دستور فاتح يوليوز 2011 دشن لمرحلة جديدة في مسار تعزيز النموذج الديمقراطي المغربي دشنت الوثيقة الدستورية، التي صادق عليها المغاربة قبل سنتين (فاتح يوليوز 2011)، لمرحلة جديدة في مسار تعزيز المغرب لنموذجه الديمقراطي التنموي، عبر تكريسها للدعائم الأساسية للهوية المغربية وتعزيز نظام الحكم المتمثل في الملكية الدستورية الديمقراطية، البرلمانية، والاجتماعية.لئن شكل اعتماد هذه الوثيقة الدستورية نقلة نوعية نحو عهد دستوري جديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واستجابة للتطلعات المعبر عنها عبر الدينامية التي عرفها المجتمع المغربي منذ بداية التسعينيات، وفي سياق التغيرات التي شهدها العالم العربي في خضم ما يوصف ب"الربيع العربي"، فإنها كانت كذلك نتاج مسار إصلاحي تكثف مع اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش المملكة في 23 يوليوز 1999، وتوج بالخطاب الملكي لتاسع مارس 2011، الذي أعلن فيه جلالته عن المبادرة الملكية الداعية إلى إجراء تعديلات دستورية عميقة وشاملة أفضت إلى اعتماد دستور جديد بروح توافقية وبمشاورات موسعة بين كل الفاعلين. وإلى جانب تفرد طريقة خروج هذه الوثيقة الدستورية، التي تعتبر مبادرة إصلاحية رائدة، فإن مضامينها كما أكد ذلك العديد من المحليين والمتتبعين عبر العالم تؤسس لمغرب جديد يشكل نموذجا، ويحتل الريادة على المستوى الإقليمي في إطار فضاء يعج اليوم بالمتغيرات والتحولات العميقة. جاء الدستور الجديد، الذي تمت صياغته وفق مقاربة تشاركية غير مسبوقة في تاريخ المغرب، ليجدد التأكيد على الثوابت المتعلقة بالهوية المغربية التعددية والمنفتحة، معتبرا أن المملكة الدولة الإسلامية ذات السيادة الكاملة تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية. وتهم أبرز عناوين الإصلاح، التي طالت دستور 1996، على الخصوص، نظام الملكية بالمغرب، حيث يتم تعريفها في الدستور الجديد، كملكية دستورية ديمقراطية برلمانية، واجتماعية مواطنة ضامنة لثوابت الأمة، وتسهر على مهام السيادة والتحكيم الأسمى. وموازاة مع ذلك، عزز الدستور الجديد مكانة رئيس الحكومة، من خلال تخويله سلطات تنفيذية كاملة، جنبا إلى جنب مع هيئة تشريعية من مجلسين تكرس سمو مكانة مجلس النواب على مجلس المستشارين، مع توسيع مجال القانون. أما الحكومة التي تنبثق من برلمان منتخب، فتمارس سلطاتها تحت قيادة رئيس الحكومة، الذي يتمتع بسلطة تنفيذية كاملة، والذي يتم اختياره من قبل الملك من الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية، ويحظى بتزكية الغالبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، الذين سيبقى مسؤولا أمامهم. وأضحى مجلس الحكومة المكان الفعلي لصياغة وتنفيذ سياسة الدولة بموجب الدستور الجديد. أما بخصوص المجال التشريعي، فقد تم، في إطار مبدأ فصل السلط، حكر سلطة التشريع على البرلمان. كما تم تعزيز البرلمان بآليات ناجعة للمراقبة البرلمانية مع إضفاء طابع المرونة على شروط النصاب الضرورية لإعمالها: ملتمس الرقابة، لجان تقصي الحقائق، الإحالة على المحكمة الدستورية، وطلب عقد الدورات الاستثنائية. وانطلاقا من أن سلطة قضائية مستقلة تعد من مرتكزات كل نظام ديمقراطي، فإن الدستور الجديد يعتبر سلطة القضاء دعامة أساسية في عمل النظام الديمقراطي بالمغرب، من خلال دسترة الضمانات الأساسية لاستقلالية القضاء. وتهدف الإصلاحات التي أدخلت على القضاء إلى منحه ضمانات لأداء عمله المرتبط بحماية الحقوق، والتي تشكل مهمته الأساسية، علما أن هذه الحقوق أضحت تمتد لمجالات واسعة، من بينها حماية الحريات الفردية والجماعية، وكذا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها. وكرس مشروع الدستور الجديد الدور التنظيمي المهم للمجلس الدستوري، من خلال مهمته كوصي على دستورية القوانين. كما أن أفق المناصفة لم يعد حلما بعيد المنال، بل أصبح رهانا لمشروع مجتمعي لا يمكن له أن يتوجه بثقة نحو المستقبل دون مساواة كاملة بين النساء والرجال. ولأن روح الدستور تتوجه إلى المستقبل وترسم معالم مغرب آخر متصالح مع هوياته المتعددة ومنفتح على القيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان بانسجام وتناسق كامل مع تاريخه وخصوصياته، فإنه جعل من إعادة الاعتبار لكل فئات المجتمع ودسترة المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات ضمن أولوياته. ومن العناوين البارزة في الدستور الجديد، إدماج توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية إلى جانب اللغة العربية، فضلا عن تعزيز الحقوق والحريات والشفافية وتكافؤ الفرص وربط المسؤولية بالمحاسبة.