المبرزون ينتظرون قانونهم الأساسي لا شيء يبرر، اليوم، تلكؤ الوزارة، المستمرَّ، في إخراج القانون الأساسي الخاص بفئة الأساتذة المبرزين، خصوصا أن المَطالب التي طالما نادت بها هذه الفئة لا تتجاوز عتبة الإنصاف، إنصاف فئة تُعتَبر، عن حق، نخبة التعليم المغربي في واقع منظومتنا التربوية، مطالب ليست ظرفية تستند إلى «موضة الاحتجاجات» التي «تفرّخها» أغلب فئات القطاع، بل هي مطالب مشروعة من شأنها أن تعيد رسم وضع طبيعي، وأقول طبيعي، يحظى فيه الأستاذ المبرز بوضعية إدارية ومالية في مستوى المهام المنوطة به في المنظومة، فنحن إزاء كفاءة تربوية وعلمية كلّفت الدولة ميزانية ضخمة في تكوينها المعرفي والبيداغوجي المتخصص والشمولي العالي، وفي نفس الوقت، تقابلها بدرجة عالية من اللا مبالاة.. إن وضعية الأساتذة المبرزين في منظومتنا التربوية تنمّ عن وضعية مفارقة لم ينتبه إليها أصحاب الحل والعقد في الوزارة، فقد استنبتت الدولة المغربية هذا النوع من التكوين العالي في تربتها التربوية احتذاء بالنموذج الفرنسي، منذ ما يقارب الثلاثة عقود، لكنها ما تزال تعامل أصحاب هذه الشهادة بالدرجة ذاتها التي تعامل بها فئات لم تتلق أي تكوين يذكر، وهي فئات كثيرة خلقتها ظروف «الخصاص»، منها فئات تطالب اليوم بمطالب تعجيزية، يستند أصحابها إلى ذريعة الأقدمية دون اعتبار لفضيلة المعرفة والتكوين والكفاءة والجدارة.. وهذا موضوع آخر، عريض، يحيل على زمن مغربي عماده الريع والتنافس في المطالب الريعية.. لذلك فمطالب فئة المبرزين تحمل، لمعقوليتها، عنوان المطالبة بالإنصاف، ولا شيء غير الإنصاف، فما لا يعرفه عموم المنتسبين إلى قطاع التربية والتكوين هو أن التكوين في ظل هذه الشهادة هو الأصعب من جملة التكوينات التي تتم في القطاع، تكوين تُشْرف عليه فرق متخصصة من الدكاترة المميزين في مجالاتهم، وبعد سنتين أو ثلاثة سنوات، حسب نوعية التخصصات، يخضع الطالب في هذا السلك لامتحانات «ماراطونية» تضعها لجنة وطنية مستقلة، والمفارقة هي أنه بدل أن يكون التكوين في التبريز امتيازا لأصحابه، أضحى «نقمة» عليهم، مما أفقده جاذبيته عند عموم رجال التربية والتكوين، الذين يخول له القانون الحق في هذا التكوين، وأضحى أساتذة التعليم الثانوي، مثلا، يُفضّلون الترقي بالامتحانات المهنية على المغامرة في تكوين يؤدي إلى الهاوية، على غرار كتاب هايدغر «Chemins qui ne mènent nulle part». المفارقة الأخرى هي أن الدولة المغربية أضحت واعية بحقيقتين، لكنها في المقابل تغفل عن أخرى، فهي تعي، أولا، أن تشجيع التعليم التقني، بمختلف مستوياته، هو الحل الناجع لعقدة الانفصام بين المدرسة والمجتمع، لتصبح المدرسة قاطرة التنمية، بمختلف أبعادها، وهذا أمر واضح في المجال الثاني للبرنامج الاستعجالي، وتعي ثانيا -كما يشير إلى ذلك منطوق القانون الأساسي- أن الأساتذة المبرزين هم الفئة المعول عليها لإنجاح هذا المسعى الحيوي، بل وتعول عليهم، أيضا، في مهام تدبيرية حيوية، على المستويين المركزي والجهوي، فعدد مهم من المديريات المركزية يديرها أساتذة مبرزون، إضافة إلى عدد من النيابات والأكاديميات، ناهيك عن التعويل عليهم، أيضا، في التكوين في المدارس العسكرية، والتي يتخرج منها ضباط مهندسون وتقنيون في مختلف تخصصات الجيش.. أما الحقيقة التي تغفل عنها الوزارة فهي أنها ممعنة في تهميش الوضعية الإدارية والمالية للأساتذة المبرزين، حتى أضحت وضعيتهم رمزا لمفارقة صارخة في منظومتنا التربوية: الاعتراف في مقابل عدم الإنصاف! فهم مبرزون والوزارة تعترف بهم، لكنهم «غير مبرزين»، لكونها، تأخذ منهم ولا تعطيهم.. تثقل كاهلهم بالواجبات وتغفل عن حقوقهم.. الوجه الآخر للمفارقة نستجليه عندما نقارن واقع حال هذه الفئة بمضامين المادة ال13 من الباب الرابع، الخاص بالأساتذة المبرزين من النظام الأساسي الخاص بموظفي التربية والتكوين، حيث نجد أن الأستاذ المبرز يقوم بمهام التدريس في الأقسام التحضيرية لولوج المعاهد والمدارس العليا وأقسام تحضير شهادة التقني العالي ومراكز التكوين والأقسام النهائية للتعليم الثانوي التأهيلي. وإذا وقفنا لبرهة عند كل مهمة من هذه المهام، سنجد أنها تفترض تكوينا علميا ومنهجيا وبيداغوجيا عاليا، أو نخبويا على الأصح، فكل التلاميذ المميزين والحاصلين على نتائج مدرسية عالية يختارون، بالضرورة، أحد هذه الاختيارات، بدءا من التوجه للأقسام التحضيرية كاختيار أول، نظرا إلى الإمكانات المستقبلية الواعدة التي يتيحها، نزولا إلى المدارس العليا للتقنيات، على اختلاف تخصصاتها، والتي أضحت، هي أيضا، تحظى بأهمية لدى الطلبة ولدى الأُسَر، لاسيما أن خريجي هذه المدارس لا يجدون أي صعوبة في ولوج سوق الشغل، وبرواتب ومحفزات مادية جد محترمة، بمعنى أنها تحتضن نخبة متعلمينا، والفئة التربوية التي يُعول عليها في التكوينات والتقويمات تتكون، في معظمها، إن لم نقُل جلها، من الأساتذة المبرزين، فأحيانا قد نجد أساتذة جامعيين، لكن ّطبيعة التكوين الجامعي يجعل هذه الفئة، وخصوصا في التخصصات التقنية، غير قادرين على مجاراة إيقاع التكوين في هذه الأقسام، فنجدهم يدرسون مجزوءة واحدة، بينما تجد الأستاذ المبرز، ونظرا إلى طبيعة تكوينه الدقيق والشمولي في آن، قادرا على تدريس عدة مجزوءات... إذن، ألا تستحق هذه الفئة الإنصاف؟!..