بين غموض النص في قانون الصحافة والنشر ومستجدات مشروع مدونة الصحافة تخضع الممارسة الصحفية لمجموعة من الضوابط والآليات القانونية والمؤسساتية التي تسعى إلى تقنين المشهد الإعلامي ، وهذا ما جاء به المشرع المغربي في مجموعة من القواعد القانونية المتضمنة في كل من قانون الصحافة والنشر وقانون الاتصال السمعي البصري والدستور المغربي، وخول للقضاء النظر في كل نزاع عرض عليه تعلق بالممارسة الصحفية. والتنظيم القانوني لمهنة الصحافة لم يكن وليد اللحظة، بل كان منذ ظهير الحريات1958 الذي تعرض لمجموعة من التعديلات كتعديل 1973 وأيضا في 1993 وصولا إلى تعديل 2002 بقانون 77.00. وتبقى لمسألة تقنين الممارسة الصحفية أهمية كبيرة وواضحة؛ سواء من حيث تاريخ تطورها أو من حيث ارتباطها بحرية الرأي والتعبير التي تحظى بأهمية دولية ووطنية ، و التي كانت دافعا قويا وراء ضبط هذا المجال حتى لا يتجاوز الحدود . ومنذ أن صدر قانون الصحافة والنشر كقانون مستقل، والنقاش في تعديله قائم بين الحقوقيين و الإعلاميين بغرض وضع مدونة حديثة تشمل كل القوانين المتعلقة بالصحافة بمستوى يتماشى وحقوق حرية الرأي و التعبير كما هو متعارف عليه عالميا،خاصة مع ما عاشه الصحفيون من متابعات بالقانون الجنائي و قانون الإرهاب في ظل وجود قانون خاص بالمهنة ،مع العلم أن القانون الجنائي قانون عام يطبق على أفعال جرمها ولم يخص الصحفيين فقط ،وهذا ما يعد خرقا للمبدأ الأصولي"النص الخاص يقيد العام "، إذ حدث عكس هذا المبدأ في المتابعات الصحفية التي طبق فيها القانون الجنائي وقانون الإرهاب. وبالمقابل فإن تطبيق قانون الصحافة كان غامضا وقابلا للتطبيق على مجموعة من الأفعال بمصطلح واحد يحتمل تفسيرات متعددة كمصطلح " المس" التي تضمنها الفصل 41 من قانون الصحافة والنشر، وكذا مصطلح " الفزع " في الفصل 42 أو مصطلحات " الأخلاق و الآداب العام و النظام العام" التي جاءت في القسم السادس و السابع بالباب الثالث من نفس القانون؛فالمس بأحد الثوابت لا يمكن حصره بطريقة سلبية أو حتى إيجابية، بل الأكثر من ذلك قد يجعل الصحفي في بعض التغطيات الإعلامية بمناسبة تناوله أحد الثوابت كمادة صحفية عاجزا في الحسم بين المس الإيجابي و السلبي ،كما أن مصطلح الفزع الذي قد تحدثه المعلومة الصحفية يصعب قياسه. وترك المسألة للقضاء عوض الحسم فيه من طرف المشرع يساعد على ضرب مبدأ استقلال القضاء ،وحتى ترك صلاحية التفسير للقضاء في دعاوى المس بالجهات المحددة في الفصل 41 ،هو بمثابة إعطاء سلطة تفسيرية للقاضي قد تختلف من قاضي لآخر في نفس الفعل ونفس الفصل.ويبقى تطبيق هذا الأخير على الفعل صحيحا ومبررا قانونيا ،كما هو الأمر بالنسبة للأخلاق والآداب العامة والنظام العام ، الأمر الذي قد يساهم في التضييق على حرية الرأي و التعبير بطريقة غير مباشرة في غياب الأمن القانوني للصحفيين في ظل تطبيق قانون 77.00. لذلك كان من اللازم التسريع بإعداد مدونة جديدة تعوض قانون الصحافة وتساعد في تنزيل الحقوق و الحريات المكفولة في الدستور الجديد ، وهو ما تجسد في مشروع مدونة الصحافة التي وصفتها منظمة مراسلون بلا حدود بأنها خطوة إيجابية ، باعتبارها مدونة خالية من العقوبات السالبة للحرية. وباطلاعنا على المشروع نجد أنه تضمن مجموعة من المستجدات التي تدعم حرية الصحافة كمنح الصحفي إمكانية تقديم أدلة الإثبات طيلة مراحل الدعوة، وإلغاء البنود السالبة للحرية حتى في حالة العود عكس ما هو في القانون الحالي الذي وصف بقانون العقوبات. و كذا العمل بالقضاء الجماعي في قضايا الصحافة عوض القضاء الفردي حاليا ،وتدقيق آليات وضمان نشر حق التصحيح والرد ، ثم إقرار سرية المصادر للصحفيين وتعزيز استقلاليتهم . كما خولت للقضاء وحده سحب البطاقة الصحفية ، وهذا معطى إيجابي للرفع من قيمة الصحفيين ولا تترك الصلاحية لجهات أخرى في ذلك ، و"ضمان تمثيلية المجتمع المدني في تركيبة المجلس الوطني للصحافة. وعليه يمكن القول أن مشروع المدونة انتصر في شق منه لحرية الرأي و التعبير بحذف العقوبات السالبة للحرية وتجاوز إلى حد ما الغموض في المصطلحات التي تضمنها القانون الحالي، ثم تقنين الصحافة الإلكترونية لأول مرة وتحديد شرط علمي لولوج الصحافة...إلا أنه أخفق في الشق الآخر حيث أصبحت الغرامات المالية تقدر بعشرات ملايين الدراهم وتهدد المقاولات الصحفية بالإفلاس ،وهذا معطى يبقى غير مشجع على ممارسة الصحافة،بالإضافة إلى سكوته بخصوص الإحالة على القانونين الجنائي و الإرهابي ويكون قد أخد باليد اليسرى ما أعطاه باليمنى . بقلم :عزيز لعرج طالب باحث في القانون و الإعلام