منذ عقدين من الزمن وما تزال معاناة أصحاب الشهائد المعطلين كبيرة وشاقّة، تقاسموا مع عامّة "البَّطّالة" هموم البٍطالة والخصاصة وانفردوا بالأزمة النفسيّة التي سبّبتها لهم سنوات طوال من التحصيل الجامعي خرجوا على إثرها بخفيّ حُنين، وقبل أن تستفحل مأساة هؤلاء كانت قد تأسست جريدة الشروق التونسيّة، ففي سنة 1984 بُعِثت هذه المطبوعة قادمة إلى المشهد الإعلامي من رحم جريدة الأنوار، قبلها بست سنوات كان أسطورة الكرة التونسيّة طارق ذياب قد سطّر مع تميم والعقربي والقاسمي والنايلي.. ملحمة الأرجنتين ليصبح بعدها أشهر من نار على علم ليس في تونس فحسب وإنّما في العالم العربي وأفريقيا والكثير من بقاع المعمورة، وكانت جريدة الشروق تعرفه جيدا بل تعرف عنه أدقّ التفاصيل، لكن الغريب أنّه و عندما كان لاعبا، وحين عُيّن مُدربا ومُسيّرا ثم مُحلّلا رياضيّا في قنوات الجزيرة الرياضيّة وحتى عندما أصبح وزيرا لم يخطر ببال الجريدة الموقّرة أن توجد قاسما بينه وبين أصحاب الشهائد المعطّلين، ولم تفكر له في كاريكاتير يجمع بين التردّي الفنّي والأدبي، فقط تَنَزَّل وحي الإبداع وتفيهقت الريشة الفنيّة لترسم كاريكاتيرا خارجا عن السياق حين تراشق صاحب الكرة الذهبيّة الأفريقيّة الوحيدة في تونس مع سي السبسي وزير بورقيبة ورئيس مجلس نوّاب بن علي، ولمّا كانت هذه الجريدة مخضرمة فقد هالها أن ينتقد وزير الشباب والرياضة شخصيّة مخضرمة مثلها عاشت مرحلتي "الزعيم" والجنرال وتقاسمت معها السلام والأمن والأمان في ظلّ العهدين، الكاريكاتير الذي ركز على المستوى التعليمي لطارق ذياب غفل على أن كثيرا من الذين مرّوا على كليّة الصحافة وحشوا أذهانهم بالتحصيل خرجوا من تلك المدرجات العلميّة ليساهموا في نحت شخصيّة دكتاتور ويتفنّنوا في صناعة أوتاد غلاظ ثبّتت الطاغية لسنوات طوال فوق الوطن مثلما غفل هذا الكاريكاتير على أنّ هذا الرياضي المتخفف من مدرّجات الجامعات كان لسانه أفصح في وجه العائلة الحاكمة وكان اشرف من نخب وضعت أنفسها و شهائدها على ذمة "بوبالة الثاني". المُثير للدهشة أنّ الجريدة التي طالما تغزّلت بطارق ذياب وتمريراته الدقيقة وحركاته الرشيقة ونظمت القوافي في هدفه الشهير الذي استقر في مرمى الزاكي نالت من الرجل في محطتين متشابهتي الأطوار، أولها حين استفز الكعبي وزير بن علي في منصّة التتويج ورفض مصافحته ونتج عن ذلك الفضيحة الملفقة والتي عُرفت بحادثة السيارة الغير مؤمنة، وثانيها حين استفز طارق سي السبسي.. ويكون بهذا قد استفز الجريدة المذكورة لرابطة الماء والملح بينهما، وإن كانت كل الشواهد تحشد باتجاه ولاء هذا النوع من الإعلام إلى العهد البائد وما قبله، إلاّ أن المشكلة كلما واجهتهم بأفعالهم الموصوفة والمتواترة إلا وأقسموا بالله جهد أيمانهم أنّهم من سلالة الثوّار وليسوا من سلالة الأزلام!!.