حيمري البشير/ كوبنهاكن / ... ففي غياب ثقافة التسامح والتعايش، وفي غياب أسلوب الإقناع باللغة التي يفهمها الجيل المزداد بالدانمارك، لا نستطيع إيقاف النزيف أصبحنا نعيش قلقا دائما في مجتمع الأمن والرفاهية، مجتمع تصّر العالم للمرة الثانية على التوالي كأسعد شعوب العالم، متقدما على أمريكا، وألمانيا، وفرنسا، والدول الإسكندنافية. هذا التصنيف مبني على الدخل الفردي المرتفع، وانخفاض نسبة البطالة، لكن في نفس الوقت، تتفشى فيه ظواهر غريبة، لا نجدها إلا في المجتمعات التي تعاني من الفقر، والبؤس، والإحباط، وانسداد الأفق.. فالانتحار موجود، ومسلسل القتل حاضر، موجود، ومتنام. في ظرف سنة، غادرنا إلى دار البقاء خمسة شبان، غالبيتهم أجانب، ونسبة المغاربة من ذلك أكبر.. ظاهرة التصفية الجسدية بالرصاص، أو بالسلاح الأبيض في واضحة النهار، وفي الشوارع الكثيرة الحركة.. كان آخر المغادرين شاب من أم مغربية، وأب تونسي، طه السدراوي، الشاب الأنيق المتألق في الدراسة، صاحب الثمانية عشر ربيعا، كان وديعا محبوبا لدى طلبة المعهد أين كان يتابع دراسته. كان يستعد للاحتفال هذه السنة كباقي زملائه وزميلاته بحصوله على البكالوريا. كان ينتظر بشغف اللحظة التي يضع على رأسه طربوشه تعبيرا عن الفوز حسب التقاليد الدانماركية . كان يريد أن يصاحب زملاءه وزميلاته في القسم على متن حافلة، ويقومون بجولات عبر شوارع العاصمة فرحين بنشوة الانتصار، لكن، يأبى الموت إلا أن يأخذه، ويصادر أحلامه. حينما تنظر لأبيه تجد دموعه تجري وديانا، وهو الذي كان يحلم بلحظة الفوز. كان يحلم بمشاركة إبنه البكر ليلة زفافه، ويداعب يوما ما أحفاده وحفيداته. بالأمس، كان ابني البكر في بيت الأسرة المكلومة. حدثني بعيون دامعة عن أمه التي لا تجرؤ على دخول بيت الفقيد. أصبحت حياتها لا قيمة لها، ونزتها ا إلى مسقط رأسها بدون طه لا طعم لها، والعيش في هذا المسكن، ورؤية أقران فقيدها عذاب وألم. حين تحضرها لحظة الخبر الفاجع، تبكي بحرقة، وتأخذ سجادها وتصلي بخشوع وبكاء، وتحمد الله على ما أصابها. يد الغدر التي اغتالت طه، لم تكن إلا أياد مسلمة، والأسباب تافه.. صراع حول ملذات الحياة. مات مسلم بيد مسلم، والسبب مسلمة، والضحية هو الإسلام.. فالصراعات التي ألفناها في المجتمع الدانماركي ناتجة عن غياب التأطير الديني، وإذا استمر هذا المسلسل، معناه أن المؤسسات الدينية فشلت في تدبير أمور المسلمين في هذا البلد، وليس فقط المؤسسات الدينية، بل منظمات المجتمع المدني.. ففي غياب ثقافة التسامح والتعايش، وفي غياب أسلوب الإقناع باللغة التي يفهمها الجيل المزداد بالدانمارك، لا نستطيع إيقاف النزيف. مسؤولية الدولة كذلك قائمة في استمرار هذه الجرائم، وفي انتظار تضافر جهود الجميع، نجدد الرحمات على كل الذين افتقدناهم هذه السنة بنيران الأصدقاء