أن مهمته تتوقف عند رصد التساقطات قبل وصولها إلى الأرض تحرص مديرية الأرصاد الجوية الوطنية بالمغرب على تسخير شبكة الرصد والقياس الجوي ونظام التنبؤ والإنذار، لرصد آثار التغيرات المناخية والبيئية مستمرة، تماشيا مع متطلبات مدبري الموارد المائية والمؤسسات العمومية ووكالات التوزيع ومسيري أوراش البنية التحتية المائية. فكلما كانت التنبؤات على المدى القصير، كلما كانت أكثر دقة، حسب تصريح محمد بلعوشي، مسؤول بالمديرية، ولأن دور هذه الأخيرة يكمن في تتبع الحالة الجوية ليلا ونهار اعتمادا على وسائل للقياس، فذلك لا يعني الجزم بحجم الخسائر الممكنة في حالة الفيضانات مثلا، لأن التنبؤ مرتبط برصد حجم التساقطات ومواقيت نزولها، وطبيعية البنية التحتية التي لها دور أيضا في تحديد آثار هذه التساقطات على المجال البيئي، إما سلبا أو إيجابا. "لأن التقلبات المناخية المصحوبة أحيانا ببعض الظواهر الجوية (موجات الحرارة والرياح الهوجاء والبرودة..) واقع معاش"، على حد تعبير محمد بلعوشي، فإن الفرد مدعو للتجاوب على الأقل مع النشرات والتحذيرات، التي تعلن عنها المديرية على نحو يجعله متأهب باستمرار، لدرء المخاطر كالفيضانات والجفاف، موضحا أن تأثير هذه التغيرات المناخية على الواقع البيئي متباين من منطقة لأخرى، وفقا لطبيعة البنية التحتية وكذا سلوك المواطن إزاء بيئته، فليس كل ما تنذر به المديرية يقود إلى حدوث كارثة طبيعية، لوجود عوامل متداخلة بين ما ترصده من حالات وأجواء وظواهر، وبين المجال البيئي والواقع الاجتماعي المستقبل لهذه الأرصاد. زبناء المديرية في جولة تفقدية بمديرية الأرصاد الجوية الوطنية، برفقة محمد بلعوشي، قصد الوقوف عند بعض آليات اشتغال الرصديين والمهندسين والتقنيين، اتضح أن عمل محمد بلعوشي يتطلب سعة صدر كبيرة، فالمهندس المسؤول بالمديرية، ما أن ينهي مكالمة هاتفية حتى ترده أخرى من المهتمين بالتغيرات الجوية، كالمشرفين على قطاعات الماء والبيئة والصحة والسياحة وغيرهم، لأن حلول فصل الشتاء عادة ما يجلب معه بعض المفاجآت المناخية، لهذا كان بلعوشي لا يتوانى في مد جميع المهتمين بجديد ما توصلت إليه التنبؤات الجوية، تسهيلا لأعمالهم ومسؤولياتهم في مختلف القطاعات، خاصة أن مختلف القطاعات بما فيها الحياة اليومية للمواطن، تستعين بخدمات مديرية الأرصاد الجوية الوطنية، حسب إفادة بلعوشي الذي ما فتئ يفسر تقنيات العمل داخل المديرية، بأسلوب يعكس قدرا من الجدية والحزم في التعاطي مع الجهات المستفسرة عن جديد التنبؤات والتي من شأنها أن تعزز الثقة المتبادلة بين المديرية وأولئك. لغة الطقس بينما يبدو للبعض أن اللغة المستعملة في بث النشرات الجوية على شاشة التلفاز والإذاعات غير مفهومة على نحو يسهل على جميع المواطنين استيعاب مضمون النشرة، فمحمد بلعوشي يذكر أن "المستقبل للنشرة الجوية عليه تعلم بعض أبجديات خطاب المديرية، بما يسعفه على التمييز على الأقل بين الحالات الجوية العادية والحالات غير العادية، للاستعداد لها وفق ما يلبي حاجياته"، مضيفا بنبرة جادة أن "اللغة المعتمدة في تبليغ طبيعة الأجواء المناخية، هي لغة تراعي المصطلحات العلمية والجغرافية والطبيعية والتقنية، بما يحافظ على خصوصية الخطاب ويقدم معطيات شاملة حول مستجدات التنبؤات، لكن يبقى على مقدم النشرة عبر وسائل الإعلام، المسؤولية في إيصال المعلومات بشكل ييسر الفهم ويحافظ على تلك المصداقية في المعلومات". ولأن خبرة بلعوشي في مجال الرصد والتنبؤ الجوي تناهز 32 سنة، فإنه يوقن بثقة أن إيفاد الناس بالمستجدات حول التغيرات المناخية، لا بد أن يكون بأسلوب جاد يخلو من الاستخفاف والاستهتار، لأنه لا بد من مراعاة نفسية الفرد بغض النظر عن مركزه ومكانته داخل المجتمع، مستشهدا بمثال عن الفلاح الذي يركز كل اهتمامه عما ستذره أراضيه من خيرات وموارد طبيعية، ليمنح ثقته لخدمات المديرية، ثم يتجاوب مع التنبؤات المناخية وفق ما يجعله أكثر احتياطا في الاستثمار بالأراضي الفلاحية، ليستطرد بلعوشي قوله إن "التغيرات المناخية كما تؤثر في الطبيعة فهي تؤثر في نفسية الفرد وقراراته"، مفسرا ذلك بلهجة مبسطة، "كثير من الناس من تغريهم الأجواء المشمسة لعقد لقاءات مع الأصدقاء والعائلة والخوض في التزامات أخرى، وكثير من الناس من تثبط عزائمهم التساقطات المطرية عن السفر والرحلات والخروج من البيت"، محاولا بذلك محمد بلعوشي التأكيد أن "دور مديرية يتسم بمسؤولية كبيرة إزاء كل فرد، كل حسب انتظاراته من خدمات الأرصاد". تنبؤات متعددة تسعى مديرية الأرصاد الجوية الوطنية، حسب تصريح بلعوشي ل"المغربية"، إلى تحسين تدبير الموارد المائية بتحسين التنبؤات الجوية والخدمات الرصدية، كما تسعى بتجنيد أطرها إلى المساهمة في أمن الأشخاص والمحافظة على التراث البيئي، وتضع رهن إشارة المشرفين على تدبير الموارد المائية والبيئية بنك معلوماتي للمعطيات الرصدية. وعن أنواع التنبؤات المعتمدة لتحديد الحالة الجوية، يذكر محمد بلعوشي أن من بينها، التنبؤات الآنية التي غالبا ما تحتاجها الملاحة الجوية، كما يحتاجها قطاع الفلاحة، حيث تكون مقننة ومضبوطة حسب الأعراف الدولية، ثم التنبؤات القريبة الممتدة على 24 ساعة، إذ تستعمل وسائل الاستشعار عن بعد، كالرادارات وصور الأقمار الاصطناعية، من أجل استباق تحركات الخلايا الممطرة التي تشخص في صورتين متعاقبة التقطت بالرادار من قبل، ثم هناك التنبؤات المتوسطة المتعلقة ب7 أيام، إضافة إلى التنبؤات البعيدة أو كما تسمى بالتنبؤات الفصلية، التي تمكن من وصف الاتجاه العام للطقس لموسم معين على نطاق واسع لشبكة ذات دقة مساحية من مئات الكيلومترات، بدلا من عشرات الكيلومترات بالنسبة لنماذج التنبؤ القصير أو المتوسط، كما يتطلب تشغيل هذه النماذج المناخية موارد معلوماتية مهمة وحواسيب عملاقة. كما أوضح بلعوشي في خضم تفسير لعمل المديرية، أنه هناك تنبؤ يهم تلوث الهواء، لرصد وتتبع تشتت الملوثات في الهواء وتقييم آثارها على السكان والبيئة، من أجل مساعدة السلطات في اتخاذ القرارات السليمة عند وقوع حوادث بيئية، إذ تستعمل بوصلة التلوث لتحديد نسبة عدد ظهور أو معدل تركيز التلوث حسب مختلف اتجاهات الرياح ومختلف درجات قوتها، وذلك لسنة كاملة أو موسم أو شهر. وبإسهاب تحدث محمد بلعوشي ل"المغربية"، أن هناك شبكة لرصد الصواعق تراقب وترصد اقتراب خلية عاصفية من موقع معين في الوقت الحقيقي، وهكذا تنبئ المديرية بذلك للوقاية منها، كما تقيم المخاطر المرتبطة بالصواعق قبل تركيب أجهزة أو منشآت يمكن للصواعق أن تشكل خطرا عليها، مع تحديد شدة الصاعقة. لمن يهمه الأمر إيمانا بأهمية الخدمات التي تسهر عليها مديرية الأرصاد الجوية الوطنية إزاء مختلف القطاعات لتوفير الوقت وتحسين السلامة والفعالية، هناك نشرة جوية متوسطة المدى تمنح التوقعات الجوية في المغرب لمدة 6 أيام القادمة، وهي عبارة عن توقعات عن درجات الحرارة والتساقطات المطرية والتغييم والرياح والظواهر الجوية، إذ يمكن مع هذه النشرة تحسين التخطيط وتحسين تدبير الأنشطة في ست الأيام المقبلة، كما توجد النشرات الخاصة بوكالات الماء والكهرباء، وهي عبارة عن تنبؤات لليومين والخمسة الأيام المقبلة للمعطيات الرصدية، كالغطاء السحابي وحالة السماء والحد الأدنى والحد الأقصى لدرجة الحرارة والتساقطات المطرية، إضافة إلى نشرة التنبؤات الجوية الخاصة بالماء، تهم التنبؤات بالعواصف والتساقطات في مراكز معالجة المياه على مدة 24 ساعة و48 ساعة. أما عن نشرة الظواهر المتوقعة في الأحواض المائية، فيفيد بلعوشي أنها تعطي توقعات على مدى 24 ساعة و48 ساعة، للظواهر الرصدية مثل التساقطات المطرية والعواصف الرعدية والبرد والثلوج والضباب والرياح القوية وموجات الحرارة والبرودة المفرطة في الأحواض المائية الرئيسية، في حين تعنى نشرة الإنذار بالظواهر الجوية القصوى التي يمكن أن تشكل خطرا على سلامة الأشخاص والممتلكات كسقوط الثلوج الغزيرة أو التساقطات المطرية القوية أو موجات الحرارة والبرودة، ليوضح بلعوشي وفق خبرة بالمجريات، أن المكلف بالتنبؤات يقرر بعد تحليل الحالة الجوية إرسال أولا نشرة ما قبل الإنذار، إذا اعتقد أن الحالة الجوية تعد خطيرة، لتؤكد أو تلغى نشرة ما قبل الإنذار استنادا إلى وسائل الرصد الجوي كالرادارات وأجهزة استشعار الصواعق، وعند إعداد نشرة ما قبل الإنذار يؤكد بلعوشي أنها ترسل بسرعة عن طريق الفاكس إلى من يهمهم الأمر كالوقاية المدنية والدرك الملكي والولايات والوزارات المعنية، للتهيؤ لها. خدمات متنوعة أما عن مستعملي الخدمات الرصدية، فيذكر بلعوشي أن المديرية تقدم كلما يتماشى مع متطلبات القطاعات، فقطاع الماء تهمه النشرات الجوية الإنذارية والمعطيات المناخية، كما تساعده المديرية في اقتناء وتركيب بعض الأجهزة الرصدية وصيانتها وتكوين الأطر المشرفة عليها، إذ أن وكالات الأحواض المائية ومديرية البحث والتخطيط المائي والمديرية العامة لهندسة المياه، بحاجة دائما إلى تحسين تدبير الموارد المائية، إلى جانب مشاركة المديرية للوقاية المدينة والدرك الملكي في تنسيق الإجراءات وتتبع حالات الأزمات، عبر توفير المعلومات خاصة النشرات الإنذارية، أما في ما يهم البحث العلمي والتنمية، فيشير بلعوشي إلى بعض الاتفاقيات التي وقعتها المديرية مع عدد من الوكالات للحماية من الفيضانات وتدبير الموارد المائية، في حين تعمل المديرية على عقد شراكات مع عدة هيئات كمؤسسة محمد السادس للبيئة والولايات ومجالس المدن ومجالس الجهات، لتحديد مسؤولية كل طرف من أجل تدبير فعال لكل شبكة محلية لقياس جودة الهواء وتقييم تأثيرها على الصحة إضافة إلى تنمية الطاقات المتجددة والمحافظة على التراث الغابوي.