سكان ضعفاء قاطنو دور الصفيح يطالبون ببقع أرضية دفعوا نصف ثمنها للمجلس البلدي سنة 1996، وبعضهم شُرّدوا ويبيتون في العراء بعد هدم أكواخهم وعشّاتهم وآخرون عاجزون عن أداء أقساط ديون الأبناك التي فرضت عليهم بوجدة كان الشيخ الهرم "بدّي محمد" الذي تجاوز عمره الثمانين سنة جالسا على ركام من الأتربة تحت أشعة الشمس بجانبه إبريق من شاي يتأمل محيطه المتكون من أنقاض كوخه الذي تم هدمه، ومن مجموعة من إطارات العجلات المطاطية، ومن أجزاء حديدية بقايا السيارات الصدئة ... كان يتأمل الفراغ الذي صنعته السلطات بل لم يكن يفكر في أي شيء وكان ينتظر زوجته العجوز التي كانت ملتجئة أو لاجئة إلى أحد المنازل القريبة...أو لم يكن ينتظر أحدا حيث كان يقضي يومه في نفس المكان يتمدد إلى جانب حائط مهترئ ومتلاشي في العراء تحت السماء، في "الهواء الطلق" الممزوج بالغبار المتطاير كلما انتابته غفوة..."البراكة...؟...هدْمُوها...نْبَات غير في الخْلا...الله يهديهم...". غير بيعد، خلفه كان "العربي" شيخ آخر في السبعين من عمره قاعدا على حجر وبجانبه زوجته العجوز متكئين على أكوام من أجزاء قصديرية هي عبارة عن سياج/محيط بعشّتهما من حصير اسْودَّ بفعل الأوساخ وتآكل بفعل الأمطار وأشعة الشمس...كان العجوزان منتصبين في جلستيهما كتمثالين لم يكُنْ يحرُّكُهما لا المارة من المواطنين أو الأطفال العابرين للأنقاض ولا حيوان لاهث من الحيوانات الضالة...، كانا شاردين مستسلمين لقدرهما الذي فرضه واقع صنعه مسؤولو مدينتهما المنتخبون... "نْبَاتْ في الخيمة...خْدَمْتْ في المِيلِيتير كاتْرْ أن (أربع سنوات)،طَرْوازْييم باطايون، طروازييم كُومْباني، سِيتْيِيمْ بِْريكادْ في طنطان...عندي واحد البونسيون ناع طَرْوَا مْوا...واحد لَمْيَاتْ ألْف فرنك...أنا سَاقَرْ في هاذ لحصاير وفين غادي نمشي؟...وغير الناس المؤمنين عايشين معاهم...". بقع أرضية خُصّصت لمواطنين ضعفاء فُوّتت لغيرهم مثل العجوز "محمد" ومثل الشيخ "العربي" كثيرون وعديدون يعيشون في نفس الوضعية المكزرية والظروف القاسية والصعبة، عجائز وأرامل ومتزوجون أرباب أسر متعددة الأفراد والأطفال والأفواه..." أنا متزوج ولي 7 أطفال إضافة إلى والدتهم، عاطل عن العمل وإن اشتغلت فأقوم بأعمال بسيطة لا أربح من ورائها أقل من 50 درهما...ساكنين في براكة...لا ضو لا ماء..." يشتكي بلخير البالغ من العمر حوالي 57 سنة، ثم يضيف قائلا " أولادي يدورو في الزنقة...ما صبناش باش نقريوهم...ما كاين والو...عايشين مكرفسين...جات الشتا تكون فينا ...جات الشمس تكون فينا..." ويستطرد " نطلبو قطعة نتاع الأرض ديالنا...مَلّينا...ملِّينا". يحكي هؤلاء المحرومون من سكان "لعشايش" وأكواخ "الرجاء في الله"، وما هم بساكنين بل "لاجئين" إلى جحور جرذان أو قبور موتى، والذين كان يبلغ عددهم حوالي 90 أسرة (حوالي 54 برّاكة أو عشّة ب"لعشايش" و36 ب"الرجاء في الله")، أنه في سنة 1996 ورغبة من المجلس البلدي آنذاك برئاسة عمر لزعر في حلّ مشكلة السكن بالأحياء الصفيحية بجماعة سيدي إدريس القاضي، تم الاتفاق على منحهم مجموعة من البقع الأرضية تبلغ مساحتها الواحدة منها 80 مترا مربعا بتجزئة البستان 2 (بالقرب من أسواق السّلام) بأثمنة في متناول هؤلاء الفقراء. وتم تحديد المتر المربع حوالي 90 درهما خاصة وأن التجزئة كانت آنذاك على مشارف المدينة كما كان عبارة عن مطرح للأزبال، وبلغت الدفعة الأولى 2600 درهم التي تمت تأديتها من طرف المستفيدين وهي نسبة 40% من قيمة المبلغ الإجمالي كما جاء في الوثائق المسلّمة لهم من طرف المجلس البلدي عبر رسائل موقعة من طرف رئيسه آنذاك "عمر لزعر" إضافة إلى تواصيل استخلاص المبالغ من طرف قابض البلدية. "كنا ننتظر أن نُستدعى لتأدية الدفعة الثانية ونتسلم بقعنا الأرضية كما وعدنا بذلك رئيس المجلس البلدي آنذاك، لكن خسر الانتخابات البلديةسنة 1998، وجاء مكانه لخضر حدوش، وهو الرئيس الذي تمكن من الجلوس على كرسي الرئاسة لمدة ولايتين..." يُوضّح أحد السكان وسط جمع من سكان "لعشايش" و"الرجاء في الله" المتضررين المعدومين والمغلوبين على أمرهم كما تدل على ذلك أسماء جحورهم والذين تقلص عددهم اليوم إلى حوالي 36 أسرة معدل أفرادها 6 أفراد لا يضمنون حتى قوت يومهم، ثم يستطرد قائلا بكل حزن وأسى عميقين "...وَعَدَنا لخضر حدوش الرئيس الجديد بمنحنا بقعنا الأرضية بصورة نهائية، لكن ذلك لم يحدث ، بل الذي حدث هو التماطل والوعود تلو الوعود، بعد أن أخذت قضيتنا تتقاذف بين مختلف المؤسسات ، من المجلس البلدي إلى الباشوية، كبضاعة مغلفة بالتوسيف والوعود المتكررة...". لم يكن في مقدور هؤلاء المقصيين والمهمشين من مجتمع قاس، والمنسيين من طرف مسؤولين غائبين عن الشأن المحلي، وعجزهم عن الدفاع عن حقهم في السكن كمواطنين كاملي الحقوق، إلا الترقب والانتظار وفي بعض الأحيان الاستسلام بسبب قصر اليد و"الحكرة". وظل الحال على ما هو عليه إلى يومنا هذا. لقد قام هؤلاء، خلال سنة 2008، بتوجيه مراسلات إلى والي الجهة البشرقية عامل عمالة وجدة أنجاد (رسائل مؤرخة ب26/02/2008، و17/11/2008، و22/10/2008، و09/10/2009) يلتمسون منه استقبالهم من أجل توضيح أوضاعهم وظروفهم واقتراح حلّ لمشكلهم لكن دون جدوى. وحسب رسالتهم أخبرهم مدير ديوان الوالي بأن البقع الأرضية التي بيعت لهم بثمن رمزي في إطار محاربة السكن العشوائي والقضاء على مدن الصفيح، فُوِّتَتْ لمؤسسة العمران وهو الأمر الذي أكده لهم لخضر حدوش رئيس المجلس البلدي السابق الذي سبق أن أمطرهم بالوعود قبل الانتخابات "إذ زعم أنه لا يجوز لنا أبدا أن نحلم بامتلاك هذه البقع الأرضية لأن قيمتها ارتفعت وأصبحت تعادل حوالي 2000 درهم للمتر المربع الواحد..."، تقول الرسالة/الشكاية التي ضمنها هؤلاء السكان الضعفاء محنتهم ومعاناتهم مع فصول السنة، فصل الشتاء والأمطار والبرد القارس والفيضانات التي تدكّ البيوت على رؤوس أصحابها ، وفصل الحر وأشعة الشمس الحارقة والأغبرة المتطايرة، مضيفة "وليذهب أطفالنا وأولادنا إلى الجحيم، فلا حق في الحياة والسكن للفقراء والمساكين في عهد شعارات حقوق الإنسان والتنمية البشرية...". التمس هؤلاء المواطنون الضعفاء من المسؤولين إنصافهم وذلك باستكمال تمكينهم فعليا من القطع الأرضية المخصصة لهم في عملية البستان والتي سبق أن كانوا أول من دفع تسبيقات لكل واحد منهم بلغت 2600 درهم لا يُعرف مآلها إلى حدّ اليوم وفي أي صندوق وُضعت، مع العلم أنهم قاموا بالعديد من المحاولات لم تؤدي إلى نتيجة إلى حدود هذا اليوم ووجدوا أنفسهم وأسرهم في وضعية لا يد لهم فيها،"ياك حنا ما دَرْنا لِهُم والو... علاش ما خلاوناش في حالنا...ما عطاوناش حقنا...وهدمو لنا براريكنا وشردونا...". مُشرَّدون يبيتون في العراء باشرت السلطات هدم بعض الأكواخ والبيوت القصديرية والعشّات لساكنيها من دوار "لعشايش" بحي كولوش بعد أن تم استدعاء أصحابها وإخبارهم بتسليمهم شققا من 55 متر مربع بالقرب من أسواق السلام بطريق بوشطاط أو منازل من 65 متر مربع بطريق تازة والقرب من أسواق ميترو بملغ 90 ألف درهم دفعة واحدة، مع منحهم مبلغ 2000 درهم للكراء ، واللجوء إلى الأبناك لاقتراض المبلغ المذكور. اضطر بعض هؤلاء المستفدين الذين هُدمت أكواخهم وعشاتهم إلى كراء غرف وبيوت قبل مباشرة إجراءات القروض التي لم يعرفوا من أين يبدأونها وكيف يستفيدون منها هم الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري في أحسن الأحوال 1000 درهم، وأغلب الأسر تتكون من مكفوفين وأيتام وأرامل تعيش على مساعدة المحسنين والجمعيات الخيرية. وجه هؤلاء من "سكان لعشايش" شكاية لعمر حجيرة رئيس المجلس البلدي الحالي بتاريخ 29 شتنبر الماضي يعرضون فيها أوضاعهم الجديدة التي كانوا في غنى عنها "أما فيما يخص الاستدعاء الذي توصلنا به أخيرا من المفتشية الجهوية للإسكان والتعمير والتي انتهت بعقد لقاء معنا من أجل محاولة حلّ لهذا المشكل..." تقول الشكاية، لكن تفاجأ هؤلاء بإخبارهم بأن المفتشية الجهوية للإسكان والتعمير بتنسيق مع المجلس البلدي ومجموعة العمران قد اتفقوا على تسليمهم الشقق أو المنازل بأثمنة تفوق قدراتهم المادية بكثير ولن يتمكنوا أبدا من تسديد القروض البنكية إن منحت لهم "إن غالبية هذه الأسر تتكون على الأقل من 5 أفراد ولا يتجاوز دخلهم 1000 درهم شهريا ، فكيف سيتم تأدية فاتورة الماء والكهرباء، وضمان قوتهم اليومي، بعد استخلاص القروض البنكية بين 500 و650 درهم شهريا ولمدة تتراوح ما بين 20 و25 سنة ؟"، وتساءلوا عن نصيبهم في الاستفادة من المبادرة الوطنية في محاربة التهميش والهشاشة ودور الصفيح. "صيفتونا العمران...عطاونا دوك الديور 64 متر وحسبونا 9 نتاع المليون كاش...وحنا حاصلين غير في الأوراق والبانكا بغات تدي في الشهر 65 ألف فرنك في 19 العام، وأنا ما نصورش حتى 100 ألف فرنك...أنا ندفع غير كروسة...وعندي جوج وليدات، يقراو بجوج"يحكي يحيى ويشتكي "والله إلى العيد يعيدو لينا غير المحسنين...هدمو لي البرّاكة...هاهي...وهاني كاري بيت وحدة ب40 ألف فرنك...لا ماء لا ضو ولا خدمة ولا ردمة...". المتضررون المتسائلون عن سبب هدم أكواخهم وبيوتهم التي كانت سترا لهم وحماية لأسرهم قبل استفادتهم من بقعهم الأرضية أو شقق أو منازل في متناول أيديهم. "إن بعضنا أصبح الآن مشردا ويبيت في العراء، بين أكوام الأتربة والاحجار وأشلاء هياكل السيارات الصدئة...ألسنا بشرا ننتمي لمواطني هذا البلد؟ أليس من حقنا أن نعيش بكرامتنا التي يضمنها دستور وقوانين مغربنا؟ ". التمس هؤلاء من رئيس المجلس البلدي استقبالهم حتى يتسنى لهم عرض أوضاعهم، لكن، حسب إفادتهم، لن يتمكنوا من ذلك بعد أن قيل لهم غير ما مرّة أن الرئيس غائب أو في مهمة بالرباط...وهي الردود التي اعتبروها تبريرات غير مقتعة وواهية بل وسيلة من وسائل التملص كما سبق وطريقة من طرق التسويف والتماطل.