النضال من أجل الإصلاح أو التغيير لن يتأتي بجهود الهيئات أو الأحزاب أو الحركات لوحدها، بمعزل عن انخراط كل المواطنين واقتناعهم بضرورة التغيير. وقد أعجبني كلام الدكتور جاسم المطوع بمناسبة الجمع العام الوطني لحركة التوحيد والإصلاح، إذ أكد أن مشروع النهضة أكبر من حركة واحدة أو عدة حركات ، هو مشروع كل الأمة بجميع أفرادها ومكوناتها. ولذلك سيبقى دور الحركات القائدة للتغيير هو مساعدة الشعوب وتأهيلها لتحمل مسؤولياتها والقيام بأدوارها وليس النيابة عنها. والحقيقة أن هذه الفكرة نلمسها يوميا عند العديد من الناس الذين يحاسبون الحركات والأحزاب والزعماء والإعلام ويحملونهم مسؤولية فشل الإصلاح ، ويخرجون أنفسهم من دائرة المسؤولية أو المحاسبة. ترى أحدهم يقضي جل أوقاته في المقهى ويحلل المشهد السياسي الداخلي والخارجي ويعطي الحلول لكل مشاكل الدنيا في 5 دقائق. و لكنه غير مستعد ليساهم عمليا في التغيير بأدنى جهد أو وقت أو مال. ويأتي الآخر ليطلب من الصحفى أن ينشر خبرا مهما حول تورط مسؤول ما في اختلاس أو فساد أو شطط، ولكنه يرفض أن يدلي باسمه أو أن يوقع على عريضة أو أن يكون مستعدا لتقديم شهادته أمام المحكمة إن اقتضى الأمر. يريد مجموعة من المواطنين أن يساهموا في التغيير ولكن من بعيد، أي مع الحفاظ على طيبوبتهم ووداعتهم في نظر الجميع و على علاقاتهم ومصالحهم مع هؤلاء "المفسدين". وهذه الظاهرة قديما جدا، فقد قال قوم موسى عليه السلام لنبيهم:" اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون". يجب أن يعلم كل مواطن أن من مقتضيات المواطنة الحقة النصح للمسؤولين وتنبيههم لهفواتهم ونقائصهم بالوسائل المشروعة ومنها الكلمة الصادقة في وسائل الإعلام المتاحة. فكل من يحسن الكتابة يمكنه أن يساهم بمقال في موقع إلكتروني أومنتدى أو جريدة ورقية، وأضعف الإيمان كتابة تعليق شجاع والإفصاح عن الهوية حتى يعلم المسؤولون أن الأمة لا زالت حية وأن كل سارق أو خائن أو متلاعب بالمصلحة العامة مصيره المحاكمة أو الإعفاء من المسؤولية. بل حتى الدوائر العليا في البلاد أصبحت تعطي إشارات إيجابية في هذا الاتجاه، ولعل كلمة وزير الداخلية مؤخرا في مدينة الحسيمة على إثر الإعفاء الملكي لمجموعة من المسؤولين خير دليل على ما نقول. وربما ما كان لهذا التغيير أن يحدث لولا قناص تاركيست المشهور. و لهذا يمكن أن تظفر بشرف النضال وسبق الإسهام في التغيير والإصلاح دون أن تسمع كلمة سوء من أحد ودون أن تنعت بالغرور أو الكذب أو حب الظهور أو تضايق في عملك أو وظيفتك، قال تعالى: " احسبتم أن تقولوا أمنا وأنتم لا تفتنون "... بل يجب أن تتوقع إيذاء أكثر من هذا، وتلك ضريبة النضال والإصلاح. "لا يستوي المجاهدون والقاعدون"، ولا يمكن للمناضل "الزوين" أن يضع رجلا مع أهل التغيير والإصلاح ، ورجلا أخرى مع المصلحيين والانتهازيين، كما لا يمكنه لمناضل أن يغير لونه السياسي كلما تغير مسؤوله المباشر في إدارته أو مصنعه.