نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى دولة اجتماعية قوية يجب أن تكون لنا الشجاعة، ولا نخجل لنقول إنه خلال القرن 21، المستقبل للاشتراكية لا للرأسمالية محمد عثماني قدم الأستاذ سعيد السعدي عضو الديوان لحزب التقدم والاشتراكية، عرضا سياسيا عموميا يوم الأحد، 31 يناير 201، بالمركب الثقافي البلدي بوجدة، تناول فيه بالتحليل والنقاش" الوضعية السياسية بالبلاد، ورهان التنمية المستدامة".. وجدة نيوز تقدم الإضاءات التالية في الموضوع الجزء 1 السياسة النبيلة تعني أيضا فن تغيير موازين القوى.. وموازين القوى الآن هي مختلة لصالح قطب ليبرالي اجتماعي محافظ.. ولن نتمكن من استعادة المبادرة إلا ببناء تحالفات سياسية طبيعية، أي تحالفات بين الأحزاب ذات نفس المشارب السياسية والإيديولوجية، ولها ما يكفي من القواسم المشتركة، وما يكفي من الغيرة على مستقبل بلادنا وشعبنا لأجل أن تضع كل نقط الخلاف جانبا، ثم تبدأ في مناقشتها؛ لكن بإعطاء الأولوية للعمل المشترك، وبشكل متواضع، دون مراعاة ما إذا كانت ستكون في الحكومة أو لا تكون؛ لأن إدخال الحكومة في الحسابات للأسف يفتح الباب للمصالح وللسوسة التي يمكن أن تتسرب إلى صفوفنا كأحزاب تقدمية وديمقراطية، وبالتالي فإن استرجاع المبادرة يعني استعادة قدرتنا على العمل الذي كنا نقوم به عبر السنين مع المواطنين بشكل يومي بسيط بالدفاع عن المواطن المظلوم ، وعن المرفق العام.. وعن الحق في المدرسة، والصحة، والتعليم... انطلاقا من نضالات يومية على الصعيد المحلي في القرى والمدن؛ بغض النظر عن أن نكون في الحكومة أو لا نكون فيها؛ إيمانا منا بأن العمل السياسي النبيل هو قبل كل شيء تضحية من أجل الشأن العام، والدفاع عن مصالح المستضعفين، وإعطاء الصوت لمن لا صوت لهم؛ لأن من له المال، له الإمكانيات لكي يضغط، ويفرض رأيه، في حين أن من ليس لهم مال، يحتاجون إلى أن ينظموا أنفسهم، والمطلوب من الأحزاب أن تؤطرهم، وتقدم المشاريع والبرامج من أجل أن يكون هذا الصوت صوت أغلبية، أي صوت ديمقراطية مسموعا، وهو المعمول به، واختيارا للدولة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا... إذاً، في إطار هذا الرهان، يجب أن تبنى التحالفات على أسس برمجاتية واضحة، والتباين في الإيديولوجيات هو الذي يعطي القطبية، أي اضطرار الأحزاب لأن تتجمع، أما القرارات من فوق، فنتخوف في التقدم والاشتراكية من أن تزكي العزوف السياسي، وتجعل العمل السياسي أصعب لأن من سيتحكم فيه هم أصحاب المال والمصالح، وهذا ليس من مصلحة بلدنا المطروحة عليه رهانات كبيرة، لا نستبشر خيرا إذا لم نتمكن من التصدي لها رغم ما تم إنجازه ونحن في التقدم والاشتراكية لسنا من الذين يسوّدون اللوحة لا شك توجد إنجازات، ومغرب التسعينات ليس هو مغرب اليوم، لكن في تطور مسلسل النضال، نلاحظ حضور انحراف في ما يخص تدبير الشأن العام لصالح فاعل سياسي وحيد في حين أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، لم يتم حلها؛ رغم الأوراش الكبرى، والعديد من الأشياء التي نرى أن ميزتها هي أنها فقط موجودة. هل كان لها تأثير في الحياة اليومية للمواطن؟.. لا أظن. وهذا ما يعزز العزوف السياسي؛ لأن المواطن لا يرى العلاقة بين كل المبادرات التي يروج لها وهي فعلا موجودة وبين آثارها في الحياة اليومية.. إذاً، هذا يفرض التساؤل عما إذا كانت اختياراتنا الاقتصادية والاجتماعية صائبة؛ لاستمرار مشكل البطالة، خاصة بطالة الشباب المتعلم، وبشكل مهول يؤلمنا؛ لأنه لولا المدرسة العمومية والآفاق التي كانت مفتوحة لنا، لما استطعنا الوصول إلى المكانة التي نحن فيها اليوم.. كما أن للجيل الجديد، وللشباب، الحق، كل الحق كذلك في أن يكون لهم نصيب في هذا المجتمع، خاصة الشباب المتعلم الذي كانت الدولة قد وفرت له الإمكانيات للدراسة، ثم وجد نفسه أمام أفق مسدود، وطريق لا تؤدي إلى أشياء إيجابية في مجتمع غير عادل، تزداد فيه الفوارق الطبقية.. والإحصائيات الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط، تبين بأن 20 في المائة من المغاربة يستهلكون أكثر من 48,5 في المائة، وهم الأكثر غنى، و20 في المائة الأكثر فقرا يستهلكون 6,5 في المائة.. هذه معطيات إن هي أخذت بعين الاعتبار، يتضح معها كيف أن المواطن يعاني في الحياة اليومية، ويتم فهم لماذا العزوف السياسي.. ونحن لسنا طبعا مؤيدين العزوف لأنه يسهل مهمات المتلاعبين وأصحاب المصالح، والفئات التي تريد أن تحافظ على الستاتيكو/ على الوضعيات كما هي؛ لأنهم يستفيدون منها، ولهذا، فالعزوف ليس هو الحل، بل الحل في العمل المنظم.. في النضال في إطار الأحزاب، والحركات الاجتماعية، والنقابات... ثم إننا نتخوف من أن تتفاقم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بفعل الأزمة، وهذا مع الأسف معطى يتم تغييبه كأننا لسنا معنيين.. للأسف، لا توجد موضوعية في التعامل مع الأحداث والوقائع. ونحن نعرف كيف تتعامل وسائل الإعلام، فهي تنتقي لأن وراءها مصالح، وتروج لأحداث بعينها، وتهمش أحداثا لا تخدم مصالحها.. فأزمة الرأسمالية المعولمة، أي أزمة العولمة النيروليبرالية؛ عولمة مبنية على" ثلاثية مقدسة": ثبّتْ، حرّرْ، خصخصْ..( وهذه لهجة مشرقية).. بمعنى تثبيت الاقتصاد( التقشف في الميزانية، إعطاء الأسبقية للتوازنات المالية الكبرى المتعلقة بالحسابات الخارجية، الحد من العجز في الميزانية، محاربة التضخم...)، إلى جانب اعتماد الخوصصة كحل للمشاكل، خاصة القطاع الخاص الأجنبي، أي الاستثمارات الأجنبية، ثم الأخذ بالليبرالية، أي فتح الباب للتبادل الحر، والانخراط في العولمة المالية... إلخ.. وهذه خصائص بينت محدوديتها؛ لأن الأزمة الحالية هي أزمة هذا النموذج.. أزمة هاته الخيارات، أو ما يسمى بالأصولية السوقية، أي اعتبار أن آليات السوق، ستمكّن من التخصيص الأمثل للموارد، وحل مشكل البطالة، وتحسين ظروف المواطنين في الولاياتالمتحدة، أوروبا... هذا النموذج الذي رُوِّج له، أبان عن إفلاسه لأنه أدى إلى أزمة عقارية خانقة في الولاياتالمتحدة، ما فتئت تنتقل إلى القطاع المالي، والأبناك، والمؤسسات المالية، والمجموعات المالية الكبرى، ثم انتقلت إلى ما يسمى بالاقتصاد الحقيقي( الصناعة، البناء، السكن... وكل القطاعات المنتجة لسلع وخدمات حقيقية ليست مبنية على اقتصاد افتراضي)... إن الأزمة المالية الاقتصادية الحالية، هي أخطر أزمة مرت بها الرأسمالية من ثلاثينات القرن الماضي.. والآن، تم الحد من آثار هذه الأزمة بالمقارنة مع الثلاثينات التي أشرنا إليها؛ لأن الدولة تدخلت ليفلت القطاع المالي من الانهيار بدعم السوق الداخلية، لدعم السلف، شراء السيارات... إلخ. وهذا ما جعل الأزمة لا تظهر بحدتها، لكن الأزمة ستستمر ربما ليس بنفس الحدة غير أن المؤكد أن نسبة النمو عوض أن تتراجع في البلدان المتقدمة، ستكون هذه النسبة إيجابية، لكنها ضئيلة تتراوح سنويا بين 1 و 2 في المائة.. وهذا ينطبق مثلا على فرنسا خلال هذه السنة والسنة المقبلة، إذ لن تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي السقف المذكور. لماذا يهمنا في المغرب هذا الواقع؟ يهمنا لأننا بنينا اختياراتنا الاقتصادية على مكونين: الرأسمال الخاص الأجنبي، وعلى التصدير.. الرأسمال الأجنبي يأتي من أروبا، من دول الخليج، وقليلا من الولاياتالمتحدة، وحاليا، يوجد تراجع في الاستثمارات الأجنبية.. التصدير تقلص، وهو المتعلق بأجزاء السيارات، الإلكترونيك، الألبسة، وأيضا المرتبط بالمنتوجات الفلاحية. مثلا السوق الروسية بعد انخفاض سعر عملتها، انخفض تصدير الحوامض المغربية إليها... وبالتالي، إن استمررنا في هذا الاختيار، فنحن سائرون في الاتجاه الذي لا يحل المشاكل التي تعيشها بلادنا، بمبرر أن 2 في المائة ليست هي نسبة النمو التي ستدفع باقتصادنا إلى الأمام، بمعنى أن الحل في تبني اختيارات أخرى ... يجب أن نعيد الاعتبار للسوق الداخلية، وهذا ما يفعلونه في البرازيل، الأرجنتين، الصين؛ إذ تدعم الدولة استثمارات عمومية في الأوراش، ودعم الاستهلاك الداخلي؛ لخلق سوق لترويج المنتجات، ودعم المقاولات المتوجهة إلى السوق الداخلية؛ علما أن آفاق التصدير قد تراجعت، وستستمر في التراجع.. لكن ولأجل ميْدنة هاته السوق الداخلية، يجب ألا نعتبر الأجر تكلفة، بل اعتباره قدرة شرائية.. يجب أن نعيد توزيع الثروات؛ لأنه لا يعقل تشريد 20 ألف عائلة في قطاع الصناعة التحويلية لوحده وهذه أرقام رسمية دون الحديث عن تقليص ساعات العمل، وما يسمى بالتوظيف المؤقت.. إلى جانب تقليص ساعات العمل في القطاع السياحي، وتراجع القطاع العقاري.. ثم الوضعية المأساوية التي يعيشها المغاربة في ديار المهجر، نساء ورجالا.. فنسبة البطالة بإسبانيا في أوساط المغاربة هي 24 في المائة، والمعدل العام بهذا البلد هو 17 في المائة، وهذا يؤثر على المنطقة الشرقية المغربية؛ لأن الدراسات تبين أنه بفعل التحويلات المالية للمغاربة للمناطق، ومنها المنطقة الشرقية، حصل تراجع نسبي في معدل الفقر بهاته المنطقة... غير أن هذه النسبة من البطالة، ينضاف إليها تسريح عدد من العمال بالمهجر سيزيد في حدة المشكل.. إذاً، لا بد من إعادة الاعتبار للسوق الداخلية.. ولا يعقل مثلا الاستثمار في الفلاحة تظل فيه الشركات معفاة من الضريبة.ز فالمصدرون، والمستثمرون الأجانب، وكبار الفلاحين من المغاربة، يصدرون إلى الخارج مجموعة من الخضر والفواكه... ولا يساهمون في تحمل الأعباء الملقاة على المجتمع، أي توفير الإمكانيات للبلد لضمان الحق في التعليم، الصحة... لأن المجتمع لا بد فيه من نوع من التكافؤ في تحمل أعباء العيش المشترك.. كل واحد يعطي حسب مدخوله، فلا يعقل إعفاء قطاع عشرات السنين، وهو الآن وافر الربح، ولا يؤدي... والأمثلة كثيرة في هذا السياق تتعلق بالإعفاءات والامتيازات الضريبية تقدر ب 25 مليار درهم، بما في ذلك القطاع الفلاحي الذي تحدثت عنه؛ وربما من ضمنها إعفاءات لها منطق اقتصادي؛ بمعنى أنه مقابل الإعفاءات يوجد استثمار، خلق فرص شغل، نشاط اقتصادي وتجاري... ولكن يوجد عديد من القطاعات التي تستفيد، ولا تفيد المجتمع؛ ومن هنا أهمية الإصلاح الجبائي والضريبي في اتجاه العدالة الاجتماعية، وطبعا تحفيز الاستثمار أيضا الخاص والمنتج.. أقول كذلك أنه كثيرا ما نحصر نقاشاتنا نحن القوى الديمقراطية والتقدمية في إشكالية الديمقراطية.. صحيح أن الديمقراطية هي المدخل، لكنها أيضا كهدف، وكوسيلة، يجب أن تفضي إلى تمكين الذي يتولى الحكم من خلال الديمقراطية من تطبيق وتنفيذ الحلول والبرامج، ويجب أن يكون لها مضمون اقتصادي واجتماعي بحكم أن الأشياء مرتبطة... إننا في حزب التقدم والاشتراكية نحتاج إلى تعاقد سياسي جديد بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد. بمعنى آخر، نقول إن التوافق التاريخي الذي تم في التسعينات بين المؤسسة الملكية والقوى التقدمية والديمقراطية، والذي حل مجموعة من المشاكل، يجب أن يترسخ في اتجاه دمقرطة أكبر من المجتمع والدولة، احترام حقوق الإنسان، تعزيز المساواة بين الجنسين، ووضع المسألة الاجتماعية في صلب اهتمامات الدولة والمجتمع.. أي، نحتاج إلى إعطاء طابع ديناميكي متحرك للتوافق الذي لم يستنفذ مهامه. طبعا، هذا لا يتحقق بالكلام. يجب النضال من أجل خلق ميزان قوى يمكّننا من أن نؤسس لهذا التعاقد السياسي الجديد، والمدخل الأساس هو الإصلاح الدستوري والسياسي في اتجاه توافق أكبر ما بين السلط الثلاث، وضمان استقلالية القضاء، وتعزيز مؤسسة الحكومة والوزير الأول، وتفعيل الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان أكثر.. ونعتبر هذا أمرا أصبح ضروريا، ولأننا لا نقدر على تحقيقه منفردين، تأتي أهمية التحالفات، وكيفية خلق شروط ميزان القوى للتمكن من الدفع بهذه القضية كمدخل أساسي لمحاربة الرشوة، والريع، والزبونية، والإفلات من العقاب... إلخ. وكل هاته الأبعاد مرتبطة بقضايا سياسية قبل كل شيء.. الأهم أن تكون لنا دولة اجتماعية قوية.. إننا نحتاج لهذا أكثر من أي وقت مضى؛ على غرار ما يطبق الآن في أمريكا اللاتينية، في بلدان بدأت ترفع رأسها، وتذهب في اتجاه التاريخ، أي في اتجاه أن قيم اليسار هي قيم المستقبل؛ لأن أزمة الآن بينت أن الرأسمالية هي نظام اجتماعي اقتصادي تاريخي، بمفهوم أن له بداية، وله نهاية، وليس قدرا لا وجود لغيره.. تاريخ المجتمعات يؤكد وجود مراحل للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية، وحاليا، تبقى الأزمة نسقية بمختلف الأبعاد، وهي أزمة عالمية تمس كل البلدان، وتهدد كل البشرية؛ فمشكل المناخ/ البيئة، مرتبط بالنمط الاقتصادي والاجتماعي والاستهلاكي الذي يؤلّه الاستهلاك، والربح، ويشجع الإنتاج، وبالتالي استنفاذ الموارد الطبيعية الموجودة والمحدودة، وبهذا فقيم العدالة الاجتماعية، وقيم الديمقراطية والمساواة، هي التي يمكن أن تضمن مستقبل الإنسانية، وبالتالي، فإننا كأحزاب وأتحدث عن التقدم والاشتراكية كفصيل من فصائل اليسار يجب أن تكون لنا الشجاعة، ولا نخجل لنقول إنه خلال القرن 21، المستقبل للاشتراكية لا للرأسمالية، وهذه قناعة يجب أن نترجمها.. طبعا هذا لا يعني أن الاشتراكية ستكون غدا، لكن كي نرجع الأمل؛ لأن بدونه لا يمكن أن يكون لنا عمل سياسي، وبدون حلم لا يمكن أن يتعبأ الشباب، وبدون يوطوبيا لا يمكن أن يستمر الناس في العمل السياسي؛ لأن التراكمات تجعل استرجاع الثقة أمرا ليس سهلا، غير أن الأمل قائم لمصالحة المواطنين مع العمل السياسي لنكون أمة صاعدة مثل أمم أخرى.