نظمت الرابطة المحمدية للعلماء (مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية) بالتعاون مع كلية أصول الدين بتطوان في سياق الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس كلية أصول الدين ومناسبة الذكرى الألفية لوفاة الإمام أبي ذر الهروي(ت. 435ه)، الملتقى الدولي الأول للفكر الأشعري في موضوع: (الفكر الأشعري بالمغرب خلال مرحلتي التأسيس والترسيم: المؤثرات المشرقية والخصوصيات المحلية)، وذلك يومي الأربعاء والخميس 19-20 مارس2014م، بكلية أصول الدين –تطوان. انطلقت أعمال الملتقى بالجلسة الافتتاحية التي ترأسها الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء "د. أحمد عبادي"، حيث ألقى في البداية عميد كلية أصول الدين بتطوان "محمد الفقير التمسماني" كلمة نوه فيها بالدور الريادي الذي تضطلع به الرابطة المحمدية للعلماء في رعاية أبحاث ومنشورات مركز أبي الحسن الأشعري الهادفة إلى خدمة الفكر الإسلامي والحوار الحضاري، ثم تابع حديثه عن الإنجازات التي حققتها كلية أصول الدين سعيا منها للهدف ذاته، والمتمثلة بالإضافة إلى التكوين تنظيم ندوات في جملة من الورشات الساعية لخدمة البحث العلمي وإحياء التراث، وذلك بالتعاون مع أكثر من مؤسسة وطنية ودولية. أعقبها كلمة رئاسة جامعة القرويين في شخص نائب الرئيس "د.إدريس اجويل" حيث أكد على أهمية الموضوع المناقش الذي يروم رفع الحجب عن بعض الجوانب الغامضة في تطور الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي، كما نبه على الصبغة الرمزية لهذا الملتقى بكون أبحاثه تجري في رحاب كلية أصول الدين، إحدى روافد جامعة القرويين العريقة، والتي كانت منذ فجر التاريخ مهدا للعلم والعلماء المنافحين عن العقيدة الإسلامية المتمثلة في المذهب الأشعري الذي يعد أحد ثوابت الهوية المغربية، وختم كلمته بالثناء على الجهود الجبارة التي بذلتها اللجنة التنظيمية في سبيل إنجاح أعمال هذا الملتقى. تلتها كلمة رئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان (د.جمال علال البختي) متحدثا عن أن القبول الذي حظي به الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي لم يكن وليد العامل السياسي أو عامل الصدفة، كما ظنه البعض تجاوزا وتسامحا، بل لكونه يوافق خصوصية العقلية الدينية المحافظة للمغاربة وميلهم للاتجاه السني الذي حمل هذا الفكر لواء الدفاع عنه والمنافحة عن تعاليمه، كما أن المغربة وجدوا فيه القدرة والمرونة اللازمة لمسايرة جميع التحديات الفكرية التي واجهتهم في أحلك فترات تاريخهم، ولمسوا فيه أيضا مراعاته لخصوصياتهم الاجتماعية والعرفية، ومختتما كلمته بالحديث عن تضارب الآراء بخصوص تاريخ دخول المذهب الأشعري إلى الغرب الإسلامي، موضحا أن هذا الخلاف يكمن بالأساس في عدم توضيح معنى الدخول لدى أصحاب تلك الآراء، هل يقصد به مجرد معرفة آحاد العلماء بالمذهب الأشعري؟ أم المراد به التأسيس والترسيم والتعميم؟. وخلص إلى أن الجواب عن هذا الإشكال من شأنه رفع قدر كبير من الإشكال، وتوضيح الرؤية في إبداء حكم صحيح بالصواب أو الخطأ على كل تلك الآراء المبداة في الموضوع. وكانت كلمة الأمين العام للرابطة المحمدية متوجة لهذه الجلسة الافتتاحية وممسكة لها بطيب عقدي روحاني، حيث أثنى فضيلته على مجهودات كل من مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان، وكلية أصول الدين والتي تصب في بوتقة خدمة فكر الاعتدال والوسطية والحوار الحضاري، مؤكدا فضيلته على مسألة مهمة، وهي أن الحديث عن المذهب الأشعري تأسيسا وترسيما لا ينبغي أن ينفك عن الخلفية القرآنية المؤسسة له والمتمثلة في مفهوم "الطائفة" الوارد في قوله تعالى:{فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}، وذلك أن النفرة يقول -فضيلة الأمين العام- عرفت منذ القدم باعتبارها دينامية في ثقافة هذه المنطقة، وترسخت بجلاء في الرحلات المتتالية التي قام بها العلماء إلى المشرق والأندلس للاقتباس من أنوار العلوم وجلب كل ما من شأنه نفع ساكنة هذه البلاد، ومن بين الذين حملوا لواء هذه الدينامية الإمام أبي عمران الفاسي الذي جالس الإمام الباقلاني وأخذ عنه الأنزيمات والآليات اللازمة للعودة والقيام بمهمة الإصلاح الديني في الغرب الإسلامي، ولا أحد يجهل دورهذا الإمام الهام في إنشاء الدولة المرابطية. ويضيف فضيلته أنه لا يسع الباحث في تفاعل المغاربة مع هذا الفكر إلا أن يقف على قيامهم إزاءه بثلاثة أنواع من التجسير: - التجسير بين النص والعقل وجعلهما سائرين في وفاق وانسجام. - التجسير بين النص والسياق الأنثروبولوجي المميز للشخصية المغربية. - التجسير بين النص والروح التي تحتاج دوما إلى تأطير النص لصونها من الانزلاقات والشطحات. فلا يمكن الحديث عن مرحلتي التأسيس والترسيم في غفلة عن هذه الدينامية، ثم أعلن سيادته رسميا ابتداء أعمال هذا الملتقى سائلا من الله التوفيق والتأييد لجميع من شارك وحضر فيه. وقد استمرت أعمال الملتقى ليومين بمعدل أربع جلسلت علمية ترأسها على التوالي كل من الدكتور محمد التمسماني والدكتور عبد المجيد الصغير والدكتور حمو النقاري والدكتور مصطفى حنفي، وبما مجموعه (24) مداخلة، لتتوج أشغال الملتقى بجلسة ختامية ترأسها "د. توفيق الغلبزوري" (رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة المضيقالفنيدق، وأستاذ بكلية أصول الدين بتطوان) استمع فيها الحضور إلى كلمات السادة: عميد كلية أصول الدين محمد التمسماني، ونائبه "د.محمد الشنتوف" باسم كلية أصول الدين، وكلمة رئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان "د. جمال علال البختي"، وقد ركزت كلماتهم على عبارات الشكر والثناء على نجاح هذا الملتقى إن على مستوى المداخلات والمشاركات أو على مستوى الحضور الوازن أو على مستوى التنظيم والتسيير، ثم قراءة البيان الختامي الذي ألقاه "د. محمد المعلمي". متضمنا التوصيات التالية: 1- طبع العروض المقدمة إلى الملتقى لتعم فوائدها. 2- الاستمرار في تنظيم هذا الملتقى خلال السنوات القادمة. 3- انفتاح الملتقى في دوراته المقبلة على باحثين عربا وعجما. 4- تخصيص ملتقى حول " الأشعرية والتاريخ". 5- ترجمة ملخصات الملتقى إلى اللغات الحية لإبلاغ صداها إلى الباحثين في مراكز البحث الدولية. 6- مواصلة الاهتمام بأعلام الأشعرية في الغرب الإسلامي. 7- الاهتمام بموضوع الأشعرية في الدراسات الاستشراقية والاستعرابية. 8- تعزيز أواصر التعاون بين مركز أبي الحسن الأشعري وكلية أصول الدين بخاصة، والجامعات المغربية بعامة.. 9- إشراك نخبة من طلبة وطالبات الإجازة والماستر في الملتقيات القادمة.. 10- الشروع في الإعداد للملتقى الثاني... وهكذا تمت أشغال هذا الملتقى الدولي الأول للفكر الأشعري بالمغرب والذي ساهم في عروضه ثلة من الباحثين في مجال الفكر والتاريخ للأشعرية بالغرب الإسلامي من داخل المغرب وخارجه، وحضره متتبعون ومهتمون من رؤساء المجالس العلمية المحلية لكل من جهة تطوانطنجة وأعضائها والمرشدين الدينيين، وأساتذة باحثون بكليات متعددة من مختلف المدن المغربية، وكذا أساتذة مهتمون من مؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي، هذا بالإضافة إلى جمهور من طلبة الدكتوراة والماستر والإجازة بعدد من كليات وجامعات المغرب. وبالموازاة مع أشغال هذا الملتقى، نظمت الرابطة المحمدية للعلماء ومركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان معرضا لإصداراتهما لاقى نجاحا كبيرا من طرف الزوار والمهتمين. أعده: د. يوسف الحزيمري وذ. منتصر الخطيب (باحثان بمركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية)