تطرح قضية اعتقال مدعي المهدي المنتظر العديد من التساؤلات، سواء منها المتعلقة بالجانب الأمني الخاص بالتوقيت الزمني للاعتقال، مع العلم أن هذه الخلية ظلت تشتغل تحت أعين السلطات سنوات طويلة، أو الجانب المتعلق بكيفية تفسير نشأة هذه الظواهر في المجتمع المغربي، خصوصا بعد سنوات من التأطير الديني في ظل ترويج الخطاب القاضي بالاستحالة المطلقة لقبول المغرب لأي خطاب يخرج عن فلسفة الاعتدال والوسطية التي اختارها المغرب نموذجا دينيا رسميا. وهنا بالضبط، نحتاج للإجابة عن مجموعة من الإشكالات التي تفرض نفسها، وعلى رأسها، ألا يمكننا اعتبار ظهور هذه الظواهر دليلا عمليا على التقصير في مجال السياسة الدينية، بحكم أن المصداقية العملية لنجاح السياسة الدينية لا تتعلق فقط بنوعية الأعمال المنجزة فقط، وإنما بقدرة السياسة الدينية على خلق مناخ ثقافي يحول الوسطية والاعتدال إلى قناعات ثقافية. أما وأن يتمكن شاب في مقتبل العمر من تأسيس خلية بات يتحكم فيها ويبرمجها روحانيا واعتقاديا، فهذا معناه غياب القدرة على صناعة الثقافة الدينية المبنية على الوعي النقدي وعلى تحمل المسؤولية، بل وعلى الفصل بين العالم المقدس وباقي الاجتهادات البشرية، التي لا يمكن أن تتحول إلى عقائد مطلقة يتم باسم قداستها سلب القدرة الفكرية للإنسان ليتحول إلى كائنات مسلوبة الإرردة يتحكم فيها كيف يشاء، وهذه هي الإشكالية التي تحتاج إلى تأمل فكري. وللإشارة، فإن العديد من التقارير التي صدرت في الإعلام تفيد بأنه تم طرده من جماعة العدل والإحسان، لكونه بات يشعر بتضخم الأنا الروحية التي دفعته للغرق في بحر الأحوال الصوفية غير المنضبطة لا لشيخ ولا لشريعة، لدرجة بات يدعي أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم يوميا، وهنا جوهر الإشكالية التي تحتاج إلى نقاش علمي لإعادة بناء الثقافة الإسلامية بناء عقديا صحيحا. وفي هذا السياق، ألا يمكننا أن نقول بأن هذا العالم العقائدي الخاص بالمهدي المنتظر إذا لم يؤصل على ضوء العقيدة التوحيدية، يمكنه أن يتحول من أبعاده المقاصدية الخاصة بعودة العدل والصلاح إلى الأرض إلى حالة نفسية تدفع العاشق لعودة المهدي إلى اختصار المسافة الزمنية بالفناء الروحاني في شخصيته النموذجية، من خلال وهم التمثل الذي يتحول بدوره إلى حالة أسطورية مرضية، يضفي من خلالها الشخص على نفسه التقديس ويطالب الآخرين بالتعظيم والإجلال. والغريب في الأمر في الدول المتقدمة، أن مثل هذه الحالات المرضية تخضع للتحليل العلمي من قبل مراكز الدراسات العلمية نظرا لقوة المؤسسات التي راكمت خبرة طويلة في مثل هذه الملفات. ولذلك، بالرغم من انتشار الآلاف من العقائد المنحرفة في العالم الغربي، فإن الإيمان بفلسفة الحرية وثقافة احترام القانون يفرضان الانضباط الكلي لمؤسسات الدولة، بحكم أنها لا تقوم فقط على القانون، وإنما بالدرجة الأولى على منظومة القيم، التي كما تعطي الحرية العقائدية للمجتمع بكافة مدارسه الدينية وتياراته اللادينية، فإنها تضبط الجميع للقيم الثقافية التي تشكل المحكمة الحقيقية لقبول أو رفض الظواهر الدينية. وعليه، فرفض كل أشكال التطرف الديني والنحل القائمة على عقائد القيامة والحروب العالمية الافتراضية، إنما يتم من داخل تربية الذوق المجتمعي وتقديم الفلسفة الدينية الناظمة لعالم القناعات الدينية. وفي هذا السياق، ألا يحق لنا أن نتساءل عن خطورة الانحرافات التي من الممكن أن تنتجها الحركة الإسلامية إذا ما غيبت التكوين المعرفي، واقتصرت في مجال تربيتها على الأبعاد الجزئية، سواء منها السياسية أو الروحانية؟ ومن ذلك، هل وفقنا بعدما أثيرت قضية الرؤية والخلافة في أن نبني نقاشا أخلاقيا لتدبير الاختلاف المعرفي والسياسي بطريقة متحضرة، أم أن الاتهامات النقدية لجماعة العدل والإحسان زادتها تمسكا بمعتقداتها، وهل يمكننا الإيمان بأن بناء أخلاقيات التواصل العلمي والاختلاف المعرفي كفيل بتغيير القناعات، ولكن بطريقة تدريجية، دون اعتبار للعنف الرمزي أو للإقصاء الديني؟ وهل نتوفر اليوم على مردودية إيجابية لتدبير الاختلاف حتى نضمن تطوير المسار النقدي لمختلف الاجتهادات السياسية في المجال الحركي، ولكن بطريقة عوض أن تنتج الانشقاقات التنظيمية وعقلية التآمر والتخوين النخبة الواعية التي من الممكن أن تحافظ على انتمائها التنظيمي، ولكن تتمتع في آن واحد باستقلاليتها الفكرية. وإلا، فإن محاربة الاختلاف والتربية على الوعي النقدي من الممكن أن تنتج لنا نماذج لا تدعي المهدي المنتظر، بل نماذج قادرة على تفجير نفسها دفاعا عن معتقداتها التكفيرية. وعودا بنا للسؤال الإشكالي لهذه التأملات، ألا تنتشر العقيدة المهدية في الأمة، بل الأدهى والأمر ألا يشكل الخطاب الشيعي بناءه النظري على العقيدة المهدوية في مجال بناء المنظومة المذهبية للنسق الإمامي؟. إن الكثير من الظواهر التي تنتشر في الأمة تحتاج إلى منطق البحث العلمي لدراستها وتحليل آليات اشتغالها، وهنا تظهر قيمة بناء مؤسسة العلماء في مجال التحصين العقدي للمجتمع، لأنه لم يبق مسموحا في زمن الإصلاحات أن تبقى الثقافة الإسلامية غارقة في الانحرافات الأسطورية والميولات الخرافية على أساس أن المنطق الأمني لوحده لا يمكن أن يحل المشاكل، خصوصا في زمن العولمة المفتوح على كافة النحل والملل والتيارات والمذاهب.