بعض النخب الجادّة على قلتها وبعض المناضلين الفاعلين على ندرتهم وقعوا في فخ الحسابات الضيّقة والوساوس السياسية القاتلة عندما ثبطوا اعتصام المصير وشككوا في القصبة "3" وخذلوها بتعلّة شبهة ضلوع الإسلاميين والنهضة تحديدا في دعم هذه التحركات بقوة، وربما تبنيها أصلا، لقد سقط هؤلاء في مستنقع البغض ورضوا أن يتآمروا على ساحة النضال المتقدمة وخطوط الدفاع المتبقية والثابتة في وجه فلول الردّة وحكومتي الشمس والظلّ على حدّ السواء. بتحالف بعض النخب التي كانت تعتبر جادّة مع تلك التي احترفت التآمر وأتقنت التلوّن والتقلّب وضربهم لرمزية القصبة وتعويم دورها وتقزيمه تكون هذه النخب قد التأم شملها على هدم آخر الحصون التي تحتمي بها الثورة من الردّة، فالتشكيك في نوايا شباب القصبة ومحاولة تشويه نضالهم وتقزيم عطائهم يعدّ عملية قتل موصوفة لروح المبادرة التي وإن لم يضطلع بها الشباب أصحاب الهمم العالية والحركية الدائبة فلن تضطلع بها ماركات النضال المتآكلة المنتهية الصلاحية ولا سماسرة الجمعيات الأهلية والمدنية، إن أولئك المتعاقدين مع الفشل والإفشال الذين استجابوا لخطة الإعلام اللائكي وجمعياته الملحقة وانخرطوا في إحباط القصبة ثلاثة انتهوا اليوم إلى حقيقة مرّة مفادها أنّ شباب المواقع الإجتماعية الذين تنادوا إلى القصبة "3" كانوا أكثر ذكاء وأقدر على قراءة الأحداث بشكل استباقي من نخب هرمة تتلذذ بعداء النهضة ولو على حساب الثورة وشهدائها وثوارها الأحرار، وحتى إن كان هذا العداء مصدره شبهات نمت وترعرعت بين أحضان الحقد المقدّس، فبعد قمع القصبة "3" بتحريض من بؤر الإعلام اللائكي وبتزكية من أدعياء النضال اطمأنت الحكومة الإنتقالية ومراكز القوى النافذة وشرعت في تفريغ الثورة من محتواها فنفذّت سلسلة من الإفراجات المستفزة لمشاعر ضحايا القمع والفساد وشهداء الثورة بل مستفزة للشعب بأسره ثم وفي إخراج ركيك قدمت مسرحية القضاة وترقياتهم المثيرة للسخرية، تزامن كل هذا مع خروج سيدة العقربي عبر مطار تونسقرطاج الدولي وفي وضح النهار معزّزة مكرّمة وهي من هي في عالم الفساد فهي من تمثل راس حربة للجنرال الفار يفكك بها الجمعيات المستقلة ويروض بها ساحة العمل الاهلي ، وقد كانت السلطات قبل المؤامرة على القصبة تعمد إلى تسريب حرفائها من عائلة المخلوع والمخلوعة وأعوانهما في كامل الحيطة وفي الليل الدامس وعبر الحدود الترابية، واليوم لم تعد الحكومة الإنتقالية تجتهد في تبرير تجاوزاتها ولم تعد تتفنن في طمس بصماتها إنّما أصبحت تبرر الطامة الكبرى بجملة أو جملتين ثم تمرّ غير عابئة بأحد، وأتفه ما قامت به هو ذلك التبرير الذي ساقته في خصوص هروب العقربي حيث ادعت عدم معرفتها بذلك واوعزت الأمر إلى خلل في الترتيبات، هذا وقد خرجت العقربي من مطار تونسقرطاج وما أدراك ما مطار تونسقرطاج المصاب بتخمة أمنية حيث أنّ عامل تونسي في حظائر ميلانو تحوم حوله شبهة بسيطة تصل معلوماته وسيرة حياته كاملة حال إقلاع الباخرة من الميناء وربما قبل ذلك بكثير، هذا الأسطول الأمني الذي يلتقط المعلومات عن حفيد للاجئ سياسي قادم إلى وطنه ويثخنه بالأسئلة يريد لنا أن نقتنع بأنّ العقربي حين مرّت عليه كانوا قد غشيهم النعاس هكذا قضاء وقدر . الجريمة هنا ليست في هذا الجهاز الذي حدد ولائه ولا في الحكومة الإنتقالية التي حددت خياراتها إنّما في الحداثيين الذين قدموا رقاب شباب القصبة قربانا لحقدهم على النهضة ثم هم اليوم يتدافعون مع النساء الديمقراطيات في قلب العاصمة من أجل المساواة في الإرث ولو كانت لهم عقول لعرفوا أنّ الإرث يأتي من الأملاك والأملاك كان شباب القصبة يضغط من أجل استردادها حين امتدت لهم أيادي الغدر الآثمة. لا ندري إن كان الشباب المشرف على جمعة العودة قد علم ومضى أم أنّه جهل بأنّ شركاء الوطن من الحداثيين واللائكيين وفي عرفهم الحداثي المنقح على الأجندات الشقراء يوم الجمعة هو يوم مغضوب عليه ومن اختاروه لتحركاتهم هم الضالين!!!..