من السهل أن نفهم فرح الرئيس الأمريكي باغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن ، لانه اتى بما لم تات به الاوائل من الرؤساء الأمريكيين ، فالرجل دوخ الأمريكان والغرب ووضعوا لمن يدلي بمعلومة حول مكانه جائزة بمئات الملايين ، ولكنهم عجزوا، ولم يفلح الرؤساء السابقين الفوز بهذا السبق الذي فاز به اوباما. مقتل ابن لادن ليس معجزة في عالم تحكمه الاستخبارات المتقدمة والتقنيات الحديثة المخترقة والأموال السخية التي تدفع تحت مظلة مكافحة الإرهاب، ولكن تأخر مقتله رغم حجم التقنيات وإجماع الأجهزة الاستخبارية للفوز بالغنيمة والأموال التي تنفق في هذا الإطار يعطي دلالة واضحة على صعوبة اختراق طوقه الداخلي وتنظيمه العقائدي والتنظيمات الأيدلوجية الإسلامية عموما . علاقة اغتيال ابن لادن بما يجري على الساحات العربية من ثورات وسقوط للأنظمة، علاقة اخترعتها صحافة الخيال التي طالما تشد القارئ بنظرية المؤامرة، واستثمرتها المخابرات الأمريكية لتضخيم قدرتها في الأذهان، ولتعطي لنفسها قوة بأنها تملك خيوط اللعبة في المنطقة لتؤثر بها في نفوس الضعفاء من الأنظمة التي طالما انضوت تحت رغبتها ولبت أوامرها باعتبارها قوة تحمي الأنظمة وتسقطها . ولكنني لم أجد أية علاقة بينهما سوى أن ثورات الشعوب وسقوط الأنظمة في المنطقة واغتيال ابن لادن على هذا النحو، ومن قبل الأمريكان، سيعجل في زوال المشروع الأمريكي من المنطقة تماما كما سيعجل أكثر وأكثر في زوال إسرائيل واقتلاعها ليدخل المؤمنين بيت المقدس محررين ومكبرين ان الطواغيت سقطت ولو بعد حين. ان قراءتي للتاريخ في هذا المضمار تشير إلى أن اغتيال القادة الروحيين المؤثرين .. له نتائج مفرحة للخصم على المدى المنظور، ولكنه له اثر مفجع ومدمر للخصم على البعد الاستراتيجي، لان مقتلهم بالاغتيال البشع من قبل الخصم نفسه، انما هو تعميق وتاصيل وتجذير لعظم فكرهم، يولد حالة وجدانية من الشعور بالمظلومية الكبيرة والقهر يترتب عليه فكر اكثر تطرفا واعمق فعلا واوسع ثارا وانتقاما.. لذلك فان قصر النظر سمة تعمي البصيرة وتعمق الحماقة ، واذا اردت ان تعجل في رحيل طاغية فما عليك سوى ان تعمق فيه قصر النظر ليقدم على ارتكاب الحماقات التي يراها نصرا مؤزرا ولكنها في عمق الفعل الاستراتيجي، ما هي الا تدحرج سريع نحو الهاوية التي يصبوا اليها الصادقون . وقصر النظر ايضا سلاح رباني يرمى به الاعداء في الوقت المعلوم ، لتكون نهايتهم بايديهم وصدق الله العظيم في قوله تعالى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء 16) --------------------------- [email protected] www.drjumian.co.cc