هناك بعض الأحكام الشرعية القطعية الثبوت والدلالة، والتي غرس فقهاؤنا في أذهاننا أنها غير قابلة للنقاش، إلا أني أشعر، كمسلمة، بأن بعض الأمور تحتاج إلى إعادة النظر خدمة للمقاصد العليا للدين الإسلامي الحنيف.. وحتى لا يذهب تفكير القارئ بعيدا، أفتح قوسا للتأكيد أني امرأة مسلمة محافظة متدينة إلى حد ما، ليست لي أي مواقف مسبقة من الثوابت الدينية.. ومع ذلك أجد أن موضوع الإرث مثلا، يجب أن يفتح حوله نقاش فقهي عميق يتجاوز تبادل الاتهامات، ويتجاوز أي صراع مفترض بين النساء والرجال؛ بكل بساطة لأن الواقع تغير كثيرا، ولم تعد المرأة كما يقول فقهاؤنا تحظى برعاية الأب وحماية الأخ، إلى أن تتزوج فتدخل تحت جناح الزوج.. كما أن التعديلات الأخيرة التي أدخلت على مدونة الأسرة أصبحت تلزم المرأة أما وزوجة بالإنفاق على قدم المساواة مثل الرجل، خاصة إذا كان لديها دخل لا يتوفر للرجل.. ووفقا لهذه المتغيرات لا أستطيع أن أفهم كيف ترث المرأة نصف ما يرث الرجل حتى لو كانت تنفق ضعف ما ينفق.. كما أني أجد صعوبة كبيرة في سياقنا المجتمعي أن أفهم كيف يرث العم إذا كان للهالك بنات ولم تكن له ذرية من الذكور.. ورغم أن أغلب من يثير هذه الإشكالية حاليا يتكلمون من خارج الإطار الديني، وبعضهم محسوبين على ما يسمى بالتيارات العلمانية، إلا أني أعتبر أنها إشكالية تمس المتدينين والفقهاء قبل غيرهم، والدليل أن عددا لا بأس به ممن أعرفهم من المتدينين يلجئون إلى الحيلة بدل مناقشة الموضوع علنا حتى لا يتهموا بتجاوز الحدود والتطاول على شيء مثبت بنص واضح وصريح ولا مجال لمناقشته.. وهكذا يلجأ بعض الآباء إلى كتابة ممتلكاتهم بأسماء بناتهم حتى لا يرث الأعمام فيما يعتبرون أنه حق لفلذات أكبادهم فقط.... طالما قرأت وسمعت من أفواه بعض العلماء المتنورين كلاما رائعا حول مقاصد الشريعة، والتي يعتبر العدل أحد أركانها، إلا أن خطاب المقاصد هذا لا يتعدى النظريات الكبرى، ويجنب نفسه عناء فتح ملفات حساسة مثل ملف الإرث..ترى متى تنشأ بين أحضان المجالس العلمية أو هيآت الإفتاء خلايا للبحث العلمي والفقهي التي تأخذ بعين الاعتبار فقه الواقع والمقاصد النبيلة للشرع؟