" حدثني الأستاذ احمد حسن الزيات صاحب الرسالة عن شيخ سماه ونسيت أسمه , قال: كان هذا الشيخ لا يعرف من الدنيا إلا الجامع الأزهر الذي يدرس فيه قبل أن تدخل عليه تاء التأنيث فيصبح جامعة ، والبيت القريب الذي يسكن فيه والطريق الذي بينهما ……فلما طالت عليه المدة وعلت به السن واعتلت منه الصحة ، احتاج إلى الراحة ،فألزمه الطبيب بها وأشار عليه أن يبتعد عن جو العمل ومكانه وأن ينشد الهدوء في البساتين والرياض وشط النيل …. فخرج واستوقف عربة ولم تكن يومئذ سيارات ، وقال له : يا ولدي خذني إلى مكان جميل أتفرج في وأستريح .وكان صاحب العربة خبيثا فأخذه إلى طرف الأزبكية حيث كانت بيوت المومسات ، وقال هنا . قال يا ولدي لقد قرب المغرب فأين أصلي ؟ خذني أولا إلى المسجد .قال : هذا هو المسجد. وكان الباب مفتوحا وصاحبة الدار قاعدة على الحال التي يكون عليها مثلها . فلما رآها غض بصره عنها ، ورأى كرسيا فقعد عليه وهي تنظر إليه ، لا تدري ما أدخله عليها وليس من رواد منزلها ولا تجرؤ أن تسأله ،منعتها بقية حياء، قد يوجد إمام أهل الصلاح حتى عند المومسات. وكان يسبح وينظر في ساعته ، حتى سمع آذان المغرب من بعيد . فقال لها: أين المؤذن ؟ لماذا لا يؤذن وقد دخل الوقت ؟ هل أنت بنته ؟ فسكتت . فانتظر قليلا ثم قال : يا بنتي المغرب غريب ، لا يجوز تأخيره ، وما أرى هنا أحدا فإن كنت متوضئة فصلي ورائي تكن جماعة . وأذن ، وأراد أن يقيم ، وهو لا يلتفت إليها ، فلما لم يحس منها حركة ،قال : مالك ؟ ألست على وضوء ؟ فاستيقظ أيمانها دفعة واحدة ، ونسيت ما هي فيه ، وعادت إلى أيامها الخوالي ، أيام كانت عفيفة طاهرة ،بعيدة عن الإثم ، وراحت تبكي وتتشنج ،ثم ألقت بنفسها على قدميه ،،،، فدهش ولم يدر كيف يواسيها ، وهو لا يريد أن ينظر إليها ، أو أن يمسها … وقصت عليه قصتها ، ورأى من نجمها وصحة توبتها ما أيقن معه صدقها فيها . فقال اسمعي يا بنيتي ما يقوله رب العالمين " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا " يا ابنتي ، إن باب التوبة مفتوح لكل عاص ، وهو واسع يدخلون منه فيتسع لهم ، مهما ثقل حملهم من الآثام، حتى الكفر ، فمن كفر بعد إيمانه ثم تاب قبل أن تأتيه ساعة الاحتضار ، فكان صادقا في توبته وجدد إسلامه فإن الله يقبله ، الله يا ابنتي أكرم الأكرمين ، فهل سمعت بكريم يغلق بابه في وجه من يقصده ويلجأ إليه ويعتمد عليه ؟. قومي اغتسلي ، والبسي الثوب الساتر ، اغسلي جلدك بالماء ، وقلبك بالتوبة والندم ، وأقبلي على الله ، وأنا منتظرك هنا ،لا تبطئي لئلا تفوتنا صلاة المغرب . ففعلت ما قال ، وخرجت إليه بثوب جديد وقلب جديد ، ووقفت خلفه وصلت صلاة ذاقت حلاوتها ، ونقت الصلاة قلبها ، فلما انقضت الصلاة ، قال لها : هلمي اذهبي معي ، وحاولي أن تقطعي كل رابطة تربطك بهذا المكان ومن فيه ، وأن تمحي من ذاكرتك كل أثر لهذه المدة التي قضيتها فيه ،وداومي على استغفار الله والإكثار من الصالحات ، فليس الزنا بأكبر من الكفر ، وهذه هند التي كانت كافرة وكانت عدوة لله ورسوله وحاولت أن تأكل كبد عمه حمزة ، لما صدقت التوبة ، صارت من صالحات المؤمنات وصرنا نقول : رضي الله عنها . وأخذها إلى دار فيها نسوة ديانات ، ثم زوجها من رضي الزواج بها من صالحي المسلمين وأوصاه بها خيرا "