نتخبط في هذه الدنيا الواسعة، تصادفنا الكثير من المواقف، نمر بالعديد من الظروف نتعرف خلالها بآلاف بل ملايين الأصناف من الناس.. منهم الضعيف ومنهم الكاذب ومنهم الشريف ومنهم الخائن ومنهم ومنهم.. وبحكم طبيعة الإنسان، اجتماعي بطبعه، فهو بحاجة إلى صديق، وتبقى طريقة اختيار هذا الصديق أهم شيء، سواء تعلق الأمر بأصدقاء من العائلة، الدراسة، أو جمعتنهم أيام الطفولة بشقاوتها وجديتها.. لكن اليوم يدخل عامل جديد في عملية الاختيار، قلب العديد من الموازين تحت الطاولة، أو "مارس سحره" علينا، حتى أصبح لدينا بين عشية وضحاها أصدقاء افتراضيون بالملايين، نتقاسم معهم "حياتنا الثانية" والقاعدة الجوهرية في هذا المسبح الافتراضي "لا مكان للمغفلين"، حيث أن الضحية التي تسقط يصعب إنقاذها. "نمشي نشاطي.." يلتقون "مباشرة" هنيهة، لكنهم ينغمسون ويتيهون في دروب المقولة المتداولة "نمشي نشاطي"، منهم من يرجع فجرا، ومنهم من يبقى مسافرا في أرض الله الواسعة، لا يحول بينه وبين رحلة العودة الا انقضاء "التعبئة".. "أون مغاربية" فتحت مسلكا مع بعض سكان "العالم الافتراضي" بالمغرب، كيف هي صداقاتهم الإلكترونية؟ "أناس" الذي بدأ استخدام الإنترنت في نهاية سنة 1997، كون صداقات عن طريق الإنترنت منذ سنوات، ولازالت باقية إلى الآن، يقول"لي أصدقاء طفولة ودراسة وعمل. ولكن أيضا من الجميل أن تلتقي أشخاصا تجمع فيما بينكم بعض الهوايات والاهتمامات رغم المسافات، رغم العادات والتقاليد، ستجد نقطة ما تلتقي معهم فيها". مضيفا "نحن نصنع واقع الإنترنت، إذ نبني علاقتنا بالصدق والإخاء.. لقد استفدت كثيرا من هذه التجربة بالتركيز على هواياتي بمعية أناس أكن لهم كل الود والاحترام، لأنهم بالمقابل يكنون لي نفس المشاعر، ومع مرور الوقت جمعتنا أشياء كثيرة ومواقف ونقاشات أخذت مني وقتا كثيرا". وإذا كان الإنترنيت مختزلا لدى الكثيرين، في "الشات" أو الدردشة، فليس لأنهم يجهلون الجوانب الأخرى، لكن يبدو وكأنه ميل متعمد نحو هذا السلوك، تزيد إغراءات برامج "المسنجر" و"السكايب".. و تطبيقات "الواتساب"، "التانجو" .. من تطبيع العلاقة الافتراضية، قد تصل لدرجة الإدمان، والصدمات المتتالية.. أكذوبة.. وخداع سارة 22 سنة، لم تخفي حسرتها وهي تروي لنا قصتها مع "صداقات الانترنت"، بعد أن تتنهد تقول "مشكلتي هي مشكلة أغلبية الفتيات اللائي ركضن خلف أهوائهن ووقعن في شر أعمالهن.. وحكايتي بدأت عندما كنت في أحد الأندية الرياضية الخاصة بالفتيات وشاهدت هناك تجمعاً كبيراً من قبل الفتيات على جهاز الكمبيوتر.. وعندما سألت صديقتي عن سبب التجمع؟ أخبرتني عن "النت" وان هناك مواقع عديدة للدردشة الكتابية والصوتية، الأمر الذي أثارني ودفعني لمعرفة هذا العالم العجيب، وبالفعل تعلمت منها دخول مواقع الشات كما تعلمت منها كيفية البحث عن المواقع الجديدة.. وبالفعل استطعت من خلال النت أن أكون صداقات مع "أسماء مستعارة" لا اعرف إن كانت لفتاة أو لشاب.. كنت أحاور كل من يحاورني عبر الشات حتى وان كان شاباً .. وهنا وقعت فريسة لأحد الشباب الذي أوهمني بالحب الرومانسي.." وتضيف سارة وكأن في حلقها غصة، "بدأت العلاقة بيننا تقوى مع الأيام، وكنت أتبادل معه أطراف الحديث إلى منتصف الليل.. أغراني بكلامه المعسول وكلمات الحب والغزل والشوق إلى أن طلب مني صورتي بحجة معرفة شكلي، ومن شدة غبائي أرسلت له مجموعة من صوري وأنا في كامل أناقتي. ويا ليتني مت ولم افعل ما فعلته فقد أخذ الشاب يبتزني بصوري إما أن أخرج معه أو ينشر صوري على شبكة الانترنت". "صداقة الإنترنت مجرد أكذوبة.. خداع" قناعة يبدو أنها راسخة حتى العمق أنهت بها سارة حديثها معترفة أنها وقعت فريسة «النت» مع أنها طالبة جامعية والكل يشهد بذكائها. الحب الإلكتروني .. أضحوكة !! معاناة أخرى عاشتها خديجة ذات 28 عاما، مع "صديق النت" الذي حول حياتها إلى أضحوكة، "أحببت شابا عن طريق الانترنت، وهو أيضا بادلني نفس الشعور وأصبحنا بمرور الأيام لا يستطيع أحدنا الاستغناء عن الآخر. إلى أن جاءت الطامة الكبرى.. حيث اكتشفت وبالصدفة أن الذي وهبته حياتي عيّشني في أكذوبة. حيث اكتشفت انه انسان متزوج ولديه من الأبناء ثلاثة؛ ولد وبنتان. وعندما واجهته بالحقيقة أنكر. وما كان علي سوى أن انسحب من حياته حتى لا أدمر حياة أسرة كاملة..". واستطردت قائلة: "الحب من خلال شاشة الكمبيوتر أكذوبة وعيش في الخيال لأن الذي يجلس خلفها شخص مجهول لذا لا يمكننا أن نبني مستقبلنا عليه". صداقات إلكترونية لتعزيز الربح.. في مقابل ضحايا الانترنت، هناك شباب استطاعوا تحويل صداقاتهم الالكترونية لمصدر ربح وتجارة الكترونية للترويج لأنشطتهم المختلفة، حمزة 27 سنة تاجر يقول:"عن طريق الإنترنيت والمواقع الاجتماعية اكتسبت صداقات ساهمت في تطوير عملي. وفتحت لي منفذ تسويقي عالمي يعمل 24 ساعة يومياً، يوفر معلومات كاملة عن منتجاتي" . "أصدقاء النت" والرمانة .. من جهته يرى "نوح بونان" 23 سنة، مهندس أن "أصدقاء الإنترنيت" شيء غير حقيقي وغير ممكن، مما جعله يقتصر في قائمة أصدقائه في الموقع الاجتماعي فيسبوك، فقط على أصدقاء الدراسة، العائلة، الطفولة لا غير. وكذلك تختزل "غيثة أوحي" الطالبة الجامعية ذات 18 ربيعا، وصف الصداقة عبر الإنترنيت ب"الرمانة" "كل واحد و زهرو تقدر تتلاقى مع ناس مزيانين و تقدر تلاقى مع ناس خايبين". في كثير من الأحيان يمكن للحوار الانترنيتي أن "يسخن" ويغرق في "عالم الجنس الإلكتروني"، و قد يقوم الشخص ببناء علاقات غرامية عبر النت، تجعله كالرحى ما أن تنتهي جولة، حتى يبدأ ببناء علاقة وهمية أخرى .. فهل "صداقات الانترنت" هي لعنة جيل اليوم؟ أم مجرد كبوة سرعان ما تقوي ظهره بشكل أو بآخر؟؟