ارتكن إلى جدار منزل تحت سقيفته وانتصب كعمود نور محاولا أن يتجمع ويجمع جميع أطرافه في جسده وادخل رأسه في كتفيه كطائر البجع بحثا عن دفء ينبعث من داخل البيوت...كان ذلك الإفريقي يحاول أن يتماسك ويقاوم ارتعاد أطرافه واصطكاك أسنانه تحت ملابس خفيفة خلال أيام شهر دجنبر شديد البرد وتحت السماء الممطرة....بمجرد ما فتحت الباب حتى نطق بلغة لم أفهم منها سوى انه يطلب مساعدة وصدقة خاصة وأنه جسد طلبه بيده والشاهد من أصابعه. يطوف هؤلاء الأفارقة والإفريقيات منهن الحاملات لأطفالهن فوق ظهورهن على المقاهي والأحياء في أوضاع مزرية يستجدون درهما أو لباسا أو أكلا بعد أن اضطروا إلى الهجرة عن أوطانهم ومغادرة بلدانهم من أعماق إفريقيا الفقيرة والجائعة جراء الجفاف والجريحة بفعل الحروب،"جئت من الكوت ديفوار منذ أكثر من سنة بعد أن قطعت آلاف الكيلومترات خلال سنتين..." يبوح فيلكس شاب لم يتجاوز عمره 25 سنة بلغة فرنسية جيِّدة وصحيحة رغم اللكنة الافريقية، قبل أن يستطرد قائلا "أنا قادر على العمل ولكن من الصعب أن أجده رغم وفرته لأنني إفريقي بدون وثائق وأخاف أن يلقى علي القبض كما يخاف المشغل أن أتسبب له في مشاكل...". يقوم عشرات الآلاف من الأفارقة المرشحين للهجرة السرية من مختلف البلدان الإفريقية الممزقة بين الحروب الأهلية والصراعات على السلطة والمجاعة والأمراض الفتاكة، منذ أكثر من عشر سنوات بقطع المسافات الطويلة التي لا تعادلها إلا هجرة الحيوانات المتتبعة لتغيرات المناخ، من آلاف الكيلومترات للاستقرار بالمغرب خاصة بمدنه القريبة من الشواطئ المطلة على البحر الأبيض المتوسط في انتظار فرصة سانحة لعبوره نحو الفردوس المفقود، إسبانيا، ومنها إلى مختلف البلدان الأوروبية. وجد هؤلاء أنفسهم مضطرين إلى سلوك أي طريق وركوب أي وسيلة تمكنهم من العيش ومقاومة الحياة من تنفيذ أي عمل لربح بعض الدريهمات أو الاستجداء والتسول لضمان القوت اليومي وادخار بعض المال للحاجة...يعيش هؤلاء ظروفا صعبة وقاسية خاصة خلال الأيام الباردة والممطرة جداًّ، وعانوا كثيرا في فترة الفيضانات والثلوج التي عرفتها مدينة وجدة ومختلف مناطق الجهة الشرقية...هؤلاء اتخذوا من غابة سيدي معافة والمناطق المجاورة للحرم الجامعي لجامعة محمد الأول بوجدة، وغابة "لاكولونج" أو ما كانت تعرف من قبل ب"فيرمة ناشير" حيث الأحجار والأشجار والسماء، ملاجئ ومآوي للاحتماء والاختباء...ولمقاومة لسعات البرد ولفحات الرياح كان هؤلاء الأفارقة يقومون بإشعال النار ويلتفون حولها بحثا عن الحرارة، كما كان يفعل آباؤهم وأجدادهم في قراهم وبلداتهم. هؤلاء الأفارقة في حاجة إلى إيجاد حلًّ لمشاكلهم الاجتماعية والإنسانية باعتبارهم أشخاص مهاجرون يبحثون عن ظروف العيش الكريم..." لماذا لا يتم منحهم وثائق قانونية ولو مؤقتة للعمل بالأوراش المغربية،مما سيمكنهم من تدبير أمورهم بنفسهم دون خوف وفي العلن" يرى أحد الأساتذة الباحثين بجامعة محمد الأول بوجدة. لقد ألف سكان مدينة وجدة ومدن الجهة الشرقية مشاهد لهؤلاء أمام أبواب المساجد وبالأسواق والشوارع وأزقة الأحياء المحيطة بوسط المدينة، خاصة تلك القريبة من معاقلهم بغابة سيدي معافة بمحيط الجامعة. ورغم الحملات التي تقوم بها المصالح الأمنية بولاية أمن وجدة لإيقافهم بالعشرات والمئات وترحيلهم إلى خارج التراب الوطني إلا أنه سرعان ما يعودون إلى "قواعدهم" بعد أن يقطعوا الشريط الحدودي الجزائري المغربي عبر العديد من النقط الحدودية منطلقين من قاعدتهم الكبرى مدينة مغنية الجزائرية التي لا تبعد عن مدينة وجدة إلا بحوالي 25 كيلومترا...يعود هؤلاء الأفارقة والأمل يحدوهم في العثور على سبل وطرق انطلاقتها في المغرب وآفاقها في أوروبا، رغم ما شهدته المدينتين المغربيتين المحتلين مليلية وسبتة من أحداث مأساوية أودت بحياة أفارقة حاولوا تخطي الجدران الأمنية التي وضعتها السلطات الاسبانية لمنعهم من ذلك...ورغم محاولات أخرى حيث قام 50 مهاجر إفريقي مرشح للهجرة السرية يتخذون من جبل كوروكو مسكنا لهم بمهاجمة معبر "باريو تشينو" بني انصار صباح اليوم الاثنين 10 نونبر 2008، وحاول قبلهم 59 خلا شهر غشت الماضي الدخول إلى مليلية المحتلة لكن تم إيقافهم.