افتتحت أمس الخميس 24 اكتوبر الجاري بالرباط أشغال الملتقى الخامس لحقوقيي البحر الأبيض المتوسط حول موضوع ‘العقود في منطقة البحر الأبيض المتوسط ‘ ، وذلك بمشاركة حقوقيين من مشارب مختلفة ، قضاة ومهنيين وجامعيين ومختصين في قانون الشركات من دول المنطقة المتوسطية . ويناقش هذا الملتقى،المنظم على مدى يومين ، تحت الرعاية الملكية، من قبل المدرسة الوطنية للإدارة ومدرسة الحكامة والاقتصاد بشراكة مع كل من مؤسسة القانون القاري وجمعية هيئات المحامين بالمغرب وهيئة المحامين بالرباط والمجلس الوطني للموثقين بالمغرب، محاور ترتبط بتطبيق الأنظمة القانونية الوطنية لقانون الاتحاد الأوروبي وإنشاء العقود في القانون الخاص وإبرام العقود العامة، فضلا عن تنفيذ العقود في القانون الخاص وتنفيذ العقود العامة. وفي كلمة له بالمناسبة ، أكد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة محمد مبديع أن العقود تمثل آلية فعالة للضبط القانوني للأعمال الاقتصادية داخل البلدان وخارجها، وذلك لضمان الاستقرار والأمن القانوني، الكفيل باستقطاب الاستثمارات المنتجة للثروات والتنمية. وأوضح مبديع أن التحولات الديمقراطية التي تشهدها الضفة الجنوبية للمنطقة المتوسطية، والمتمثلة في عدم الاستقرار الاقتصادي والضغوطات السياسية والاجتماعية، تفرض تنظيم الفضاء والأمن القانونيين، وذلك لحفظ حقوق وحريات المتعاقدين، مما يطرح تحديات كبرى يشكل الملتقى مناسبة للنقاش وتبادل التجارب الناجحة في سياقها. واعتبر أن الفضاء المتوسطي كان وما يزال ملتقى للحضارات وتقاطع الأفكار وحوضا عملاقا يجمع 25 دولة متوسطية ذات ثقافات مختلفة، تنصهر خلاله المشاريع المحركة التي توفر فرصا هامة للشراكات، وللتعاون بين الضفتين على المستوى الإنساني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وسجل أن هذا الملتقى العالمي ينعقد بالرباط في جو يسوده التعاون والحوار الخصب، وذلك بعد خمس سنوات من منح الوضع المتقدم للمملكة المغربية من طرف الاتحاد الأوروبي، وستة أشهر بعد بداية المفاوضات المرتبطة بمخطط عمل الاتحاد الأوروبي والمغرب من أجل الدفع بهذا الوضع المتقدم (2013 – 2017)، في أفق المصادقة على اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق. كما أن الملتقى ، يضيف الوزير، ينعقد في إطار الأنشطة المشتركة التي بادرت مؤسسة القانون القاري إلى تنظيمها وانصبت أساسا حول تطوير مدرسة القانون القاري والنهوض بها على المستوى الدولي، وذلك في إطار التنوع الهوياتي والثقافي الكوني وتقوية التوازن القانوني العالمي. وذكر بالتراكمات الهامة والقوية التي حققها المغرب في المجال القانوني، إذ انخرط في مسلسل ديمقراطي حداثي يرمي إلى إشراك كافة مكونات المجتمع من أحزاب وهيئات ومنظمات وإدارة في المجهود الجماعي الرامي إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، مدعوما بإرادة ملكية قوية تنير الطريق لترسيخ الدولة الحديثة التي يطمح إليها الجميع. وأشار في هذا السياق، إلى إرساء المغرب لإصلاحات مؤسساتية هيكلية تهم أساسا ربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمحاسبة والمراقبة ودسترة هيئات الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان وحماية الحريات، مضيفا أن دستور 2011 يعد وثيقة دستورية متقدمة بصمت بكل جرأة القيمة القانونية لمختلف مكونات الهوية المغربية الغنية بروافدها المتعددة، وكذا تنصيصه على تعزيز روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو متوسطي. من جهته، قال الرئيس الأول لمحكمة النقض بالمغرب مصطفى فارس في كلمة بالمناسبة، إن هذا اللقاء الذي يناقش مفهوم الأمن التعاقدي في الفضاء المتوسطي، يشكل فرصة لتطوير مقاربات تشاركية وتكريس آليات الحوار والعمل البناء في المجال، مشيرا إلى أن الإطار المتوسطي شكل على الدوام جسرا للحوار وفضاء للإنتاج المعرفي الغني بتعدده الثقافي. وأكد أن الرهان الذي تطرحه التحديات المرتبطة بالعولمة في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية والتحديات المناخية وكذا إشكاليات الإرهاب فضلا عن التطورات الحديثة في مجال التعاقد، يتمثل في إيجاد علاقات تعاون متوازنة تراعي خصوصيات الفضاء المتوسطي، مما يجعل من هذا الملتقى فرصة لتداول التجارب الكفيلة بإيجاد الحلول عن هذه التساؤلات. وأضاف أن المغرب، الذي جعل من المكون المتوسطي أحد الراوفد الهامة ضمن هويته، ينهج خيار تعزيز التعاون من خلال التزام استراتيجي بمقتضى دستور 2011، بغية توطيد موقعه في هذا الفضاء المتوسطي، وذلك من خلال فتح العديد من الأوراش ذات الأبعاد السوسيو اقتصادية والثقافية التي تكرس دولة القانون والمؤسسات وترتكز على العدالة النزيهة. من جانبه، أبرز جان فرانسوا ديبوس رئيس مؤسسة القانون القاري أن قانون العقود، وباعتباره مكونا ضمن التراث المتوسطي، يشكل أساس الثقافة القانونية المشتركة بين بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، وجسرا نحو مستقبل مشترك لتعزيز التعاون في مجال التعاقدات، وذلك في ظل التطورات الحديثة التي يشهدها المجال، مشيرا الى الدور الذي يمكن أن تضطلع به المؤسسة في تعزيز روابط التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مختلف المجالات. وأوضح أن مؤسسة القانون القاري تعمل بتعاون مع حوالي 20 بلدا خاصة في مجال تثمين العقود العمومية والقوانين المرتبطة بشبكة الأنترنت وتسهيل التبادل والتعاون، وذلك من خلال التعريف بالقوانين القارية وأهميتها وكذا نجاعتها في تسهيل التعاملات بين البلدان. وتم بالمناسبة التوقيع على اتفاقية تعاون بين مؤسسة القانون القاري والمجلس الوطني للموثقين بالمغرب، يتم بموجبها توفير التكوين للمتمرنين والطلبة والجامعيين، في أفق جعل المغرب مركز إشعاع إفريقي وجهوي يعمل على استقطاب المنظمات القانونية. يذكر أن ملتقى حقوقيي البحر الأبيض المتوسط ينظم سنويا، ويعتبر فضاء للقاء بين رجال القانون من مختلف الجنسيات وممتهني القانون والقضاة والجامعيين والمستشارين القانونيين، بالضفتين الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، قصد التباحث وتبادل الخبرات لتطوير مشاريع مشتركة بهدف التقريب بين القوانين بصفتها وسائل تساعد على إرساء الأمن القانوني وعوامل تساهم في النمو الاقتصادي بالمنطقة. وتعد مؤسسة القانون القاري هيكلا للقانون الخاص معترف بها كمؤسسة للمنفعة العامة، تجمع بين شركاء القطاع العام والخاص، ومنتدى للقاء مفتوحا في وجه المؤسسات والأشخاص الراغبين في المشاركة في عمل جماعي لزيادة قيمة نظم القانون القاري.