انتقل إلى عفو الله فجر اليوم الثلاثاء بالرباط الأديب والإعلامي المغربي عبد الجبار السحيمي مدير جريدة العلم الغراء. وعلم من مصدر من عائلة الفقيد أن عبد الجبار السحيمي فارق الحياة عن سن تناهز 74 سنة، بعد صراع طويل مع المرض. وعرف الفقيد بإنتاجاته الأدبية خصوصا في مجال القصة، وكذا بإسهامه الإعلامي الرفيع من موقعه كرئيس تحرير لصحيفة (العلم) لسنوات طويلة، حيث تميز بركنه الشهير (بخط اليد). وقد كان الفقيد رائدا في مجال الصحافة الأدبية، حيث أصدر رفقة محمد العربي المساري مجلة "القصة والمسرح" سنة 1964. وسيوارى جثمان الفقيد الثرى بعد صلاة العصر يومه الثلاثاء 24 أبريل 2012 بمقبرة الشهداء بالرباط وإن لله وإنا اليه راجعون عبد الجبار " السمية العزيزة" لملم أشياءه وقرر أن يتركنا ، هكذا بسرعة ومن غير استئذان ، فنداء السماء يتحقق بين حرفي الكاف والنون وبميقات رسم منذ الولادة. هكذا يرحل عنا عبد الجبار السحيمي الأديب والمثقف والكاتب والصحافي، الإنسان والملتزم ، يرحل عن زمن متجهم ، مليئ بكثير من المعاناة ليعانق زمن أبدي آخر حيث الملائكة تحلق بأجنحتها ، زمن نقي وطاهر ، زمن لا ككل الأزمنة. عندما كنت ألتقي بالأستاذ عبد الجبار السحيمي ، كان يبادرني بابتسامة خجولة وتحت نظرات واثقة تحكي حكايات دفينة ، ويقول لي : " السمية العزيزة" وكنت أفتخر بهذا الوصف لأن ذلك كان يحطم كل الحواجز بيننا ويلغي جميع الألقاب والصفات والرموز ليحسني أنني أمام عبد الجبار الإنسان. في دروب السويقة بالرباط كان يمر عبد الجبار رفقة سي العربي المساري متواضعا رغم شموخه ، يخالط الناس ويجالسهم وينقل معاناتهم بإحساس رهيف وبإبداع جميل يجتمع فيه السهل الممتنع، وتنفذ فيه الكلمة إلى أعماق النفوس. عبد الجبار السحيمي نموذج المثقف الملتزم بقضايا الشعب ، المدافع الأمين لا يخاف في ذلك لومة لائم . لم تستطع إغراءات الزمان ،- وهم كانوا ينفقون كثيرا من أجل الاستمالة- أن تثنيه عن التراجع يوما ما أو حتى عن الصمت، عاش عفيفا لا يسأل الناس قنوعا لا يتهافت على المناصب أو يسعى إلى الجاه ، رأسماله كرامته ، وعدته أدبه ، ورفيقه في الحياة كتاب ، ومعركته الحق والحرية . فبإرادته القوية وسط جسد نحيل استطاع عبد الجبار أن يجد له مسكنا آمنا في نفوس هذا الشعب الطيب واستطاع أن يبعث بإنتاجاته الأدبية والثقافية الدفئ في نفوس كثير من الناس أنهكها ظلم الزمان والمكان. عبد الجبار السحيمي نموذج المثقف الواعي بقضايا شعبه ، المؤمن بأن إرادة الشعب من إرادة الله ، المدافع عن الحق وعن المظلومين والكادحين. عندما كان يمتلئ قلقا ، كان يقصد هدير أمواج البحر ، حاملا قصبته وصنارته على كتفه، يناجيها ويعانقها وكأنها الملاذ الآمن. كان عاشقا للبحر إلى حد الوله . في أصيلة كان الأصيل يصقل أدبه وأصالته. أذكر كلمته التاريخية في المؤتمر الاستثنائي لحزب الاستقلال والذي خصص لمناقشة المشاركة في حكومة عبد الرحمان اليوسفي ، أنه صعد المنبر وصرخ بملئ فمه " احمارنا أعرج" ورددها ثانية ، وشد إليه جميع المؤتمرين ، وشرح بعد ذلك بأسلوب سياسي متميز يؤثثه الأدب الرفيع كيف أن حزب الاستقلال وباستحضار رهانات المرحلة ليس أمامه سوى القبول بالمشاركة في الحكومة. رحلت ، وتركتنا ، ورحل معك الصباح والحب وأشياء جميلة أخرى يقول الشاعر المصري أحمد سعد الدين أبو رحاب في احد مرثياته : رحل الصباح وتفجرت شمس الجراح فارحل هنيئا ، ضاحكا مستبشرا واذهب سعيد، ولتدع لفلوبنا نحن النواح رحم الله عبد الجبار السحيمي وأسكنه فسيح جناته مع النبيئين و الصديقين والشهداء وحسن أولائك رفيقا .