تعميم نموذج المجموعات الصحية دون حصيلة تقييمية يفجّر غضب النقابات    2025 تقترب من السنوات الثلاث الأشد حرا    استقبال سفن جديدة متجهة لإسرائيل يجدد المطالب بمنع رسوها في موانئ المغرب    فيفا يدخل تعديلات جديدة في مجريات مباريات مونديال 2026    رونار: المغرب أصبح اسماً يرهب الكبار.. والبرازيل نفسها تحسب له ألف حساب    مانشستر يونايتد يتفوق برباعية على وولفرهامبتون    وزراء اللجوء في الاتحاد الأوروبي يتفقون على قواعد جديدة لتسريع ترحيل طالبي اللجوء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    مكتب الصرف.. تسهيلات جديدة لإنجاز عمليات صرف العملات بواسطة البطاقات البنكية الدولية    2025 تقترب من السنوات الثلاث الأشد حرا    بعد ستة عقود من أول لقاء..المغرب وسوريا يلتقيان في ربع النهائي    مباراة إيران ومصر تتحول إلى جدل حول المثلية في كأس العالم 2026    لاعبو فنربهتشه وغلطة سراي في قلب تحقيقات فضيحة التحكيم    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يسلط الضوء على أشكال العنف الرقمي ضد النساء    هزة أرضية متوسطة القوة تضرب قبالة سواحل الحسيمة    استقرار أسعار الذهب    مجلس النواب ينظم غدا الأربعاء المنتدى البرلماني السنوي الثاني للمساواة والمناصفة    دخول قانون المسطرة الجنائية الجديد حيز التنفيذ    "جيل Z" يعودون للشارع غداً الأربعاء دفاعاً عن "الحرية" و"الكرامة"    الصين تعدم مسؤولا مصرفيا كبيرا سابقا أُدين بالفساد    قراءة سياسية وإستشرافية للزيارة الملكية لدولتي الإمارات ومصر و هندسة جيوسياسية عربية جديدة.    بايتاس: يوم وطني للوساطة المرفقية ترسيخ لدولة الحق وتعزيز لثقة المواطن في الإدارة    مصرع 3 عمال فلاحيين في انقلاب سيارة على الحدود الترابية بين جماعتي أولاد عمران واليوسفية        أطر التعاون الوطني في ال"CDT" يحتجون على تأخر النظام الأساسي    "مراسلون بلا حدود": إسرائيل أسوأ عدو للصحفيين وأكثر دولة قتلا لهم    مقتل 67 صحافياً خلال سنة واحدة    بث تلفزيوني وإعلانات.. عائدات المغرب تقدر ب22.5 مليون دولار من "كان 2025"    أكبر تسريب بيانات في كوريا الجنوبية يهز عملاق التجارة الإلكترونية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    المندوبية السامية للتخطيط: دخل الفرد بالمغرب يقارب 29 ألف درهم    السكوري يؤكد فقدان 15 ألف مقاولة خلال ال8 أشهر الأولى من 2025    12 سنة سجنا لمدير بنك في تطوان    السكوري يؤكد أن قطاع التكوين المهني يواجه صعوبات خاصة    دراسة تكشف فوائد الذهاب للنوم في التوقيت نفسه كل ليلة    كيوسك الثلاثاء | عودة "أوبر" إلى المغرب تعيد إحياء النقاش حول اقتصاد المنصات الرقمية    4 قطاعات تستحوذ على 66% من أحجام الاستثمارات الأجنبية في الأدوات المالية    طنجة.. استنفار سكان إقامة بعد انبعاث دخان من مطعم في الطابق الأرضي    الكاف تعلن عن شعار "أسد ASSAD "... تميمة لكأس أمم إفريقيا المغرب    المشروع الاتحادي : إعادة الثقة إلى السياسة وربط المواطنة بالمشاركة الفاعلة    الإدارة تتغوّل... والبلاد تُدار خارج الأحزاب وخارج السياسة    سطات.. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية «نوافذ»    الدورة الرابعة لمهرجان مكناس للمسرح : مكناس خشبة لمسارح العالم    مطالب بالتحقيق العاجل حول أجهزة "FreeStyle Libre 3" بعد تقارير دولية عن عيوب مصنعية    سليلة تارجيست سهام حبان تنال الدكتوراه في القانون بميزة "مشرف جدا" مع توصية بالنشر    مخالفة "أغنية فيروز" بتازة تشعل الجدل... مرصد المستهلك يندد والمكتب المغربي لحقوق المؤلف يوضح    منظمة التعاون الإسلامي تراهن على "الوعي الثقافي" لتحقيق التنمية البشرية    المغرب لن يكون كما نحب    مغربيان ضمن المتوجين في النسخة العاشرة من مسابقة (أقرأ)    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        إعلان الحرب ضد التفاهة لتصحيح صورتنا الاجتماعية    فيلم "سماء بلا أرض" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشياطين في الأدب الغربي والأدب العربي
نشر في بريس تطوان يوم 05 - 08 - 2014


في الأدب الغربي والأدب العربي
تختلف شياطين الأدب عن شياطين الكتب السماوية، فثمة فرق بين هؤلاء وهؤلاء. ثمة فرق بين شياطين القرآن والإنجيل والتوراة، وشياطين الشعر والمسرحيات والقصص. فبقدر ما نمقت أولئك، نجد الآخرين محببين إلى النفس رغم سَوْءاتهم وعيوبهم ومثالبهم، فهم في الأكثر يمثلون نفسيات الشعراء والأدباء الذين صوروهم. فشيطان "فاوست" يمثل إلى حد ما مؤلفها الشاعر الألماني الكبير "غوته"، وشيطان "الفردوس المفقود" يمثل الشاعر الإنجليزي ملتن، وشيطان "العاصفة" يمثل شكسبير، فإذا ما كرهنا هذه الشياطين فكأننا نكره ناحية من عبقرية غوته وملتن وشكسبير، لأنها انعكاسات – قلت أو كثرت – لشخصيات هؤلاء الأفذاذ الثلاثة.
إن الشيطان في الحقيقة هو النفس الأمارة بالسوء.
وقد وجدنا تحقيقا لذلك في علم التنويم المغناطيسي، فقد حاول ذات مرة فريق من الطلبة المتهاونين أن يسرقوا أسئلة امتحان البكالوريا، فعمدوا إلى منوم مغناطيسي، وقدموا له أجرا يرضيه، فقام بتنويم أحدهم ليكون وسيطا، فيذهب إلى دائرة الامتحانات، ويقرأ لهم الأسئلة. فوجد في المحاولة الأولى أن الباب مغلق فلم يستطع فتحه، وفي المحاولة الثانية رأى أن الأسئلة داخل ظرف فلم يتمكن من الكشف عنها، ولو لم تكن مغطاة لاستطاع قراءتها كما فعل في تجاريب عملية أخرى. وعندما راجعنا كتاب الحيوان للجاحظ وجدناه يقول : ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح أنه قال: "خمروا آنيتكم، وأوكوا أسقيتكم، وأغلقوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح، فإن الشيطان لا يكشف إناء، ولا يحل وكاء، ولا يفتح بابا". وهو نفس ما تعجز عنه النفس الإنسانية المنومة تنويما مغناطيسيا.
ويمثل الشيطان في الأدب صورا عديدة منها التمرد على السلطة الاستبدادية المركزة المطلقة. ومنها نكران الجميل. ومنها الخبث والغدر وحب الإساءة إلى الآخرين.
وأهم هذه الشياطين الأدبية وأبرزها هو بروميثيوس Prometheus – شيطان الآداب اليونانية الكلاسيكية – وهو خير الشياطين وأطيبها. فهو ثائر على جوبتر Jupiter - رب الأرباب عند اليونان –.
ولعل شكسبير بدوره تأثر بشخصية بروميثيوس هذه فصور لنا شخصية مماثلة أطلق عليها اسم "آربيل". وهي تظهر في مسرحية "العاصفة".
ومن أشهر شياطين الأدب الغربي شيطان ملتن في الفردوسين، المفقود والمردود. وقد أظهر الشاعر في الأول شخصية الشيطان بصورة تنال إعجاب القارئ بل وعطفه في بعض الأحيان، ولئن وجدنا هناك بعض ألفاظ التنديد وعبارات الانتقاص من قدره.
وقصة فاوست تذكر بقصة أيوب وهي للمسرحي الإنجليزي مارلو، والشاعر الألماني غوته، ينعت نفسه بأنه مزيج من الخير والشر.
وقد تأثر بعض أدباء العربية بهذه القصة، ومنهم الأستاذ توفيق الحكيم الذي كتب أقصوصة "عهد الشيطان" وفيها عكس مطلب الدكتور فاوست. فقد وهب فاوست روحه وعلمه للشيطان لقاء ملاذ الشباب لربع قرن أو نحو ذلك، أما الأستاذ الحكيم فيهب ملاذ الشباب للشيطان لقاء الحصول على المعرفة لمدة ثلاثة عشر عاما على ما يظهر من قوله في الشطر الأخير من القصة (ص28-31) : "مضى على تلك الليلة ثلاثة عشر عاما التهمت فيها الكتب التهاما وأحطت بمختلف العلوم والفنون علما وعشت مع الفلاسفة والأدباء والموسيقيين والمصورين وأحببت فيها (المعرفة) حبا كالجنون.." إلى أن نبهتني آخر الأمر خادم عجوز قائلة:
- حياتك هذه ليست حياة. انظر إلى وجهك في المرآة.
فنظرت مليا في مرآة خزانة الملابس فارتعت. ما كل هذه التجاعيد حول عيني، وما هذا الظهر الذي تقوس وانحنى. وما هذا النحول وهذا الشحوب ؟. أتراني قد نسيت جسمي طول هذه الأعوام؟ أم تراه الشيطان قد تقاضى الثمن دون أن أعلم ؟....
إننا لا ننكر أن ذكر الشيطان قد ورد كثيرا في القرآن والأحاديث النبوية والشعر والحكايات والنكات، إلا أنه لم يرد في ملاحم أو مسرحيات أو أقاصيص، ذلك لأن هذه الفنون ظهرت في أدبنا في عهد متأخر، وقد جاءتنا من الغرب.
لقد تخلف الأدب العربي في تصوير شخصية الشيطان عن الأدب الغربي. ولعل خير ما استطعنا أن نعثر عليه في هذا المجال هو ما أورده أبو العلاء المعري في "رسالة الغفران". ويشير أبو العلاء إلى إغواء الشيطان الشعراء وحملهم على الكفر والتجديف، فيستشيط الشيطان غضبا، ويصرخ بزبانية الجحيم قائلا : "ألا تسمعون هذا المتكلم بما لا يعنيه ؟ قد شغلكم وشغل غيركم عما هو فيه.. فلو أن فيكم صاحب نحيزة قوية، لوثب وثبة حتى يلحق به فيجذبه إلى سقر". فيقولون :".. ليس لنا على أهل الجنة من سبيل".
ويؤكد المعري في هذه الرسالة الفكرة العربية القديمة القائلة بأن الشعر مصدره الجن والشياطين إذ يقول : "ومن تلك الجهة أتيتني بالقريض، لأن إبليس اللعين نفثه في إقليم العرب فتعلمه نساء ورجال".
وكنا نتوقع أن نجد شيئا من الأدب الشيطاني في كتاب "ألف ليلة وليلة" الخالد، إلا أن ما عثرنا عليه لا يكاد يتعدى الماعات وإشارات من نحو ما هو متداول ومعروف، فليس ثمة من جديد خارج نطاق الدور البطولي الذي تلعبه الشياطين، ففي القماقم والأبسطة السحرية وتعشق بنات الإنس والهرب بهن وما إلى ذلك.
ولم ينتعش "أدب الشياطين" إلا في العصر الحديث بعد أن نقل عدد من المسرحيات والقصص الشيطانية من الآداب الغربية إلى لغتنا العربية فتأثر بها عدد من أدبائنا وعلى رأسهم الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد الذي فضلا عن تاريخه لإبليس الذي ذكر فيه أنواع الشيطنة وأسماء الشيطان الأكبر وفكرة الشيطان في الحضارات المصرية والهندية واليونانية وحضارة وادي الرافدين والشيطان في الأديان الكتابية وعباد الشيطان إلخ...
ولئن كان شيطان العقاد شخصية واضحة المعالم كشيطان ملتن وغوته، فإن شيطان أحمد شوقي غامض لا نتبين له صورة ولا شخصية. فشوقي لم يفعل أكثر من أن يكرر ما قالته العرب عن الجن والشياطين بشكل مسرحي، فقد أفرد المنظر الأول من الفصل الرابع من رواية مجنون ليلى لوصف قرية من قرى الجن في وادي عبقر. وشوقي على عادته يسحرك بحلاوة ألفاظه وموسيقى شعره فتنسى ما جئت تبحث عنه من شخصيات شيطانية على غرار ما ألفته في المسرحيات العالمية.
ويرد ذكر الشياطين في قصيدة "ثورة في الجحيم" للزهاوي. إلا أنه ذكر عرضي، فالفلاسفة بعد نجاحهم في ثورتهم يمتطون ظهور الشياطين لينتقلوا من الجحيم إلى الجنة.
وبعد فإن دراسة "شياطين الأدب" لها قيمتها العلمية فهي في الحقيقة والواقع دراسة في علم النفس وخصائص الطبيعة البشرية التي لا يسبر لها غور.
*-/*-/*-/*-/*-
والله الموفق
2014-08-01
محمد الشودري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.