منذ خمسة أسابيع أو ما يزيد انطلقت عمليات الدخول المدرسي بالمغرب للموسم 2012 / 2013 و قد احتدم الصراع و كثرت التنديدات و تعالت صيحات رجال و نساء التعليم منهم المؤيد و منهم المعارض للقرارات الفريدة من نوعها لوزير التربية و التعليم الوفا. و في إطار تفعيل مقتضيات هذا الدخول و هاته التوجيهات الصادرة عن الوزارة الوصية و الرامية إلى توفير و ضمان الشروط الكفيلة لانجاحه، خاضت النيابات الإقليمية سلسلة من الاجتماعات و اللقاءات من أجل وضع خطط عمل لمواكبة و تتبع و تقييم العمليات المرتبطة بدخول استثنائي لموسم دراسي أهم ما قيل عنه أنه مميز. تهافتت نيابة آسفي و كجميع النيابات على تنفيذ ذاك المخطط المستمد، طبعا، من دليل الدخول المدرسي و الذي وضعت معالمه و سطرته ،انفرادا، الوزارة خلال شهر يوليوز بينما رجال التعليم و أصحاب الميدان ،الأولى بالمشاركة في وضعه، كانوا في عطلة، وبعد العودة منها انشغلوا للأسف بتحيين جمعية دعم مدرسة النجاح، ذاك الطعم الذي ابتلعته الأغلبية الساحقة من رجال و نساء التعليم، فتضاربت الآراء واختلفت المواقف وازدادت الشجارات و التشنجات بين المدرسين وتعمقت الاختلاسات ودخل الفساد إلى حقل التربية و التعليم من بابه الواسع و دون رقيب. صحيح أن الإرادة الحقيقية للمغرب في تحسين مستوى التعليم دفعت بالمسؤولين في كواليس الوزارة إلى البحث في الوسائل الكفيلة بإقلاع حقيقي للمنظومة التربوية و ذلك بعد بحث لم يكن نابعا من الواقع و عناء كبير تطلب الجهد الضائع و المال الباهض حيث أفرز مخططا سمي بالاستعجالي (2009‑ 2012) لأنه لم ينبن على مراحل حسب الحاجيات و المتغيرات و المستجدات و كنتيجة لفشله الذريع، فقد أشرف على نهايته في أواخر هذا العام و لم يزد التعليم إلا تأزما و تراجعا و فشلا على فشل، رغم أنه من حسنات هذا المخطط و التي تحسب له هي أن نجاحه كان موكولا بالدرجة الأولى إلى هيئة التدريس ، حيثما كانت مؤسساتهم في السهل أو في الجبل في الحاضرة أو في المدشر. هذا الفشل نلمسه بشدة في واقع العالم القروي بعد تزايد نسبة الهدر المدرسي و تفاقم الأمية و الجهل التي يراهن المغرب على محاربتهما جدريا، و خير مثال يمكن أن نتناوله هو واقع مجموعة مدارس الدعيجات بنيابة إقليمآسفي و التابعة بالإضافة لمجموعة مدارس عبد المؤمن و ابن النفيس لجماعة العمامرة و هي من الجماعات التي تعاني من الهشاشة و الفقر إلى جانب التهميش الذي يلحقها، فحينما نجد أن الميثاق الوطني للتربية و التكوين يتحدث عن تعميم التعليم الأولي و نشره مع تحسين جودة العرض التربوي في أفق 2015، نجد أن أطفال هاته المنطقة النائية و الذين يبلغون نسبة مهمة تصل إلى 47% حسب معطيات صادرة عن جماعة العمامرة القروية بين سن 4 و 6 سنوات يعانون من الحرمان من ولوج قسم للتعليم الأولي كأمثالهم من باقي أطفال الوسط الحضري رغم وجوده منذ 3 سنوات بالمجموعة والذي يستغل كمخزن حينا أو كسكَنٍ وظيفي أحيانا أخرى. وحينما نجد أن المبادرة الملكية مليون محفظة التي أطلقها الملك محمد السادس منذ 2008 و الهادفة إلى منح نفس جديد لواقع التعليم و إعطاء الدفعة القوية التي تنبني على أساس تعميم التعليم و إلزاميته و تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص و التخفيف من الهدر و التسرب الدراسيين، قد بلغت مداها حيث وصلت هاته السنة 350 مليون درهم للوسط القروي منها نسبة % 61 في إطار مقاربة ذات بعد اجتماعي و إصلاح لقطاع مهم و إستراتيجية وطنية لدعم هذا الوسط الحيوي الذي يشكل نسبة 54 % من سكان المغرب حسب الإحصاء الأخير، نجد أن جل الوحدات المدرسية لهاته المجموعة تعاني من نقص في الطاولات و الوسائل الأدنى الواجب توفرها والأدهى من ذلك هو ما تعيشه فرعية الدعيجات 2 و التي تبعد ب3 كيلومترات عن المركزية من تكدس في عدد التلاميذ يصل إلى168 تلميذا مع وجود 5 أساتذة بحجرتين دراسيتين فقط في حين نجد أن الوفا يتحدث عن تكافؤ الفرص و عن إمكانية تطبيق مقتضيات المذكرة الصادرة في 4 شتنبر تحت عدد 2X2156 و عن حق الأساتذة و التلاميذ كباقي الدول الأخرى في الاستراحة يومين في الأسبوع السبت و الأحد، ألا يعلم أن هناك تلاميذ لم يجدوا القسم أصلا حتى يدخلوه، و أن أيامهم إن لم نجزم كلها عطل. بل و يضيف حضرة الوزير شرط أن تراعى في هذا التدبير عدد الساعات الواجب تدريسها لكل فوج. فأي ساعات يقصد السيد الوفا و أي فوج؟؟؟ ألم يسمع عن تلاميذ محرومين من أبسط حقوقهم في ولوج قسم يقيهم من حرارة و برد و يهون عليهم مرارة طول الانتظار؟؟؟ أين الخلل؟؟؟؟ من المسؤول عن هذا التراجع ؟؟؟ ما سبب هاته اللعنة التي حلت بهذا القطاع؟؟؟ ما سبب هاته العتمة التي لم تشأ أن تنجلي عن هاته المنظومة إلي عرفت بأنها تنير العقول و القلوب؟؟؟ و....و......و...... إلخ يطول الكلام مع كثرة ما في هذا القطاع من تذبذب و تردد و عدم استقرار. لكن عندما يخص الملك محمد السادس خطابا كاملا بمناسبة الذكرى 59 لثورة الملك و الشعب، للحديث عن إعادة تأهيل المدرسة العمومية و رفع مستوى التعليم الخاص و العام، و التأكيد على ضرورة إعادة تأهيل المنظومة التربوية التي توجد في صدارة الأولويات وطنيا، و هذا التأهيل كما أكد لا ينبغي فقط أن يضمن الولوج المنصف القائم على المساواة إلى المدرسة لجميع أبناء الشعب دون تمييز، و إنما يجب أن يضمن لهم هذا التأهيل الحق في الاستفادة من تعليم ذو جدوى و جاذبية و يتماشى مع الحياة التي تنتظرهم. فهذا معناه أن التعليم اليوم هو قضية أمة و مسألة مصير شعب، فإذا تعثرنا طوال هاته المدة فقد حان الوقت لنعلن بكل جرأة و إقدام و شجاعة أن التعليم ليس مختبر تحاول كل حكومة أن تتناول فيه تجاربها و حسب، فلا يمكن الارتقاء بالتعليم عموما و بالوسط القروي خصوصا إلى ما هو أفضل من دون تخلي الوزارة المسؤولة عن سياسة التجريب التي تنهجها، بل هو قضية وطنية غير مرهونة بحسابات سياسية أو خلفيات اديولوجية، فطوال هاته العقود ظلت أزمة التعليم في صعود مستمر حتى أصبحت بالتدرج بادية للعيان، سواء في الخطابات أو في الواقع، وتمثل حقيقة التعليم بالوسط القروي أحد تجليات تلك الأزمة التي يجتازها التعليم بالمغرب، و هي الأزمة التي أضحت أكثر ميلا نحو الاستدامة، و التي أبانت عن جملة من الاختلالات و سلسلة من التناقضات الخارجية و الداخلية التي تعاني منها المنظومة التربوية الوطنية. فلو وعى السيد الوزير و الوزارة الوصية بوجود مدارس و مجموعات مدرسية أمثال الدعيجات، و انطلقوا في بناء خططهم من واقع العمامرة و مثيلاتها و استحضروا ارهاصات و اكراهات المدرسين في العالم القروي لعرف القطاع نهضة و تطورا و انجلت كل أزماته.