عندما نزور مآثر قصبة الوداية و صومعة حسان و شالة و ضفتي وادي أبي رقراق الفاصل بين الرباط العاصمة و مدينة سلا، نتذكر تاريخ بلدنا الجميل، و نحن بين سياح أجانب يلتقطون صورا بالمتحف و ينصتون لمن يحدثهم عن أمم وشعوب استوطنت شواطئ و قصورا و مدنا، نعيش لحظات هادئة و متعة ثقافية رائعة! و كلما اقتربنا من قلب مدينة الرباط العاصمة، تصل إلى مسامعنا هتافات محتجين يطالبون بحقوقهم المشروعة من حاملي شهادات عليا معطلون، أطباء، مكفوفون وتنسيقيات وطنية لقطاعات متعددة، و ضحايا سنوات الرصاص يطالبون أصحاب القرار بإنصافهم.. صراخ مظلومين ومظلومات يملأ الشوارع يتبع بصفارات الإنذار! وسيارات إسعاف حمراء، وسيارات أمن زرقاء، ورفسات وضربات هراوات تهدي للأدمغة المفكرة ما تستحقه من جزاء! بعد سنوات اعتكافها على البحث العلمي وعزوفها عن الهجرة إلى ديار الغربة حبا في خدمة وطنها. مشاهد تعنيف المتظاهرين السلميين تتكرر إلى أن أصبحت عادية إلى أن حصل تطبيع بين المارة بالشارع من مواطنينا خصوصا، و بين مستنجدة من طالبات كلية الطب أو مستغيث كفيف أو محتج على مسؤولية النظام السعودي على وفاة حجاجنا الميامين بمنى سنة 2015… ما يقوم به المخزن على مرأى ومسمع من العالم، يستخف بالقيمة الأخلاقية والحقوقية للاحتجاج السلمي ويشجع هيجان الانفعال الغضبي للشباب نحو المجهول! هذه المشاهد التراجيدية تتوسع دائرة انتشارها بين مدن المغرب و تستحثنا لطرح السؤال التالي: كيف يطالب المظلومون بحقهم في هذا البلد؟ يبدو أن المؤسسة المتحكمة تعاني من إدمان التعاطي المزمن لتلقي فروض الطاعة و الولاء الغير مشروط من الرعايا الأوفياء، و كأنهم يقولون لك: أنت في بلد الأمن و الاستقرار المزعوم! لا داعي لتحدث نفسك بطلب حقوقك! وإلا ستكون ممن صنفوا أنفسهم في خانة الرؤوس الصلبة (الريوس القاصحة) لا تصرخ بقولك: لا، ألا تعلم (الفم المسدود ما دخلو دبانة)؟ وما علينا إلا أن نكمم أفواهنا و نتعايش مع الذل و المهانة! ونصعد خشبة مسرح الهتافين الهواة في انتظار نيل التفاتة ترفعنا إلى مقام الهتاف الاحترافي! خروج حشود من شباب غير مؤطرين إلى الشوارع يحركهم الغضب الفطري على الظلم الأعتم يزداد بركانه اشتعالا كلما استفزت سلطة المخزن كرامة المواطنين وحريتهم و ما درس ربيع الشعوب المتجدد ببعيد! هذه رسائل مباشرة لمن يهمهم الأمر تتضمن إمكانيات زعزعة أركان الباطل بميزان الغضب الثوري. والطوفان لا يستأذن أحدا! ولا استعداد له لمن يرشده لأساليب النضال المدني الحضاري! إنه احتقان اجتماعي مزمن تروضنا آلة المخزن للتعايش معه، والتطبيع مع مقتضيات الخنوع و الخضوع لمن يحتكر ثروات بلادنا وخيراتها، ويوسع مجال التفاوت الطبقي المقيت! مازلت أتعلم في مدرسة الإيمان والإحسان معاني الحكمة والرحمة لأزداد يقينا بالخير المكنون في أمتنا رغم تكالب من يعادون الدين على ثرواتنا الطبيعية، و تآمرهم مع أبنائهم الإديلوجيين من بني جلدتنا ليتحكموا في تعليم و تربية أجيالنا، و ما زلت أتتلمذ في مدرسة سنة الله لأكتسب الوعي بضرورة اقتحام العقبات المشرذمة لشمل المسلمين و وحدتهم، بالتآلف والتراحم و نشر أخلاقيات التعاون على البر و التقوى و لا أمل من التقارب من كل محب للخير لبلدنا الحبيب لأسمع و إياهم بأذن ضمائرنا و قلوبنا و عقولنا بل بكل كياننا نداء الأحرار: تعالوا إلى ميثاق وطني! نداء الأحرار غير صادر من صومعة الاستعلاء و المناورات السياسية، بل نداء المتواصين بالتآزر والتواصل و بناء الصف المرصوص الذي يشد بعضه بعضا ضد الفساد والاستبداد ضمن استراتيجية طي الصفحة الحقيقية للماضي و بناء مستقبل مغرب العدالة الاجتماعية. بالميثاق و الميثاق وحده يمكننا تجاوز الاحتقان الاجتماعي المزمن، أقصد ميثاق وطني يشارك في إنشائه وإعداده كل الشرفاء من سياسيين و مثقفين وحقوقيين و كل من يريد العيش بكرامة وحرية في بلده دون وصاية المنزهين عن الخطأ، إنها أم الورشات و الورشة الكبرى الحقيقية الكفيلة بطي صفحة ماض تلاعبت الإرادة السياسية المخزنية بكرامة مواطنيه ونالت من شهامتهم و شموخهم عبر التاريخ، و اتخذت سياسة فرق تسد منهجا في الحكم نخرت بها تحزبات المروءة، لتستبدلها بأحزاب و شيع يضرب بعضها رقاب بعض، و يكيد بعضها لبعض إلى أن تمخضت عنها تكتلات سياسية إدارية، خبيرة في استقطاب النخب و الكفاءات بالمال و المنصب ليتفننوا في بيع الوعود الكاذبة للأغلبية المخدوعة من المواطنين. لا يمكن تجاوز الاحتقان الاجتماعي السياسي إلا بربط المسؤولية بالمحاسبة، أقصد مسؤولية الدولة بفضح جهاتها ومؤسساتها بعينها المسؤولة عن كل التجاوزات، و جبر الأضرار الجماعية و الفردية المادية والمعنوية للأغلبية المغلوبة على أمرها، ومعرفة الحقيقة كل الحقيقة لتصفية ماضي وحاضر إبداع المخزن في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، مع الاعتذار الرسمي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق المواطنين والمواطنات المغاربة. لم تطو بعد صفحة الماضي، نريد طيا حقيقيا فعليا، و لا نريد تحايلا عن المطالب الشعبية و نهج سياسة النعامة.