أشعر أن عقوبة الحبس المؤقت التي تمارس في الغرب، هي وسيلة فاشلة تماما.. يمولها دافع الفرائب البري.. وتنتج من المدمن مجرما عاتيا، متخرجا من معاهد السجون، وتعود بالضرر البالغ على العائلة والأبناء. في حين أن عقوبة الجلد.. بضوابطها الإسلامية جلد غير مبرح.. لا يقعد المجلود، ولا يعطله.. ولا يوقع ضررا بأسرته باختفاء العائل أو غيابه.. ولا يستغرق إلا دقائق معدودة.. هذه العقوبة فيها تقويم للمنحرف، وتحذير يمنع من أن تحدثه نفسه بالانحراف. دكتور/ ماهر حتحوت الولاياتالمتحدةالأمريكية مقدمة: إن عملية المسح الطبي للمجتمع الأمريكي، تكشف عن وجود عديد من الأمراض النفسية والعضوية، نشأت كنتاج للطريقة الأمريكية للحياة، تعمل عملها في بنية ذلك المجتمع، رغم الجهود الجبارة التي تبذل لعلاجها أو لاحتوائها. ويلاحظ المعنيون بقلق بالغ، انتشار هذه الأمراض: الإدمان الكحولي، إدمان المخدرات، الانقباض النفسي و الانتحار، والشذوذ الجنسي، والأمراض التناسلية. وقد حاولت المؤسسات الطبية والاجتماعية أن تتناول هذه الأمراض بالدراسة والتحليل، محاولة إيجاد علاج ناجح لها. وفي هذا المقال... مراعاة لضيق المجال.. اقتصرت على استخدام مرض واحد من هذه الأمراض، وهو الإدمان الكحولي؛ كمثال لسواه، ودليل على ما عداه. وقد حاولت أن أبين حجم المشكلة، وآثارها على المجتمع، مع نظرة إلى مختلف الجهود التي تبذل، والمبالغ التي ترصد لاحتوائها، مع نظرة موضوعية لنتاج هذه الجهود، ومردود هذه المبالغ، مع اكتشاف الطاقة المهدرة دون نتيجة مؤثرة، لأنتهي إلى اقتراح الحل الإسلامي لهذه المشكلات.. ليس فقط الحل البديل.. بل، في اعتقادنا الحل، الأوحد. مشكلة الإدمان الكحولي: " مرض يتميز بخلل ملحوظ، يستلزم استمرار تعاطي الكحول في كميات متزايدة.. عادة كمحاولة، وكوسيلة للهروب من الضغوط. هذا الخلل، قد يصيب الإنسان في تركيبه النفسي، أو صحته الجسمية، أو علاقاته الاجتماعية". ويلاحظ أن هذا التعريف، لا يشتمل على مجرد الشريب، ولا حتى السكير، وبالمسح الطبي لهذه المشكلة اجتماعيا، نجد أن الإحصاءات تقدم لنا ننرا بليغة:- إن عدد المدمنين في الولاياتالمتحدة الذين أمكن إحصاؤهم حتى سنة 1977، قدر بحوالي عشرة ملايين.. وبزيادة مستمرة. - أما عدد المدمنات، فقد تضاعفت منذ الحرب العالمية الثانية.. حقيقة يزداد نديرها إذا أخذنا في الاعتبار الزيادة الملحوظة، والثابتة في التشوهات الجنينية، وزيادة نسبة وفيات المواليد للأمهات المرضعات. - قطاع الشبيبة النشط، نتاج اليوم، وعدة المستقبل، وسن الطاقة. والنشاط.. نجد أن من بين أبناء سن السابعة إلى الثانية عشرة 47% من هؤلاء، قد عاقروا الخمر.. رغم شدة القانون في منعهم من الشراء، أو التداول، أو التواجد في المواخير، والواقع أن هذه الموانع القانونية، أدت إلى أن 40%، يمارسون الشرب في السيارات، مما انعكس بزيادة مفجعة في نسبة الحوادث. إن كان هذا هو حجم المشكلة، فإنه من حسن الاتعاظ أن تدرس بعض أثارها من واقع إحصاءات المجلس القومي للإدمان الكحولي: - إن 64% من حوادث القتل العمد في الولاياتالمتحدة، له علاقة مباشرة بالخمر.. وهي نسبة مربكة، إذا تصورنا العدد الهائل لهذه الجرائم، وإذا علمنا أنها تزداد بنسبة 7- 10% سنويا في المدن الأمريكية الكبيرة. - إن 41% من حوادث التعدي ترجع إلى الخمر. - إن 30% من حوادث الانتحار، و 34% من حوادث الاغتصاب، لها علاقة بالخمر. - إن 60% من جرائم القسوة البدنية ضد الأطفال، تعود إلى الخمر، فإذا تركنا دائرة الجريمة إلى دائرة الحوادث، وجدنا الآتي: إن 75 % من حوادث السيارات، تعود إلى السكر. أما إذا أخذنا السيارات القاتلة، نجد أن 50% من حوادث قتل السائقين، تعود إلى الخمر. والأغرب من ذلك، أن 30% من مصرع المشاة، إنما يعود إلى الخمر، حيث يقع القتل على الضحايا البريئة. فإذا تناولنا دوائر العمل والإنتاج.. نجد أن العامل المدمن، يتغيب 22 يوما في المتوسط، أكثر من زملائه.. وأنه أكثر تعرضا لإصابات العمل بنسبة.. ا% ، وأن معدل عمره المتوقع، ينقص 12 عاما عن أقرانه، بما يتبع ذلك من تعويض، ومن معاشات. إن خسائر الإدمان المالية، تقدر بحوالي 32 بليون دولار سنويا.. وهي أكبر من ميزانية دولة في حالة الازدهار. بالنظر إلى ما سبق ذكره، فإن المعنيين في مجالات الطب والاجتماع من خلال الحكومة، أو القطاع الخاص، أو الجامعات... يبذلون الجهد الجبار، وينفقون المبالغ الطائلة لعلاج هذه المشكلة.. وسأذكر باختصار عناوين بعض البرامج النشطه في هذا المجال، إذ لن يتسع المقام هنا للتفاصيل.. وسأودع في ملفات هذا المؤتمر الموقر صورة لقرارات مؤتمر الهيئة الطبية لسنة 1980 الذي يعلن أن مبلغ ال 32 مليونآ من الدولارات التي خصصها الكونجرس لتمويل الأبحاث لعلاج مرض الأدمان.. مبلغ لا يفي بالغرض، ولا يسد الحاجة. البرامج: ا- برامج حكومية: الهيئة القومية لمكافحة الإدمان الكحولي، وهي مؤسسة تدير، وتشجع البحث الأكاديمي في هذا المجال. 2- مراكز التوعية الكحولية التي تقوم على الشرح والتوعية والتعليم. 3- مؤسسة المدمن المجهول، وهي مؤسسة ذاتية التسيير، تقوم بنشاط ملحوظ في شد الأزر والتوجيه. 4- مؤسسات" الأنون وألاتين" وهي معنية بالأربعين من الملايين الذين يمثلون عائلات المدنين لتثبيتهم ومساعدتهم. 5- البرامج التعاونية في المصاح، والشركات، واتحادات العمال. 6- مراكز التأهيل المهني والتدريب. 7- المؤسسات الدينية.. حيث تخصص بعض الكنائس خدمات خاصة للمدمنين. 8- المراكز الطبية لعلاج المضاعفات العضوية والعقلية والنفسية الناجمة عن الإدمان. 9- عيادات الإدمان الكحولي. 15- عيادات الأطباء، ودور الطيب الريادي لعلاج المرض. 11- مؤسسات الصحة العقلية والنفسية. غني عن هذا البيان، أن أؤكد حجم هذه الجهود وتكاليفها.. وإنما سأحاول على عجالة أن أمر على بعض الإحصاءات، وما تبنى عن نتائج هذا المجهود الجبار: - إن 75% من يقيدون لأي برنامج.. يتركون قبل الحصة الرابعة. - 90% ممن يكملون البرنامج.. يرتكسون إلى الشراب. - 7% من العشرة في المائة الباقية.. تصنفهم الإحصاءات تحت ما يسمى" بالسكير غير المدمن". ويقول الدكتور بوكورني.. إن 50% من حالات الارتكاس، تحدث خلال الشهر الأول بعد إتمام العلاج. يؤخذ من هذه الإحصاءات المخيبة للآمال. أنه على تنوع طرق العلاج، وتفرق سبله، فإن الداء بقي على حالته العصية. هنا أحب أن أقترح العلاج الإسلامي لهذه المشكلة... كمثال ينسحب على ما يماثلها من مشكلات. إن الدارسين لظاهرة الإدمان، يرجعونها لعوامل عديدة، منها النسق العام للقيم الاجتماعية، والعوامل الوراثية، أما أهمها: فهو عامل" تعليم الإدمان". وينادي أصحاب هذا الرأي بأن المدمن لا يولد مدمنا. ولكنه يكتسب ذلك، ويتعلمه كنمط سلوكي للاستعانة على الكأداء، وكمهرب من الضغوط والمشكلات. ويلاحظ أن النمط السائد في المحاولات العلاجية السابقة أنها قد تجاهلت ذلك، وبدأت العلاج بعد وقوع المحظور، وتكون المشكلة. أما الحل الإسلامي، فإنه يبدأ أولا: بعلاقة الإنسان بالخالق، وبمدى تصوره له سبحانه.. هذه العلاقة التي تعلمه أن يتوكل عليه، وأن يلقي أعباءه على الله الذي يوقن أن بيده مقاليد الأمور.. فتتحول النفس إلى النفس المطمئنة.. التي لا تنهار أمام الحادثات، ولا تحتاج أن تهرب من مواجهتها. ثانيا: يعتمد الحل بعد ذلك على المنع، ثم على الردع. والمنع هنا هو منع قاطع محرم.. يسحب الخمر من التداول، ويلعن شاربها، وساقيها، وبائعها، وشاربها على السواء.. يستتبع ذلك سقوطها كظاهرة اجتماعية، واختفاءها كقيمة احتفالية. أما الردع، فهو الردع العملي المركز.. القصير الأجل.. الذي لا يؤثر على الأبرياء، ورغم أن ما أقوله، قد يخالف المألوف، لما تسممنا به من الطرق الغربية.. فإنني أشعر أن عقوبة الحبس المؤقت التي تمارس في الغرب، هي وسيلة فاشلة تماما.. يمولها دافع الفرائب البري.. وتنتج من المدمن مجرما عاتيا، متخرجا من معاهد السجون، وتعود بالضرر البالغ على العائلة والأبناء. في حين أن عقوبة الجلد.. بضوابطها الإسلامية جلد غير مبرح.. لا يقعد المجلود، ولا يعطله.. ولا يوقع ضررا بأسرته باختفاء العائل أو غيابه.. ولا يستغرق إلا دقائق معدودة.. هذه العقوبة فيها تقويم للمنحرف، وتحذير يمنع من أن تحدثه نفسه بالانحراف. وإنه ليحز في النفس.. أن نرى مجتمعات مسلمة.. تقترض حلولها من بنوك الغرب التي تعلن إفلاسها.. بل، إن فينا من ينشط لاستيراد هذه الأمراض المقعدة.. فيزين الدعوة لإباحة الخمور.. كأن ما يحدث هناك ليس بزاجر.. وكأننا نتطاول على الخبير العليم. (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) (53/ 32) صدق الله العظيم. تم شكر رئيس الجلسة، الدكتور ماهر حتحوت على وضوحه، بهذه الكلمة التي جاءت واضحة في الإسلام، ولا زالت غامضة عند المسلمين، وغايتها هي أيضا إضافة إلى ما سبقها من توضيح الموقف الطبي، كما يجب أن يكون، وذلك لغاية قصوى، هي تصفية المعلومات عموما، والمعلومات الطبية خصوصا مما يسمى اليوم، والحق لمن يسميها هكذا، الإسرائيليات الجديدة التي تبعث السموم المدسوسة؛ على شكل علم نفس، مثل الغيرورية، أو علم الاجتماع، إلى غير ذلك.