راسلني أحدهم أمس وذكر لي أنه يواقع كل شهوة تقع بالبال وترد بالخاطر، وأنه يائس تماما من إصلاح حاله، حتى أنه وصف لي نفسه بكل وضوح بأن شهوته مسعورة! ولا يملك حيالها شيئا البته، فكلما دعته لبى ندائها على الفور دون أن يساوره أدنى تردد، كأنما هو خاتم في أصبع الشيطان يقلِّبه كيف يشاء، وهو يتوب كل مرة ويعزم في الصباح ثم تنفصم عرى عزيمته في المساء، وهذه الحال تقع لكثيرين في هذا العصر الشهواني المادي البغيض، فلا يوجد عصر ابتلي فيه الناس بسلطة النظر الحرام نحو هذا العصر، أعرضتُ عن كلامه حول تفاصيل مشكلة الشهوات، وسألته عن حاله مع الفرائض والصلوات، الجواب كالعادة في مثل هذه الحالة لا يتغير ولا يتبدل: مقصر جدا وأضيِّع كثيرا من الفرائض وأصلي بعض الصلوات بعد فوات وقتها ونحو هذه الحال، هذا مع كونه طالب علم مشترك في برامج وأنشطة علمية في الساحة، وهذا لا يعد تناقضا أو نفاقا بالضرورة فكلنا نعرف سطوة الشهوات في زماننا وقوة نفوذها وأنه لولا ستر الله الممدود لما تصافح الصالحون في عصرنا -شملنا الله جميعا بستره- فكلامي ليس في بث الاستغراب من حال هذا الأخ، وإنما أردت أن أشير إلى المعنى الصحيح للخلاص من نير الشهوات ونارها، لقد جرب الكثيرون -بما فيهم نحن- كل دواء في مداواة نوازع نفوسهم وشهواتها ولم يشعروا أنهم انتصروا إلا تلك الأيام التي بدلوا فيها استراتيجية المقاومة، حينما قرروا حفر الخندق في وجه أحزاب الشهوات، إنها المقاومة الداخلية التي تبدأ من تقوية أركان البنيان من أساسه وردم فجواته وسد فراغات المنافذ التي يلج منها العدو! إنه ومن خلال تجربة ذاتية وخبرة ممتدة لكل شخص منا سيتذكر أنه لا يجد نفسه قريبة من تخطف كلاليب الشهوات في تلك الأيام التي يقيم فيها الفرائض والنوافل ويؤديها باكرا مقبلا عليها بقلبه، أما في تلك الأيام التي يفرط فيها بالصلوات ويؤديها بروح غائبة ونفس مستثقلة فإنه يشعر أنه حتى تلك الصورة المحرمة العارضة في غاية الفتنة مهما كانت في حقيقة الأمر قبيحة، هذا أمر يعرفه الإنسان من نفسه كثيرا، في تلك الأيام التي يحافظ فيها على الطاعات يجد في نفسه لذة معنى: (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) وذلك نتيجة مباشرة ل لتحبيب الإيمان وتزيينه في القلب، والخلاصة: لا تقتصر وتنهمك كثيرا في مدافعة سيل الشهوات، وإنما قم مع ذلك ببناء سدٍّ منيعٍ من الفرائض والطاعات! سليمان العبودي 16 / 9 / 1438 ه