في وقت مبكر صباح اليوم، تخليت عن سيارتي وأخذت الطريق إلى محطة القطار راجلا، حيث أحسست بعالم آخر نمر بمحاذاته بعجلاتنا الأربعة كأنه فقط ديكور يؤثث مشاهد مدننا.. في الطريق راجلا، تستطيع أن تتأمل الوجوه، وأن تتحسس دم الكفاح بعروق الكادحات والكادحين. ركبت القطار، وإذا بي أجدني وجها لوجه مع مشهد كنت أتمنى ألا أراه وخاصة وأن شوارع الرباط لازالت مواطيء أقدام "سيداتنا" ساخنة بشعارات "مسيرة المرأة".. احتفل نساؤنا ونحن معهم، بيوم مجيد، وطبل المطبلون واستعرض المستعرضون عضلاتهم السياسية والإيديولوجية.. حتى ظننا أنه يوم النصر الذي انتظرناه منذ زمن.. لكن مشهد الصباح بالقطار، حيث كل الرجال استوطنوا أماكنهم في القطار المكدس، لم يسعفني الحظ أن أكون من بينهم جالسا على مقعد مريح – وأنا جد فرحان لذلك – ، بالإضافة الى سيدة في مقتبل الأربعين من عمرها، ظلت واقفة ترى بأم عينيها "الاحتفال المجيد" بالمرأة .. المرأة التي قلنا عنها قبل يوم كل شيء جميل، ورفعنا لها قبعاتنا، وتمنينا أن نفديهم بدمنا وحياتنا.. كنت أتأمل نظرات السيدة التي توزعها على كل الرجال ممن يمسكون بأيديهم هواتفهم ذكية، وربما بعضهم لازال يهدي تحياته للمرأة بالعالم الأزرق !! كنت وكاني اقرأ ما يروج بمخيلتها وهي تستفيق بعد يوم اعتقدت فيه أنها أنثى وأنها كل شيء في هذا العالم.. كنت أتأمل خيبات أملها من "عقلية ذكورية" تأكل الغلة وتنعل الملة.. كنت أتأملها وهي تنظر لكل أولئك الرجال بعد أن سقطت الأقنعة وتقول : أي امرأة كانوا يحتفلون بها وكرسي حقير لم يتنازلوا عنه لبعض الوقت وحتى لو من باب المجاملة؟؟ سؤالها الافتراضي جرني جرا، لأتمنى بدوري لو كانت نساؤنا غيرت وجهة مسيراتهن قبل يوم بالعاصمة الرباط وعدد من الحواضر، إلى قوافل معززة بحلول وتمكينات حقيقية للنساء اللواتي غير الزمن ملامح أنوثتهن، و"قوس" ظهورهن من شدة ثقل الحمل بالمداشر والدواوير المعزولة.. تمنيت لو أصبح الاحتفال احتفالا بعيدا عن استعراض العضلات أمام عدسات قبيلة الصحفيين والإعلاميين .. تمنيت ألا يكون احتفالا بيوم ينتهي بعقارب الساعة، لتعود العقليات والذهنيات لقلاعها العتيدة تحمي مملكة "الأنانية النسوانية" و "التسلطية الذكورية" .. عندما تسقط الأقنعة سنحتفل جميعا بالعمران البشري الحقيقي.