قبل ثلاثة أيام من مظاهرات حاشدة يتوقع أن تنظمها المعارضة للمطالبة برحيله، تحدث الرئيس المصري محمد مرسي إلى شعبه في أطول خطاباته على الإطلاق، ليعرض للكثير من الأزمات والمشاكل ويعترف بمسؤولية السلطة عن بعضها ويحمل جهات أخرى بينها المعارضة جانبا من المسؤولية، قبل أن يعرض لقرارات ويختم برسائل. مرسي -الذي يستعد لإنهاء العام الأول من حكمه بعد أن فاز بأول انتخابات رئاسية تشهدها مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011- قال إنه اجتهد فأصاب أحيانا وأخطأ أخرى، متعهدا بتصحيح الأخطاء وفي مقدمتها أن الشباب لم يحصل على فرصته في العملية السياسية، كما أن رؤوس الدولة العميقة وفلول النظام السابق ما زالوا يعيثون في الأرض فسادا. وكان جديدا أن يعتذر الرئيس عن بعض الأزمات التي يعاني منها المصريون وفي مقدمتها أزمة نقص الوقود، وإن ألقى باللائمة على عناصر فاسدة تتآمر لإشعال الأزمة، كما حاول الإشارة إلى أزمات أخرى نجحت الحكومة في حلها كليا أو جزئيا، مثل أسطوانات الغاز المنزلي وإنتاج الخبز، فضلا عن رفع رواتب الكثير من الموظفين وإعفاء صغار المزارعين من الديون. كما اعتذر مرسي عن التأخر في القصاص لشهداء الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، وقال إن دماءهم ما تزال "في رقبتي"، كما اعترف بارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن الحكومة تحاول السيطرة على هذا الارتفاع، ومذكرا بما وصفها بتركة ثقيلة تحملها النظام الجديد وقال إن المشاكل الناتجة عن ديون خارجية وداخلية تقدر بنحو مائتي مليار دولار لا يمكن حلها في عام واحد. قرارات وبعد ما يشبه كشف حساب عن حصاد عامه الأول في الرئاسة، كشف مرسي عن عدة قرارات تستهدف مواجهة بعض ما عرضه من مشكلات وأزمات. واختص جزء من هذه القرارات بالأزمات المعيشية، حيث قرر تكليف الوزراء والمحافظين بإقالة كل المتسببين في الأزمات التي تعرض لها المواطنون في قطاع الخدمات خلال أسبوع، مع سحب تراخيص كل محطات الوقود التي امتنعت عن استلام المنتج أو توزيعه على المواطنين، وتكليف وزارة التموين باستلام هذه المحطات وإدارتها، فضلا عن تكليف وزير الداخلية بإنشاء وحدة لمكافحة البلطجة التي قال إنها مسؤولة عن كثير من المشكلات. وكان للأزمة السياسية نصيب في قرارات مرسي، حيث أعلن عن لجنة يتم تشكيلها من جميع الأحزاب لوضع مقترحات لتعديلات الدستور، وتشكيل لجنة عليا للمشاركة الوطنية تضم ممثلين لكافة عناصر المجتمع من الأحزاب والأزهر والكنيسة والشباب، وتكليفها بالمصالحة الوطنية في مختلف المجالات وبالتوافق على محاور العمل الوطني خلال الفترة المقبلة. أما آخر القرارات التي أعلن عنها مرسي في خطابه المطول مساء الأربعاء، فتمثل في إلزام الوزراء والمحافظين بتعيين مساعدين لهم من الشباب تحت أربعين سنة على أن يتم ذلك خلال شهر، وهو ما بدا نوعا من مغازلة الشباب الذي قام بالثورة ثم وجد نفسه بعيدا عن إدارة شؤون البلاد بعدها. رسائل واستمرت لهجة مرسي حاسمة وهو ينتقل من القرارات إلى الرسائل التي كان أولها للشعب المصري بأن الجميع شركاء في الوطن وأن النظام السابق ظلم المنتمين للتيارات الإسلامية بعد أن عمد إلى تفزيع الشعب منهم، مؤكدا أن الأمر ليس كذلك وأن الإسلاميين حريصون كغيرهم على الوطن. وتمثلت أبرز الرسائل في الحديث عن دور القوات المسلحة، وذلك بعد جدل حول ما إذا كانت ستنحاز إلى الرئاسة أم تنقلب عليها، حيث قال مرسي إنه لا يوجد خلاف بين الجانبين وإن ما تقوم به القوات المسلحة من انتشار وتحرك في بعض المناطق والمدن المصرية أمر يهدف لطمأنة المواطنين. كما أشاد مرسي بالشرطة وأكد دعمه لها كي تتجاوز أزمتها وتمارس دورها في حماية المواطنين وحفظ الأمن، وأشاد كذلك بالقضاء وأكد حرصه على استقلاليته وإن انتقد ما وصفه بدخول بعض القضاة معترك السياسة، واعتبر أن نتيجة ذلك كانت إرباك القضاء والسياسة معا. وجاءت رسالة مرسي إلى المعارضة ناضحة بالمرارة، حيث قال إنه يثمن دور قطاع فيها لكنه تفاجأ بعزوفها عن التعاون ورفضها للحوار وتشكيكها المسبق في نوايا الرئاسة. وقال إنه لم يجد من المعارضة إلا العناد والتشبث بالرأي فضلا عن رفض المشاركة في المناصب ومحاولة هدم المؤسسات المنتخبة، معتبرا أن على المعارضة إذا كانت لا ترضى عن الحكومة أن تجتهد في الانتخابات البرلمانية المقبلة وتشكل هي الحكومة. ولم تختلف كثيرا رسالة مرسي إلى الإعلام عندما اتهم قطاعات منه بنشر الفتن والأكاذيب وخطابات الكراهية وطالبها بالتوقف عن ذلك، واتهم من وصفهم بأذناب النظام السابق بالعداء للثورة ولكل ما هو وطني وشريف، كما توعد من وصفهم بالعابثين بأنه سيواجههم بالقانون، ملمحا للمرة الأولى إلى إمكان استخدام القانون العسكري ضد من يسيئون إلى الرئيس الذي يعد أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة. وكان طبيعيا أن تتوجه الرسالة الأخيرة إلى من يستعدون للتظاهر في الثلاثين من الشهر الجاري، حيث طالبهم بالسلمية والحفاظ عليها، وقال إنها أنبل ما في الثورة المصرية، ودعاهم إلى جعل الحراك ونقد الحاكم سببا للنهوض لا طريقا إلى الفوضى، كما نبه إلى أن التظاهر أداة للتعبير عن الرأي وليس لفرض الرأي، كما حذر من أن العنف لن يؤدي إلا إلى العنف. المصدر : الجزيرة نت