تعد الممارسات التي يعاني منها المحتجزون في مخيمات لحمادة وتندوف، غدة سرطانية في المحيط الأفريقي والمغاربي والتي تجد ضالتها وأساسها في نظام الابارتايد الذي انتهى في جنوب افريقيا سنة 1994، والتي يمكن أن تصبح ظاهرة تؤشر على التطرف، لأن قيادة الانفصاليين ماتزال تضطهد المحتجزين لكونهم عبروا عن سخطهم لطول انتظار احلامهم بالعودة إلى الوطن أو مطالبتهم بحرياتهم وحقوقهم على غرار باقي بشر الدنيا، وما يزال الزعيم الانفصالي يعتقد أن الصحراء المغربية أداة لإضفاء الشرعية على مطالب تقادمت منذ سقوط الاتحاد السوفياتي 1989، حيث تغيرت العقلية الدولية والايديولوجية واستبدلت بسياسة واقعية لم تعد تركز على الاوهام، وفي نفس الآن لم تعد الصحراء المغربية تضفي الشرعية على النظام الجزائري وعسكرته، ومشروعية ارتباطه بفكرة الانفصال وبالتالي التخطيط للتشويش على المغرب الذي يلعب دورا جيوستراتيجي مهم على المستوى العربي والافريقي والدولي وهو ما يمكن أن يكون موضوع تعاون بدل العكس. ونظرا لمناداة المنظمات الدولية السلطات الجزائرية بالسماح لها بزيارة الجزائر لمراقبة وضع حقوق الانسان ، ورفض هذه الاخيرة لأية زيارة أو دخول ترابها رغم أنها عضو فيها، وهذا دليل على تدني الوضع الحقوقي وأن أية زيارة ستكشف عن تشابه الوضع بالذي يوجد في مخيمات البوليساريو مادامت الخلفيات والمرجعية الايديولوجية مشتركة وتبعية المسلحين في البوليساريو لتوجيهات العسكر الجزائري، وبالتالي للمواطن نفس القيمة في الجانبين معا حيث المبادرة الخاصة منعدمة بالمفهوم الليبرالي، وغياب مبدأ دعه يعمل دعه يمر، بينما تهييج وشحن المواطن تربويا وسياسيا وبشكل مقصود هو الحزام الآمن لفلسفة العداء مع المغرب وبقاء محبي الفتن في السلطة. مما يجعل من عمليات الاختفاء القسري والاضطهاد والتعذيب والاستعباد ومختلف اشكال المس بحقوق الإنسان التي يتعرض لها المحتجزين في المخيمات يتطلب مبادرة دولية للتحرير من الظلم المادي والنفسي الممارس ضد هؤلاء الأبرياء، والتركيز على رفع اليد الجزائرية عن قيادة البوليساريو وفسخ الاتفاقيات بين الجانبين والعلاقات الفاسدة التي أرادت الجزائر أن تجعل لنفسها دولة راعية للفتن باسم المصالح الاستراتيجية للجزائر، لأنه لم يثبت في التاريخ أن دولة أسست وبنت دولة أخرى مجاورة بل العكس تماما هو الذي حصل، مما يدل على أن جبهة الجزائر للبوليساريو هي نسخة مصغرة فقط وهي قريبة من حكومة تصريف أزمة الجزائر، وإلا فكيف تأتى هذا الحلم للجزائر؟ إن موضوع الصحراء المغربية حاولت الجزائر ولمدة أن تتنفس به ديبلوماسيا على حساب الأزمة الداخلية سياسيا واجتماعيا وحقوقيا واقتصاديا ...الخ، والواقع أن كل باحث متعقل أراد أن يقارب هذا الموضوع بمختلف المناهج العلمية سيجد حقائق غير قابلة للشك كما يلي: باعتماد المقترب التاريخي، نجد أن كل الوثائق التاريخية والمخطوطات الدينية والوثائق السياسية التي تربط سكان الصحراء بالمغرب والعلاقة الوطيدة بعرش المملكة بما في ذلك بيعة شيوخ القبائل والمذهب المالكي المتبع في الصحراء وتبعية الزوايا والطرق لبعضها بين شمال المغرب وجنوبه إلى اليوم، هي حقائق غير قابلة للشك. وفي المقابل لم تكن دولة الجزائر إلا حتى عهد قريب بليل التاريخ والمغرب أقدم منها. وباعتماد المقترب الواقعي، يستفاد أن المغرب لم يخرج يوما من أرضه حتى في ظروف الحماية، وأن عمارة الأرض من طرف السكان المغاربة كان وما يزال، وأن بسط الدولة نفوذها على التراب شيء مثبوت بعدة أدلة وحجج، بل أن المغرب تاريخيا امتد حتى السودان . وباعتماد المقترب القانوني، فإن إسبانيا ادعت أن أرض الصحراء أرض خلاء، لكن محكمة العدل الدولية كذبت إسبانيا وأثبتت أن الصحراء لم تكن يوما أرضا خلاء، وهو الرأي الاستشاري للقضاة الدوليين الذين لا يمكن تكذيبهم في القانون الدولي، وإلا لماذا خرجت منها إسبانيا؟ ولماذا ماتزال بمختلف الطرق تحاكي الموضوع؟ وباعتماد المقترب النسقي، فإن التحليل يبين أن النسق السياسي المغربي الليبرالي في الستينيات والسبعينيات رفض إدخال مطلب التغيير إلى العلبة السوداء لكون المطلب كان يستهدف النسق ككل، وتعزز بعدة محاولات للانقلاب الفاشلة، وهذا أحبط المشروع وأعطى للجزائر والمتآمرين معها فرصة الانتقام لأنها الجار الوحيد الاشتراكي فتم تغيير المطلب بتحويله إلى مطلب الانفصال، كأقل مطمح، ومحاولة إدخاله عن طريق النسق الدولي للانتقاص من كرامة المغرب معتمدا على أعداء الخارج وانفصاليين في الداخل، مما لقي إلى حدود 1989 رواجا ديبلوماسيا سبب معارك وصدامات مع الجزائر، لكن منذ دخول الأممالمتحدة على الخط اتضحت الرؤية لدى المجتمع الدولي واتخذ النزاع منحى أكثر واقعية . وعليه فإن الوضع الحقوقي في المخيمات له علاقة بالتطورات التي يعرفها النزاع والتي لا ترضي الجزائر ولا قيادة البوليساريو مما يطرح معادلات أربع وهي: الوصفة الأولى: أزمة نظام العزيز الجزائري، وتغييره بنظام أكثر انفتاحا وإزاحة العسكر عن قيادة الدولة، وحلول الديمقراطية الليبيرالية التي لم تكن منتظرة في روسيا بعد غورباتشوف، وحافظت على مكانة روسيا رغم تفكك القوة والاتحاد السوفياتي ... وهذا التحول يشجع المعارضة على الوصول إلى السلطة، ويتطلب إشراف دولي الانتخابات والتحول السياسي نحو مصلحة الشعب التي تراعي قيمة الفرد بدل الحنين الايديولوجي الذي كرس الهيمنة وأضعف المشاركة الواسعة في قرارات الدولة، ومن تم تغيير وضعية المغرب العربي، هذا التحول سيغير النسق السياسي الداخلي المتخلف للجزائر بوضع منفتح ومتطور على المستوى الدولي، وستنتهي مع ذلك المتاعب التي كلفت الجزائر بسبب الارتباط بالبوليساريو والضرائب التي لا يمكن أن تستمر مع التطورات أمام موجات الليبرالية المتكررة، حيث افتقدت الجزائر للدفيء السياسي مع الربيع العربي والذي افتقد ليبيا وغيرها. الوصفة الثانية: أزمة العزيز الانفصالي، واقتناع المحتجزين أو الانفصاليين بأهمية الارتباط ببلدهم المغرب واعتماد أسلوب الحكم الذاتي بالحفاظ على خط سيادة الدولة والحفاظ على المكتسبات انطلاقا من شعار حسن النية ( إن الوطن غفور رحيم) الذي أطلقه جلالة المغفور له الحسن الثاني، وثقافة حقوق الإنسان، إلا أن هذا السيناريو يشكل خطرا على المحتجزين لكون المسلحين الحراس يهددون حياة هؤلاء باعتبارهم ورقة ضغط، بالإضافة إلى استهداف الأطفال عن طريق تلقينهم ثقافة الحقد والعداء للمغرب، وبنفس الطريقة المعمول بها في كوريا الشمالية، مما يفرض تحرك المنظمات الدولية وهيئات المجتمع المدني المغاربية والعربية والافريقية والدولية والقيام بزيارات للمخيمات تحت إشراف أممي واختراق الأزمة بمقابلة المحتجزين، والسماح لهم بالسفر والقيام بزيارات الأهالي في المغرب...الخ. الوصفة الثالثة: تفعيل الأممالمتحدة لدورها كاملا وتفادي التعطيل، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف لإنهاء هذا النزاع وتطوير الحوار بشكل توافقي لتنزيل الحكم الذاتي، بطي الماضي ومعانقة المشروع التنموي الذي تتطلع إليه جهة الصحراء بساكنتها، لأن المألوف هو تلكؤ المجتمع الدولي بسبب تشابك المصالح وتناقض التقارير بسبب تداخل أهداف الدول الاستراتيجية في منطقة شمال افريقيا، وبعثرة الأوراق أحيانا من طرف أجهزة تدخل على الخط كلما تطلع المغرب إلى الحل وكأن الأمر يتعلق بالتشويش على دوره الاستراتيجي وردع مستواه بالحفاظ على مستوى معين للأزمة كصمام أمان لإبقائه في مستوى معين دون تطور ولو بنزاع تقادم في السياق الدولي والإقليمي وتآكلت المنظومة المغذية له والتغيير الذي لحق السياسة الدولية والعربية . الوصفة الرابعة: توسيع وتنويع عمل الديبلوماسية المغربية الرسمية وغير الرسمية مع الحكومات والشعوب العربية والإفريقية والدولية ذات التوجهات المتقاربة والمنفتحة والمؤيدة للسلم والأمن، وذات القدرة التواصلية والرغبة المشتركة في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والتجارية والمتعايشة ديبلوماسيا، وتطويق الأزمة بتقوية الروابط مع دول شمال افريقيا والساحل باتفاقيات جدية ومعاصرة تهم محاربة التطرف والإرهاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في مقابل تنمية المجتمعات واتخاذ المبادرات الكفيلة بإنهاء مواضيع تتغدى منها لوبيات تستثمر الصراعات والتسلل إلى ثروات الدول، حيث أن المخاطر المحدقة بدول الساحل يتوقف على حذر الحكومات وتربية الأجيال على التعايش والتعاون الثقافي الحقوقي في زمن تشابكت فيه المصالح وتعقدت العلاقات وكثرت التهديدات. إن المغرب اليوم أمام تحول نوعي وهو الأمر الذي يختبر الفكر العالمي والمجتمع الدولي ليتبوأ المغرب المكانة اللائقة به على ضوء الإنجازات على الأرض التي أثبتت التطور الإيجابي رغم الجدل القائم ورغم الصعوبات المختلفة التي يواجهها، لكن مايزال مطالب بمواكبة الصرح والتحرك في إطار القانون للوقوف بجانب المحتجزين في مخيمات البوليساريو والرفض بكل أشكال التعبير تعرض الإنسان للاضطهاد والتنكيل والاستعباد وإشهاد المجتمع الدولي وإشراك كل قوى الفكر الانساني الحرة من أحزاب وجمعيات ومنظمات دولية وهيئات وشخصيات ومسؤولين، في عملية رفع الظلم عن المحتجزين في ظل نظام دولي لم يعد يهتم إلا بأسلحة الدمار والحروب الاقتصادية والهيمنة على الأسواق في إغفال لقضايا الانسان وكرامته وحقوقه لأن مثل هذه الحقوق تم تخطيها في المجتمعات الغربية . ----- الدكتور أحمد الدرداري أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسة بجامعة عبد المالك السعدي