتغرق بها الدولة الطبقة المتوسطة.. وكثرة الزيادات التي جعل النظام بنكيران ينفذها بإصلاح المقاصة على الفقير والتغاضي عن الضريبة على أرباح الأغنياء.. ولا اجتماعيا برضوخ الإسلاميين لتقنين الإجهاض ولمشاريع الإعلام الحداثية.. الحل والبديل: هو حكومة أكفاء لا انتماء ولا توجه لهم، أقوياء كفاية للدفاع عن الفقراء والمعطلين وفرض الضرائب على أرباح الرأسماليين. أما الشعب فكفيل بالدافع عن هويته. جماهير الكرة تدافع عن الهوية أفضل من وزراء العدالة والتنمية! قالوا لنا أننا انقلبنا على أعقابنا ضد بنكيران، والحقيقة أننا لازلنا عند مواقفنا ندعم الشرعية ونريدها إسلامية. هو الذي انقلب على أعقابه ولم يستطع أن يقاوم وأن يمارس المعارضة المؤسساتية أو يستقيل كما وعد. ونحن لا ندافع عن الأشخاص وإنما عن المبادئ والمواقف، فإن غيروها ما لنا بهم؟ فالعتب ليس على النظام.. النظام لم يفعل إلا إسقاط سلطويته على الحكومة! العتب كل العتب على بنكيران.. وعلى قيادات العدالة والتنمية الصامتين المستكينين. لا أحد طلب من بنكيران الدفاع عن المصريين، هم أولى بالدفاع عن أنفسهم، لكن توقع الكل أن يثبت على مواقفه وألا يكون إمعة. وإن كانت السياسة قذارة فنحن لا نريد القذرين. الله أنزل الإسلام لينقيها برجال لا يخافون في الله لومة لائم.