كانت الساعة تشير إلى حوالي التاسعة صباحا من أولى أيام رمضان من السنة ما قبل الماضية ، الهدوء يخيم على القرية الشمس ترخي بأشعتها الحارقة ، استيقظت "سعيدة" ذات اربعة سنوات من نومها ، التفتت يمينا وشمالا بعينين مغمضتين بحثا عن أمها التي غادرت الفراش مبكرا كعادة كل نساء القرية، لتدبير شؤون بيوتهن ثم مساعدة أزواجهن في أشغال الحقل، ظلت الطفلة ممدة على فراشها في لحظة تركيز طفولي تفكر ما ستفعله خلال هذا اليوم . فالأيام بالنسبة لها تتشابه وتلتقي في كل شيء الروتين والرتابة سيدتا الموقف ، تقضي معظم وقتهافي اللعب مع أطفال القرية ومشاهدة التلفاز ومساعدة أمها في شؤون البيت على قدر المستطاع. نهضت من فراشها توجهت نحو المطبخ بحثا عن قطرة ماء لتغسل وجهها وتستعيد حيويتها، فمنزل أسرتها لا يتوفر على مغسلة ولا حنفية تصب ماء دافئا ، تناولت فطورها مسرعة، قطعة خبز وبضعة حبات زيتون وكأس شاي بارد فالصيام لا يعنيها ، ألقت بنظرتها إلى الخارج لعلها تجد أطفال القرية الذين اعتادت اللهو واللعب معهم لم يظهر لهم اثر هذا الصباح ، فلم يبق أمام «سعيدة » من خيار سوى محاولة تشغيل جهاز التلفاز لمتابعة حصة الرسوم المتحركة المفضلة لديها وباقي البرامج التي تستأثر باهتمامها، لملئ الفراغ التي كانت تشعربه، حيث عزمت هذه المرة على تشغيل الجهاز لوحدها ، دون الاعتماد على خدمات الآخرين كما تعودت على ذلك من قبل ، لكون أن التلفاز يوجد على علو مرتفع فوق خزانة خشبية تشغل أحد أركان البيت، إذ لا تسمح لها قامتها القصيرة من الوصول إلى زر التشغيل، فاهتدت الطفلة إلى فكرة الاستعانة بخدمة كرسي بلاستيكي حتى يتسنى لها تحقيق هدفها و تشغيل الجهاز دونما حاجة لأحد، لكن شاءت الأقدار أن تتوقف تجربتها هنا، بعدما وقع ما لم يكن في حسبانها ، لما فقدت توازنها ووقعت أرضا وهوت على رأسها شاشة التلفاز وباقي الأغراض التي كانت تحتوي عليها رفوف الخزانة الخشبية من أواني زجاجية ومعدنية وأخرى مصنوعة من الفخار ، إضافة إلى أفرشة وأغطية يتم الاحتفاظ بها في انتظار حلول ضيف أو زائر قصد استعمالها ، هكذا يتعامل القرويون مع ضيوفهم وزوارهم ، الحادث وقع في غفلة عن الأم التي كانت منهمكة في عملها بالحقل ، ظلت "سعيدة" تنزف دما تصارع مصيرها لوحدها حتى وصول والدتها التي حاولت إنقاذ حياة فلذة كبدها دون جدوى، طلبت سيارة الإسعاف التي تأخر وصولها، لبعد مكان الحادث عن المركز وغياب طريق معبد بوسعه أن يسهل المأمورية لسيارة الإسعاف للوصول في الوقت المطلوب، قبل أن تلفظ الطفلة أنفاسها الأخيرة قبل وصولها نحو المستشفى. إدريس العولة الحادثة وقعت بقرية تادارت بإقليم كرسيف