السي محمد لم يخف انتماءه السياسي أبدا، ولم يفعل كما فعل البعض، ولم يلجأ إلى التقية، ولا إلى" حيث ما مالت الريح يميل.. نتمنى ألا يقع لقدسنا الغربية بوجدة ما وقع لقدسنا الشرقية. بمناسبة تعيينه نائبا إقليميا لوزارة التربية الوطنية بإقليم تاوريرت، وفي جو مفعم بالحزن والأسى، ودعت إعدادية القدس بكل مكوناتها، يومه الأربعاء: 19 مارس 2008، ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال، مديرها السيد محمد أبو ضمير، بعد أن ظل على رأس الإعدادية لمدة ثماني سنوات وشهرين وتسعة عشر يوما، مرت كالبرق، تمكن خلالها من إخراج مؤسسة كانت ترزح تحت نير التصرفات الإدارية المخزنية، ومختلف التصرفات المشينة، إلى مؤسسة مرموقة، ذات إشعاع جهوي ووطني، تحتل المكانة الأولى على مستوى النتائج جهويا، ووطنيا، كما تمكن من خلق الانسجام بين المتناقضات والكانتونتات التي غرستها ودعمتها مختلف الإدارات السابقة لعهده، في إطار سياسة فرق تسود، وفي إطار الوظيفة التقليدية، التي كانت توكل للإدارة التربوية، والتي تتجلى في مخزنة مؤسسة المدير، وتحويله إلى" شيخ" أو" مقدم"، تقتصر مهامه على حراسة الأطر التربوية، وإنجاز التقارير في حقها، وما خفي أكبر، في إطار سياسة إحصاء أنفاس عباد الله. للمناسبة، تناول الكلمة مجموعة من المتدخلين الذين ارتجلوا التدخلات، وأشادوا بخصال المحتفى به، وتمنوا له النجاح في مهامه الجديدة، بما فيهم الطلبة الأساتذة المتدربون، وتلامذة المؤسسة الذين أنشدوا أغنية باللغة الفرنسية مؤثرة، عبروا من خلالها على حزنهم وكمدهم، وهم يودعون الأستاذ، والأب، والأخ، والرفيق، والمواسي، والمنفق من جيبه ومن قوت عياله، على التلاميذ المعوزين والمحتاجين، لمثل هذا وذاك، وما لم نقله بعد... بكى التلاميذ والتلميذات، وبكينا نحن كذلك كجمعية آباء، والعديد من الأساتذة والأستاذات، على فراق فارسنا، وصديقنا، ورفيق دربنا، لقد تحملنا معه بصبر وكبرياء مختلف أشكال العدوان الممنهج بمناسبة وبغير مناسبة. لقد كان" السي محمد" بسعة صدره" وقشابته الواسعة" كما كان يقول، يحمل عنا كل ما يمكن أن نقوله مزايدة في حق بعض الأساتذة، عندما كانوا يخطئون في حق التلاميذ، أو يسيئون لهم، وكنا نشتكيهم له، وكان دائما يجبر بخاطرنا، ولا نخرج من مكتبه إلا والأمور منتهية، لقد نجح أبو ضمير حيث فشل الآخرون بفضل الخصال التي يتحلّى بها ، أي أن بعض الصفات المتوفرة فيه كان لها دور فاعل ومؤثر في إحراز هذا النجاح، من قبيل ما يتصف به من مثابرة، وقدرة على الإبداع والتجديد، واقتحام الميادين الجديدة، وهمّة عالية في مجال البناء، وعدم التخوف من المشاريع الكبرى، والإقدام الجريء على الأعمال الكبيرة، ونمط الإدارة الذي يتحلّى به، وقد أتاحت له هذه الخصائص متعاضدة استثمار ما لديه من إبداع ومثابرة، ووضعها حيّز التنفيذ، فلماذا يتعجب البعض من هذه المكافأة، فالمخزن له مخابراته ووسائله التي تمكنه من معرفة الرجل المناسب، خاصة أن الأمر يتعلق بمنصب سياسي، والسي محمد لم يخف انتماءه السياسي أبدا، ولم يفعل كما فعل البعض، ولم يلجأ إلى التقية، ولا إلى" حيث ما مالت الريح يميل" .. إنّ لقاءنا اليوم في إعدادية القدس، وعلى عجل، هو لقاء خاص، أملته ظروف خاصة، لإنسان خاص، إن حضورنا لهذه المناسبة الجملية، مناسبة توديع الأخ العزيز أبو ضمير، رغم إكراهاتنا الزمنية والمكانية، يمثّل غيضاً من فيض الوفاء للمخلصين لهذا الوطن، وللمدافعين عن المدرسة العمومية، وهذا هو أقلّ الواجب، الذي يمكن أنْ نقوم به تجاه مثل هؤلاء، الذين لم يضرّهم من خذلهم، ولا من خالفهم، ولا من تآمر عليهم، بل شقوا طريقهم بإصرار ونكران ذات، لمثل هؤلاء سنقف دائما إجلالا واحتراما... نعم إننا نشعر بالفرح والسرور والغبطة، ولكننا كذلك نشعر بالحزن والأسى والألم، وكل كلمات مناجد وقواميس العالم واللغات، لا يمكنها أن تعبر عما يجيش في قلوبنا من حسرة ولوعة. لقد كانت اللحظة المؤثرة حينما أعطيت الكلمة للمحتفى به، الذي ظل متأثرا طيلة سماعه لمختلف الكلمات، فرغم الجرأة الأدبية التي يتمتع بها، لم يتمكن من الحديث، وإتمام كلمته، إلا بمشقة النفس، لقد بكى وأبكانا جميعا، ومما جاء في كلمته، أنه عاش لحظات جميلة وحلوة، كان أساسها الاحترام والتقدير المتبادل، وأشار أن علاقته بمختلف المكونات البشرية للإعدادية، لم تكن علاقة إدارية أو مهنية، بل علاقات أسرية وإنسانية، نفرح جميعا لفرح الأخر ونتألم لتألمه، وتابع بأننا اشتغلنا كفريق تربوي متكامل، سواء على مستوى الإدارة، أو مستوى التدريس، أو على مستوى جمعية الآباء، وأضاف مخاطبا الحاضرين، أنكم كنتم إخوتي وأصدقائي وأحبتي وبناتي وأبنائي، لن أقول عنكم أنني خسرتكم بذهابي من المؤسسة، ومن مهمة الإدارة إلى مهمة النيابة، لأن أفراد الأسرة الواحدة لا يخسر الواحد الآخر، فعلاقاتنا ستبقى قائمة، وستبقى يدي ممدودة للجميع، كما عاهدتموها دائما، جازكم الله عني خير الجزاء وشكرا لكم. بعد ذلك تسلم الأستاذ محمد أبو ضمير، هدايا تذكارية من مختلف الحاضرين، ثم تناول الحضور الكرام حفل شاي، تم أخذت صور تذكارية مع المحتفى به، الذي التحق بمكتبه صحبة السيد بوغرارة رئيس مصلحة الشؤون التربوية، والسيد الفاضل الزاوي مفتش الشؤون المادية والمالية، والسيد ميمون بختاوي، وآخرين من المصالح النيابية؛ لاستكمال إجراءات تسليم السلط للمدير المكلف بالإدارة، وهو السيد مدير إعدادية سيدي امعافة، الذي سوف يقود مؤسستين في نفس الوقت، مما أثار استغراب وامتعاض أطر وأساتذة المؤسسة وجمعية الآباء، ذلك أن العادة جرت أن تسلم الإدارة بصفة مؤقتة، لأحد أطرها الإدارية، إلى أن يتم تعيين مدير جديد، وكنا ننتظر تعيين الأستاذة" الهادف" لأقدميتها وخبرتها، وتجربتها ومرافقتها للمدير السابق لمدة طويلة، تعلمت منه الكثير، ولمعرفتها الكبيرة لتلامذة المؤسسة فردا فردا، و كنا نتمنى أن تكون مناسبة لوضع الثقة في العنصر النسوي، الذي نفتقد قيادته للمؤسسات التربوية، خاصة ونحن في شهر الاحتفال بعيد المرأة، لكن هذه إرادة الإدارة الأبوسية، ولا حول ولا قوة إلا بالله... نحن في ظرف صعب، وأبناؤنا وبناتنا وأطرنا التربوية والإدارية كذلك، ورؤوسنا ساخنة،لا تحسن التفكير جيدا، وحتى لا نذهب بعيدا في التأويلات، نتمنى أن لا يكون هذا الإجراء بداية النهاية للإعدادية التفوق والإشعاع، وأن لا يقع لقدسنا الغربية ما وقع لقدسنا الشرقية. لقد غادرنا" أبو عثمان" جسدا وحضورا ومواكبة، لكنه سيبقى حاضرا بيننا بأعماله الجليلة، وإبداعاته المتميّزة، وسيبقى منهاجه حاضراً أمامنا، يعلّم الأجيال الحالية والمقبلة، دروساً في التضحية والجرأة ونكران الذات، وعدم الالتفات إلى المغرضين والمؤبطين، ونتمنى من الله عز وجل، أن يمنحنا القوة والشجاعة على متابعة المشوار الجمعي الذي نذرنا ما تبقى من حياتنا لأجله، وعلى كل حال" اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ."