صفحة مشرفة في سجل الكفاح البطولي ضد الاستعمار يحتفل الشعب المغربي، وفي طليعته رجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير، يومي 14 و15 غشت الجاري بالذكرى 58 لمظاهرة المشور الخالدة بمراكش، التي جسدت أروع صور الوطنية والمقاومة والتصدي لمؤامرة الوجود الاستعماري الرامية إلى نفي جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، وإبعاده وعائلته عن الوطن وتنصيب صنيعة الاستعمار. وأبرزت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال بالمناسبة، أن هذا الحدث شكل إيذانا بانطلاق الشرارة الأولى لحركة المقاومة والفداء بمراكش وعبر التراب الوطني ذودا عن الشرعية والمشروعية التاريخية، ودفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية. وأكدت أن المغرب يجدد، بهذه المناسبة، التي تؤرخ لفترة عصيبة في سجل الكفاح الوطني وتعتبر من الإرهاصات الأولى لملحمة ثورة الملك والشعب الخالدة، عزمه الراسخ على مواصلة الدفاع عن وحدته الترابية وحقوقه المشروعة في أقاليمه الصحراوية المسترجعة. وذكرت المندوبية السامية، في هذا المقال، أنه قبل أن تمتد يد الاستعمار إلى رمز الأمة المغربية، اجتمعت اللجنة العليا للباشوات والقواد بمراكش وذلك للتحضير لمبايعة ابن عرفة، وبمجرد أن وصل إلى علم الوطنيين أن ابن عرفة سيتم تنصيبه يوم الجمعة 14 غشت 1953 بمسجد الكتبية بمراكش، حتى هبوا لمواجهة هذه المؤامرة الشنيعة حيث شهدت مدينة مراكش غليانا وتحركات على مستوى جميع التنظيمات، وعرف كل من باب هيلانة وقاعة بنهيض اتصالات لتشكيلتين رئيسيتين أعطيت الأوامر فيها للحاضرين بعد أداء اليمين للحيلولة بكل الوسائل دون ذكر اسم ابن عرفة في خطبة الجمعة بمساجد مراكش، كما وقعت اتصالات مباشرة بكل من المسؤول عن تشكيلة قبيلة مسفيوة وكذا قبيلة تاسلطانت لتبليغ مضمون تلك التعليمات واستقدام أكبر عدد ممكن من الأفراد للتصدي لمخطط التنصيب. وانطلاقا من هذا الإطار، وقعت عدة حوادث بمختلف مساجد مراكش كان من أهمها حادثة مسجد المواسين، ومسجد الكتبية مما أدى إلى إفشال وإحباط عملية التنصيب يوم الجمعة 14 غشت 1953 ما حدى بقوات الاحتلال إلى تأجيلها إلى اليوم الموالي. وفي يوم السبت 15 غشت 1953 المشهود، هبت حشود المواطنين إلى المشور لإظهار رفضهم، حيث واجه المتظاهرون دورية من البوليس كانت تجوب المكان، فتدخل أفراد الدورية لتفريق الجموع وإبعادها عن باب المشور، وبدأوا يقذفون القنابل المسيلة للدموع، إلا أن المتظاهرين أحاطوا بقوات الاحتلال واشتبكوا معها بكل ضراوة وإقدام، وعرفت هذه الانتفاضة مشاركة متميزة لكل فئات وشرائح المجتمع ومن ذلك المرأة المغربية. لقد كان لمظاهرة المشور آثار قوية في إرباك مخططات المستعمر، الذي أدرك وأيقن تمام اليقين أن الشعب المغربي ملتف حول العرش صامد في وجه كل تطاول على سيادته ومقدساته حريص على وحدة وطنه، وتجددت هذه المواقف البطولية أياما قليلة بعد إقدام الاستعمار على فعلته الشنيعة، إذ هب الشهيد علال ابن عبد الله يوم 11 شتنبر 1953 ليواجه موكب ابن عرفة، مضحيا بروحه دفاعا عن المقدسات الغالية التي انطلق الشعب عن بكرة أبيه للذود عنها بأشكال النضال المتوالية من مظاهرات وأعمال فدائية ومعارك بطولية إلى أن تحقق النصر المبين الذي وعد به الله عباده المؤمنين. وأكدت المندوبية السامية أنها تتوخى من تخليد هذه الذكرى بما يليق بها من عظمة وإجلال أن تكون هذه المناسبة ومثيلاتها من الذكريات الوطنية المجيدة محطات للتأمل واستحضار الصفحات الوهاجة من نضال الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد التي ستبقى على الدوام نبراسا تستنير به الأجيال المتعاقبة في مسيراتها نحو البناء والتشييد وكسب رهانات المستقبل وإعلاء صروح الوطن. واحتفاء بهذه الذكرى الوطنية المجيدة، ستنظم المندوبية السامية مهرجانا خطابيا يوم الاثنين المقبل بمراكش تلقى خلاله كلمات وشهادات استحضارا لحدث هذه الانتفاضة الشعبية التاريخية واستجلاء لمضامينها الثرة ومعانيها العميقة، واعتزازا برصيد مسار الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية، وتكريما وتشريفا لرواده وأعلامه وأقطابه ورموزه، وإشاعة لقيم ودروس وعظات ملحمة ثورة الملك والشعب المباركة في صفوف الأجيال الحاضرة والقادمة. وسيتم بهذه المناسبة المجيدة، تكريم صفوة من المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير بمدينة مراكش في نطاق العناية الموصولة والوفاء والبرور بالماهدين للعمل الوطني وأبطال المقاومة والتحرير.