كَثُرَ الحديث مؤخرا حول ما سمته بعض المنابر الإعلامية، المستقبل السياسي للأستاذ عبد الإله بنكيران وذلك لقرب انتهاء ولايته الثانية والأخيرة على رأس حزب العدالة والتنمية كما ينص على ذلك قانونه الداخلي؛ هذا النقاش لم يبقى حبيس بعض هيئات وأعضاء الحزب، بل أصبح موضوع عام يتداول فيه المواطن المغربي كيف كان مستواه العلمي والمهني أو انتماءه الفكري والسياسي، وهذا دليل واضح على ديمقراطية وصحة وحيوية ويقظة الحزب، مفاده أنه ليس هناك كَولسة وديكتاتورية داخلية وشيخ ومريدين، بل مناضلون يتداولون في مصير رئيسهم وقائدهم ومستقبل وآفاق حزبهم، في سيادة تامة للقرار الحزبي والانسجام مع القوانين الداخلية ومراعاة المصلحة العليا للحزب، بالإضافة إلى الاحترام والتعاون والتماسك بين القيادات والقواعد، في غياب الاصطفافات والتيارات. ولتجنب أي انحراف وأي استعمال سياسوي لهذا النقاش وترويج مغالطات واتهامات وإشاعات والخوض في نوايا الهيئات والمسؤولين الحزبيين، يهمني أن أوضح، أن الأمر الجوهري فيه لا يتعلق بأي محاولة لاستصدار ولاية ثالثة أو تمديد تعسفي لرآسة بنكيران للحزب، بقدر ما يتعلق بموعد انعقاد المؤتمر الثامن للحزب: هل قبل هذه الانتخابات، أم بعدها؟ فبالإضافة إلى إكراه تزامن الاستعداد لعقد المؤتمر مع الاستعداد للانتخابات المقبلة وأهمية هذه الأخيرة بالنسبة للحزب ومستقبله، هناك أسباب أخرى موضوعية ومنطقية وتحديات سياسية وانتخابية ومبادئ أخلاقية واجتماعية، تدفع بتأجيل المؤتمر إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، نُلَخصها فيما يلي: أولا: الحزب خرج للتو من استحقاقات متتابعة تمثلت في الانتخابات المهنية والانتخابات الجماعية والجهوية وما ترتب عنه من استنزاف للجهود والطاقات لكل الهيئات والمسؤولين وكافة الأعضاء مركزيا ومجاليا. ثانيا: تحمل غالبية مسؤولي الهيئات المجالية مسؤولية تدبير الشأن العام المحلي وعدد كبير منهم لأول مرة وفي مدن كبيرة وإستراتيجية وحساسة، حيث انتقل عدد الجماعات التي يسيرها الحزب من 50 جماعة سنة 2009 إلى 180 جماعة سنة 2015، وكيف أن المنتخبين مطالبون وفي وقت قياسي بلورة وإعداد وتنفيذ برامج عملية للإجابة عن إشكالات المواطنين الذين وثقوا وصوتوا كثافة على الحزب. ثالثا: الحزب مطالب بتفعيل ومأسسة المؤسسة الجديدة لمنتخبي العدالة والتنمية وهي الهيئة التي تم إحداثها مؤخرا من طرف الأمانة العامة للحزب قصد دعم ومواكبة وإنجاح عمل المنتخبين الجماعيين في المدن والقرى، وما تتطلبه هذه المتابعة من قرب ووجود دائم ومستمر ومن موارد بشرية ومن وقت ومن جهد جهيد. رابعا: دخول مخطط المرحلي للحزب لسنته النهائية وما يفرضه ذلك من التركيز على تدارك ما تم نسيانه، والعمل على انجاز ما تبقى منه، مع إعداد تقرير الأداء والحصيلة وتقييمها بحسب الأهداف المبرمجة والظرفية التي أُنزل فيها، وبالتالي ضرورة مضاعفة العمل والجهد والوقت المخصص لهذا التحدي. خامسا: تزامن عقد المؤتمر مع الإعداد والاستعداد للانتخابات التشريعية وما يتطلبه ذلك عمل كثيف ومستمر لمدة تزيد عن ثمانية أشهر من أجل رص الصف الداخلي ومعالجة كافة الإشكالات التنظيمية مجاليا وصياغة المساطر والأوراق، بالإضافة إلى إعداد حصيلة الحكومة والفريق البرلماني ورؤساء الجماعات؛ وإطلاق عملية تقييم المرحلة السابقة، مع إيلاء عناية خاصة لإعداد البرنامج الانتخابي. سادسا: في حال ما اختار الحزب عقد المؤتمر قبل الانتخابات التشريعية، فإنه يُوَجه إشارات سلبية للداخل والخارج وللمؤسسات والشعب مفادها أنه يرغب في تغيير بنكيران، وبهذا يكون الحزب قد وضع نفسه في موقف متناقض ومأزق حرج أمام الشعب، فكيف لهُ –أي الحزب- أن يُجري الانتخابات بإصلاحات وبإنجازات حكومة بنكيران ويُطالب المواطنين بأن يصوتوا لصالح الحزب لمواصلة الإصلاحات التي بدأها هذا الرئيس، وفي المقابل يرفض بقائه لولاية ثانية، تحت ذريعة أن صورة الحزب قد تتعرض للخدش بسبب أنه لم يحترم موعد واحد من مواعيده. سابعا: القائلين بخيار عقد المؤتمر قبل الانتخابات، يتخوفون من السقوط في سيناريو الفصل بين رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة، أو تسيير الحزب برأسين: رئيس الحكومة قيادي في الحزب، وأمين عام الحزب الممثل الرسمي له، وما يترتب عليه من اختلاف في المواقف وتصادم في الاختيارات. وهنا وجب الإشارة إلى أن الحزب له تجربة ناجحة في هذا السياق، فقد أحدثت الأمانة العامة للحزب سنة 2012 الإدارة العامة للحزب وهي قيادة تنظيمية وتدبيرية تسهر على تسيير الشأن الحزبي مركزيا بجانب الأمانة العامة التي تحدد التوجهات السياسية. ولكل قيادة مهام وصلاحيات ومجالات عمل مختلفة. وهنا يمكن العمل بتنسيق وتقارب وثقة بين رئيس الحكومة والأمين العام، وحزب العدالة والتنمية يزخر بأسماء كثيرة كفئة ومقتدرة لا تقل رمزية وشرعية عن بنكيران، قادرة على خلافته بامتياز على رأس الحزب، والتوافق معه إن أصبح رئيس حكومة لولاية ثانية. ثامنا: تأخير موعد المؤتمر إلى ما بعد الانتخابات، يجعل الحزب يتفادى تعديل القانون الداخلي من أجل إضافة ولاية ثالثة، وبالتالي يرفع الحرج عن الحزب، ويغلق الباب على من أرادوا التخلص من بنكيران بعدما فشلوا في إقصائه بكل الوسائل والطرق. إذن النقاش حول موعد تنظيم المؤتمر الثامن للحزب، نقاش سياسي مصيري ومفصلي بامتياز بالنسبة لحزب العدالة والتنمية عموما وبنكيران خصوصا، باعتباره رجل بصمت شخصيته المرحلة التي يعيشها ويعرفها المشهد السياسي المغربي، ولكونه من أبرز المساهمين في مسلسل الإصلاح والانتقال الديمقراطي الذي انطلق بعد 2011، وبحكم حنكته ودرايته في قيادة الحزب وتقوية هيئاته ومؤسساته وموقعه ومكانته بين الأحزاب، إضافة إلى كاريزميته وشعبيته التي يعتبرها المتتبعون والمحللون ساهمت بالموازاة مع قوة التنظيم والتعبئة المتواصلة للهيئات المجالية والالتصاق بالمواطنين، في تصدر الانتخابات الأخيرة؛ زِد على ذالك، الانجازات المهمة التي حققتها الحكومة المغربية في عهده والتي كان لها عظيم الأثر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي؛ وعلى هذا الأساس، هناك إجماع أو شبه إجماع داخل الحزب على ضرورة بقاء بنكيران لولاية ثانية على رأس الحكومة، وعليه فالخيار الأمثل هو تنظيم المؤتمر الثامن للحزب بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، والاستعداد التام والأمثل لهذه الأخيرة، والحصول على المرتبة الأولى، ومنه تعيين رئيس الحكومة من طرف جلالة الملك وفق المنهجية الديمقراطية. المتتبع للأستاذ عبد الإله بنكيران ومساره وشخصيته، يُدرك ويَلمس أنه رجل صادق مع ربه ووطنه وملكه والشعب، وأنه يريد الإصلاح لا السلطة، وهو وأغلبية أعضاء الأمانة العامة ترفض تغيير القانون الداخلي من أجله، لهذا على كافة المعنيين بمصلحة التجربة والحزب أن يُوازنوا ويُسددوا ويُقاربوا بين تأخير موعد حزبي لشهرين أو ثلاثة، أو وضع الحزب في موقف حرج أمام الشعب بأن يتخلى وفي أول منعرج يمر به على أهم وأبرز مؤسسيه ( وهو أمر يتوافق مع رغبة المفسدين والمتحكمين الذين يرفضون ويحاربون بنكيران ولم يستطيعوا إقصائه والتغلب عليه )، الذي تحمل الأذية والسب والقذف وأقبح النعوت وتعرض لهجوم وحرب يومية من طرف اللوبيات وبعض المنافسين السياسيين، وضل ثابت يواصل الإصلاح ويحارب الفساد والتحكم والاستبداد دون صفقات ودون طموح مادي ودون غرض بالاغتناء، وما زال كما هو شبه متقشف في منزله ولباسه، متواضع في تصرفاته وكلامه، وكل هذا لله ومن أجل مصلحة الوطن.