تكتسي اللحظة الزمنية لعيد العرش طابعا سياسيا هاما في الحقل الدستوري المغربي من منطلق كونها من جهة مناسبة تجديد أواصر البيعة ،ومن جهة ثانية مناسبة يعرض فيها جلالة الملك حصيلة عمله السيادي كمؤسسة دستورية ذات صلاحيات واسعة بين باقي المؤسسات الأخرى برلمانية وحكومية وقضائية، ويعطي فيها أيضا توجيهاته النيرة لهذه الأخيرة بعد تقييمه للأوضاع من خلال استشرافه للرؤية المستقبلية للبلاد. إن المواطنين والمتتبعين السياسيين يولون بالغ أهميتهم لكافة الخطب الملكية السامية ،ومنها بصفة خاصة لخطب جلالته في مناسبات عيد العرش،وذلك بالرغم من ظاهرة العزوف الشعبي عن الشأن السياسي،لما يراهن فيه الجميع على المؤسسة الملكية الحالية بقيادة جلالة الملك محمد السادس من خلال إنجازاتها التنموية والسياسية المجدية على المدى القصير ،والجديد المنتظر في مبادرات جلالته على مختلف المستويات،مما يسمح بوصف العشرية الأولى بعشرية المبادرات السياسية والتنموية. إن من بين العناصر الإيجابية التي تسهم في ملامسة المغاربة للحصيلة الإيجابية لجلالة الملك ذاك التناغم التام الذي شيده جلالة الملك بسلاسة راقية مع جميع المؤسسات الدستورية ،وخاصة مع المؤسسة الحكومية بقيادة الأستاذ عباس الفاسي،التي يسجل التاريخ أنها قدمت حصيلة مشرفة وجيدة في منتصف ولايتها ،من خلال التزامها بالبرنامج الحكومي المتعهد به مع جلالة الملك ومع البرلمان،وذلك بتنفيذها لبرنامجها ولما يراه جلالته من قويم الإصلاحات التنموية والسياسية،الأمر الذي أفصح عنه جلالته في خطابه العرشي الأخير بإعلانه عن التوجهات الأربعة الكبرى والتي أعلن فيها جلالته على أنه منذ تولي مقاليد الحكم أقدم على:» انتهاج تحول نوعي في مسارنا التنموي،باعتماد اختيارات صائبة وناجعة تقوم على أربع دعامات أساسية»،تتجلى في قيام الدولة تحت قيادة جلالته بدورها الاستراتيجي في تحديد الاختيارات الإستراتيجية الأساسية والنهوض بالأوراش الكبرى والتحفيز والتنظيم ،وتوطيد الصرح الديموقراطي ،وجعل المواطن في صلب التنمية ،ثم تأهيل الاقتصاد الوطني. وإن ما يفيد نجاح الحكومة الحالية في مهمتها هو إعلان جلالة الملك صراحة أثناء تقديمه للدعامة الرابعة المتعلقة بتأهيل الاقتصاد الوطني أن هذا التأهيل والذي يتم « بتوفير التجهيزات الهيكلية واعتماد مخططات طموحة أخذت تعطي ثمارها الملموسة على المستويات الإستراتيجية والقطاعية والاجتماعية»، كما أفصح جلالته قبل تقديمه للمعيقات الثلاثة عن كون هذه المخططات القطاعية حققت نتائج مشجعة ،وهو ما يفند في العمق المزاعم الواهية والأضاليل التي صدرت عن المعارضة البرلمانية أثناء مناقشتها لحصيلة العمل الحكومي. إن الجديد في خطاب عيد العرش الأخير هو وقوفه الموضوعي على واقع المغرب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي،وذلك بمنهجية علمية تجسد الواقع وتقدم المثبطات وتسطر الآفاق المستقبلية،مما يبرز معه للمتبع السياسي أن المؤسسة الملكية كانت فعلا طيلة زيارتها الميدانية مؤسسة قرب ومؤسسة رصد واقعي ،حيث رصدت بصدق واقع البلاد والعباد،وسطرت مواقع القوة ونقط الضعف،التي على الجميع النهوض بها دون استثناء،كيفما كان مستوى مركز المسئولية،وهو ما أعلن عنه جلالته أثناء حديثه عن الدعامة الرابعة في المسار التنموي على المستوى القطاعي،حيث قال :»على المستوى القطاعي فإننا نحث الحكومة والبرلمان وكافة الفاعلين على مضاعفة الجهود للتطبيق الأمثل لكل الاستراتيجيات التنموية». إن جلالة الملك وهو يسطر الواقع المعاش ويحدد آفاق المستقبل لا يوحي خطابه باشتغاله وحيدا في العمل التنموي واحتكاره لمهام غيره من المؤسسات الدستورية الأخرى،بل أعلن جلالته عن أنه يؤمن بالعمل الجماعي ،وذلك بالحث على تحمل الجميع لمسئولياته في النهوض بالمشروع الوطني المبني على الثلاثية المقدسة لمغرب الغد ،والمتجلية في :»الوحدة والديموقراطية والتنمية»،حيث لا يتمسك بالشكل وبتحقيق الأرقام الإيجابية في مختلف الأوراش التنموية بل يركز على جوهر الأشياء ،بقوله في خطابه الأخير بأن :»تظل غايتنا المثلى من الأوراش التنموية ليس فقط تحفيز الاستثمار والمبادرة الحرة،وإنما بالأساس تأثيرها الإيجابي على تحسين ظروف العيش لمواطنينا خاصة المعوزين منهم وتوفير فرص الشغل للشباب «،وهو ما يفيد أن العبرة هي في جوهر الأشياء وغاياتها وليست في شكلها وإجراءاتها.