ذ. محمد بدران / ... وهل سلطاتنا فعلا صادقة في تعاملها مع هذه الظاهرة اللاأخلاقية التي تحرض أطفالنا على البغاء لقد ترددت كثيرا وأنا أقدم على كتابة هذا الموضوع الحسّاس، احتراما للظرفية الساخنة وتقديرا لأصحاب الفضل وأهل الاختصاص، فبعدي عن أهلي شدّني لكني لما تيقنت أنه تحرسهم عين ساهرة ارتاح ضميري وعانقت غربتي بدل أهلي. وحينما حبي لوطني همّني وعلمت أنه يسكن جباله الأسود، وصحراءه الجنود، ومنحدراته أهل الشرف والجود، وتذوذ عنه أياد شعب شهم غيور من نار ومن حديد وروح شريفة طاهرة على الحدود، ارتميت في حضن الهجران وقلت في سري منذ الآن لست أخاف على أهلي ولا ارتاب لوطني، فطوبا لك يا شعب وعشت في القمة يا وطني. قبل قليل هزت المغرب كما يعلم الجميع ريح هوجاء أدكتها الأحقاد والأطماع في قضية فضيحة انهيار القيم والأخلاق التي نفخت فيها بعض الأصوات وضخمتها منابر الوشوشة والضوضاء ، وهذا شيء عادي في دولة الحق والقانون ومن حق الجميع أن يغضب ويحتج سلميا كما خوّل له القانون. كما خرج لها المندسون والمخلصون على السواء منددين بالعفو الملكي عن المجرم دانييل ، مطالبين بإعادة تسليمه أو إسقاط الجنسية الإسبانية عنه، وهذه هي الأخرى صورة من الديمقراطية لا عتاب عليها، تظهر شهامة وغيرة هذا الشعب على مقدساته وحرماته إن لم تخرج عن نطاق حرية التظاهر كما ينص الدستور. كما أن سحب العفو الملكي كان في نظري القرار الحكيم المفعم بالحنكة والتبصّر والتعقّل من جلالته، للدفاع عن كرامة الشعب وقطع الطريق على أعداء الملة والوطن، مفضلا المحافظة على استقراره وأمنه وازدهاره. لا أحد منا يرضى بالذل والهوان والفاحشة في أهله إلا مريضا نفسانيا، أو مختلا عقليا أو قليل الإيمان ، أو نرجسيا في تصرّفاته يميل إلى المحرمات ويهوى الزهو والغطرسة والأنانية، مغرور بنفسه فخور بتضخيم وتعظيم ذاته.أو من يعيش اضطرابات في التحليل وخللا في التفكير، يحس بالفراغ والوحدة وينقصه الحنان والعطف ، سجين غرائزه الحيوانية التي تمنحه الشعور بالطمأنينة والإعجاب ،بارد الاحساس بالشرف والغيرة ولو كانت الفاحشة بأهله والعياذ بالله. الكل يغار عن عشيرته وعن أمته وبلده ولا يرضى أن يمسها أدنى أذى أو سوء، فكيف إن كان هذا الأذى والسوء هو اغتصاب فلذة من فلذات قلبه تعيش تحت مسؤوليته وتخضع لحمايته، هذا ما دفع بالحكومات والدول والمشرعين إلى وضع قوانين رادعة وتشريعات دولية خاصة وفرض مساطر قانونية صارمة تختلف من بلد إلى آخر للتصدي لانتهاك هذه الحرمات والمس بشرف وعرض الأبرياء. وإليكم بعض هذه التدابير والإجراءات علها تعطينا مقارنة حول تفاوت هذه الأحكام واختلاف تطبيقات مساطرها الزجرية في بعض المحاكم المختلفة: انطلقت لهذه الغاية حملة كبيرة على الصعيد الدولي وأعدت لها السلطات إمكانيات هائلة مادية وبشرية كما استعانت بتقنيات وأجهزة جد متطورة، مما ساعد على الإطاحة بالآلاف لحد الساعة من الوحوش الآدمية آكلي لحوم الصبيان والمتاجرين في أعراضهم وشرف ذويهم. كما أنقذت الآلاف من الضحايا من مخالبها على رغم كل الصعوبات التي تواجه الشرطة الدولية نظرا للتنامي والتطور السريع الذي تعرفه التكنولوجيا الحديثة في جميع بقاع الأرض، كما جاء على لسان جون شارل شويتز المتخصص بوحدة أوروبول في قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال، الذي أعلن أنه في هذه السنتين سقط 112 متهما خطيرا مبحوثا عنه في 22 دولة مختلفة. نكتفي بذكر بعض هذه العمليات وخاصة عملية إيكار Icare الأوروبية التي أطلقتها 26 دولة تحت إدارة وحدة محاربة الجريمة التكنولوجية الدانماركية ،صاحبة الخبرة الطويلة في هذا التخصص بتعاون مع وكالة تنسيق الشرطة الأوروبية (الأوروبول) والتي تتخذ من هولاندا مقرا لها. بحيث استطاعت أن تقود الشرطة الأوروبية إلى التعرف على خيوط شبكة دولية واسعة، تنشط وتتقاسم على الانترنيت صور وفيديوهات الرضع والأطفال الصغار الذين تعرضوا للابتزاز والاعتداء الجنسي من طرف بيدوفيليين، نظرا لغلاء هذه المواد لذا صانعي الأفلام الخليعة ومروّجي الصوّر الإباحية. في حين ساعدت هذه الحملة على إلقاء القبض ذلك على 112 متهما خطيرا وعلى 157 متورطا لهم علاقة وثيقة بمنظمات إجرامية دولية، تمارس الدعارة واغتصاب الأطفال كما تتاجر في صور ومشاهد الشذوذ الجنسي وينْضمّون إلى كل من الدول الآتية أسماؤها: النمسا، بلجيكا، بلغاريا، قبرص، جمهورية التشيك، الدنمارك، استونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، ايرلندا، ايطاليا، لوكسمبورغ، مالطا، هولندا، بولندا، سلوفاكيا، اسبانيا، السويد، كرواتيا، النرويج وسويسرا.
بينما ألقي القبض في الدانمارك وحدها على 19 مجرما تتراوح أعمارهم ما بين 24 و55 سنة، وعلى 59 حاسوبا وعلى 2430 أداة تخزين من مفاتيح وأقراص مملوءة عن آخرها بصور وفيديوهات ماجنة مع أطفال رضع وصغار. وأفضت إلى الإطاحة ب 424 متهما بنفس تهمة التحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال عن طريق الانترنيت في السنتين الأخيرتين،313 منهم مازالوا في التحريات والمراقبة، بينما ألقي القبض على 131 مشتبها الذين ثبتت عليهم التهم كاملة وقدّموا للعدالة، من بينهم شاذ جنسيا يقع في يد شرطة الأوروبول وبحوزته 29 تيرابايت من المواد الإباحية في اغتصاب الأطفال . كما سلطت هذه العملية الضوء في بلجيكا على 80.000 زيارة للمواقع الاباحية والمشبوهة خلال أسبوعين فقط ألقي فيها القبض على 25 متهما من بين زوار هذه المواقع ،حسب ما أعلنه عميد الشرطة السيد (إيف كودالز) رئيس مجموعة السيركامب CIRCAMPالذي صرح علانية: أنه من الصعب إجراء البحث على نسبة ما بين 2000 و3000 متهم في آن واحد. مضيفا كذلك أن الطفل في جميع الحالات هو الضحية الأولى والأخيرة ويبقى العمل منصبا على ما يمكن إنقاذه من هؤلاء الأطفال من بين شباك مفترسي لحوم الطفولة البريئة، وهذا ما جعلنا ننقذ ما يفوق 43 طفلا ببلجيكا فقط بناء على قاعدة المعلومات المقدمة من شرطة الانتربول حسب ما جاء في تقرير مدينة لييج الأخير. في خبر ثان، أمرت محكمة لوس أنجلس رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية بأمريكا في شهر فبراير 2013 بنشر أسماء كبار مسئولي الكنيسة المتهمين باغتصاب الأطفال،وتشمل اللائحة أكثر من 124 رجل دين تعود فضائحهم الأخلاقية إلى عام 2007 كما جاء في الموقع الإلكتروني للأبرشية،82 منهم متابعون بجرائم اغتصاب بحق أطفال في كثير من الكنائس الأمريكية وستفتح العدالة ملفاتهم لأول مرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية للشروع في التحقيق معهم في هذه الجرائم الجنسية التي كانت بالأمس من الطابوهات والممنوعات . هذا، وتتحدث الشرطة الدولية من نيويورك على لسان جون مورتون مدير الوكالة الأمريكية للهجرة والجمارك عن حملتها لمحاربة البيدوفيليا والاعتداء الجنسي على الأطفال، معتقلة 245 شخصا منها: 222 مجرما بالولاياتالمتحدةالأمريكية و23 متهما بستة دول أجنبية لم يذكرها بالإسم لحساسية التحقيق والمتابعة. كما تم التعرف على 123 طفلاا: 110 منهم بأمريكا تتراوح أعمارهم بين أقل من 3 و11 سنة ،محققة بذلك في سنة 2012 وحدها رقما قياسيا باعتقالها 1655 شاذا جنسيا وتم التعرف على 292 ضحية. وهذه نماذج أحكام صدرت أخيرا من محاكم بعض الدول المختلفة في قضايا تتعلق بالبيدوفيليا :
- بالقنيطرة (المغرب) : أصدرت محكمة الاستئناف حكما بالقنيطرة في يوم 2 مايو 2011 على المجرم الإسباني دانييل فينو غالفان ب 30 سنة سجنا نتيجة اغتصابه 11 قاصرا مغربيا مع تصويرهم على شاكلة الأفلام الجنسية الخليعة ونشر تلك الأوساخ على شبكة الانترنيت.ليتفاجأ الشعب المغربي بالعفو عنه عن طريق الخطأ ويعود لبلده اسبانيا لتلقي عليه الشرطة الاسبانية القبض ،ويمثل أمام قاضي تحقيق ب(طورّي فييخا) قريبا من أليكانتي يوم 29 غشت على الساعة الرابعة والنصف حسب ما أعلنه المتحدث الرسمي للمحكمة العليا للعدالة لمجوعة فالينسيا،في قضية تعود إلى سنة 2004 تتعلق باغتصاب طفلة اسبانية يبلغ عمرها وقتها ستة أو سبعة سنوات، والتي ما تزال لحد اليوم قاصرا كما صرح نفس المصدر القضائي . - نيويورك (أمريكا) : في أواخر شهر يناير 2013 أعلن مكتب المدعي العام في بروكلين أنه صدر حكم على بنيشيميا ويبرمان (54 سنة) الزعيم الروحي اليهودي في نيورورك ب103 سنة سجنا، والذي تبتت في حقه 57 تهمة اعتداء جنسي على صبيان من جملتهم فتاة مريضة تبلغ من العمر 12 سنة والتي زارته في فترة ما بين سنة 2007 و 2010 . - جزر الكناري (اسبانيا) : في أواسط شهر مارس 2013 حكمت محكمة لاس بالماس بجزر الكناري على بطل الكراطي الاسباني (فيرناندو طورّيس بانيا) ب302 سنة حبسا وعلى زوجته ب148 سنة وعلى أحد مدربي الكراطي (إيفون كونزاليز) ب 126 سنة حبسا نافذة، في قضية هزت المجتمع بأكمله ولم يسبق للمحاكم الاسبانية في تاريخها أن شهدت وحشا جنسيا مثله . استغل هذا المجرم الوديع ثقة الآباء وأسقط في مصيدته الجنسية الأعداد الهائلة من الأطفال الأبرياء التابعين لمدرسة الفنون الحربية لمدة عشرين سنة ، لم يكتف خلالها بأنشطته الشاذة مع الأطفال فقط ،بل كان يشجع كل المتدربين والمشاركين على فعل الفاحشة بما في ذلك القاصرين.وتتحدث تفاصيل القضية أن التحقيقات انطلقت على إثر شكاية تقدم بها أحد المنخرطين في شهر سبتمبر 2012 ضد هذا الشاذ الذي تحرش به واستغله جنسيا بعد وفاة أمه من مرض خطير وهو ما يزال لا يتجاوز 9 سنوات من عمره ،الشيء الذي دفع بالشرطة أن تداهمه على الفور لتعتقله وتسلمه بين يدي العدالة ليلقى مصير أفعاله وتصرفاته الوحشية. - الدارالبيضاء(المغرب) : في شهر ماي 2013 أصدرت محكمة الدارالبيضاء حكما على شاذ فرنسي يبلغ من العمر 60 سنة ب12 سنة سجنا وبغرامة 5500 أورو كتعويض لأعماله الخبيثة في حق طفلات صغيرات إحداهن لا تتجاوز 12 ربيعا،مستعينا بخادمتين مغربيتين لجلب الصبيّات إليه وقضاء لياليه الحمراء بالمغرب والتي دامت 4 سنوات بعد فراره من المتابعة القانونية بفرنسا بنفس التهم والاعتداءات الجنسية على الأطفال حسب مصدر الشرطة المغربية التي أوردت الخبر. - ميامي (أمريكا) : في شهر فبراير 2013 حكم قاض اتحادي على (ماتيو أندري كارتر) من برينطون ميشيغان ب 68 سنة في خمسة تهم أثناء سفره إلى فلوريدا تتعلق بقضايا بيدوفيلية والسياحة الجنسية . - أمستردام (هولندا) : حكم يوم الاثنين 26 أبريل 2013 على عامل بروض الأطفال ب 19 سنة سجنا وغرامة تتراوح ما بين 2000 و8000 أورو غرامة لعائلة كل ضحية ، بعد اغتصابه 67 طفلا ورضيعا مع تصويرهم ونشر المادة على شبكة الانترنيت في الحقبة ما بين سنة 2007 و2010. - ميامي (الولاياتالمتحدةالأمريكية) : في أواخر شهر يوليوز 2013 صدر حكم على رجل أمريكي ب165 سنة حبسا بتهمة استغلال أطفال هايتي جنسيا بما فيهم اليتامى والمشردون والمنحدرون من أسر فقيرة ومعوزة ،حيث قام بفتح ملجأ هناك أشرف عليه بنفسه بعد كارثة زلزال هايتي لاستقبال الأطفال الغير مرافقين. وصلت لنهاية هذا الموضوع المتواضع وقائمة الأحداث طويلة وأمثلة الوقائع عديدة لأختم هنا مقالتي وأنا أناجي نفسي متحسرا على سمعة وطني ومصير شعبي : هل حقا عقول وأجساد صغارنا تتوفر على الحماية الخاصة من أنياب ومخالب وحوش البيدوفيليا ورواد السياحة الجنسية؟ بعدما ضاق عليهم الخناق في بلدانهم الغربية وطاردتهم مجتمعاتهم وشددت العدالة المساطر الزجرية والعقوبات الجد صارمة في مقاضاتهم كما ثارت في وجوهم السلطات في كل مكان وزمان تحاصرهم وتفعل بهم الأفاعيل. هل تشريعاتنا على مستوى المسئولية والحدث لصيانة كرامتنا وشرفنا والدفاع عن هويتنا وديننا،وهل مجتمعنا متحمس للدفاع عن هذه الثوابت والمبادئ والقيم ،وهل سلطاتنا فعلا صادقة في تعاملها مع هذه الظاهرة اللاأخلاقية التي تحرض أطفالنا على البغاء المنافي للدين والمفسد للعقيدة والمخل بالآداب والحياء،كما سبق أن حرّمتها النواميس والكتب السماوية قبل أن تدينها كل الدساتير والمواثيق والأعراف الدولية؟ .