ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قول في التحكم والتوتر والانتقال
نشر في نون بريس يوم 22 - 08 - 2016


عبد الصمد بنعباد
دافع الأستاذ محمد جبرون الباحث في تاريخ الفقه السياسي، في مقاله الثاني عن الوصل بين التحكم والملك، داعيا حزب العدالة والتنمية إلى التفاهم مع التحكم من أجل إنجاز التنمية وتجنيب البلاد مخاطر تعيشها دول الجوار.
ستحاول هذه الورقة مناقشة المقال الثاني للأستاذ جبرون من خلال أربع مباحث هي "المعرف والتواصل"، "التحكم والوصل"، "أوفقير نموذج الوصل الأول"، "المهادنة المستحيلة"، و"دينامية المجتمع"، وخاتمة حول أطروحة النضال الديموقراطي
1 المعرفة والتواصل
ليس من السهل أن تناقش أستاذا باحثا في التاريخ فيما يكتبه، خاصة إن كان غير العلم هو محور الحجاج بينكما، لكن الأصعب حقا أن يقول "مثقف" إن لغة الإعلام ليست لغة الأكاديمية، قفزا على أخطاء معرفية لا يقع فيها طالب سنة أولى حقوق مثلا.
تعريف "الانتقال الديموقراطي" كما هو متواضع عليه كونيا، ليس انزياحا إلى الأكاديمية على حساب التواصل، لأننا لسنا بصدد مفهوم غامض ملتبس يستحيل التحقق منه معرفيا، بل المفهوم أصبح علما مستقلا بذاته عن علم السياسة، ويجري تدريسه في الجامعات العالمية.
الانتقال الديموقراطي ليس أطروحة، ليس عقيدة، ليس فكرة، الانتقال الديموقراطي توصيف، لمراحل التطور التي عرفتها دول العالم نحو الديموقراطية الكاملة، وكفى.
الانتقال الديموقراطي ليس ظاهرة مغربية، وتحقيقه ليس مسؤولية أحزاب الحركة الوطنية وحدها، وليس معناه مصادرة سلطات الملك وتصفية النظام القديم لصالح نظام جديد يكون فيه الملك صوريا، شرفيا، عديم الفائدة.
الإصرار على استحضار "الانتقال الديموقراطي" أثناء نقاش الأستاذ جبرون مفيد لأن الخطأ في تعريف هذا المفهوم سينعكس على مقاليه وتحليله ومواقفه، وهذا ما سنقف عليه في الفقرات القادمة من هذا التفاعل.
2 التحكم والوصل
قدم الكاتب أن للتحكم شرعيات ثلاث وهذه لا يمكن تحققها إلا من خلال القرب من الملك أو بواسطته هو شخصيا، ومن ثم كشف أن التحكم هو الملك، ودعا إلى القبول بهذا الأمر والتعايش معه وعدم مقاومته، لأنها منتجة "للتوتر" وهذا ما ليس المغرب مستعدا له.
حسنا فعل إذن عندما وصل التحكم بالملك، لكن هل الوصل بين التحكم والملك اكتشاف جديد؟ من خلال قراءة سريعة للتاريخ السياسي لهذا البلد، لا أحد ادعى أن هذا الوصل غير معروف أومجهول، بل أصبح هذا الوصل من نافلة القول عند جميع المهتمين بالسياسية، معارضو النسق من المعارضات الجذرية للنظام الموجودة خارج العملية الانتخابية، كما كان عند أحزاب "الكتلة"، باستثناء حزب العدالة والتنمية.
العدالة والتنمية المخاطَب بمقالي جبرون وحده من قدم نموذجا استثنائيا وتجربة خاصة في مقاربة موضوع التحكم، تماما كما التعريف الذي صكه، فما الجديد الذي جاء به جبرون؟
رفض "التوتر" مع التحكم هو ما دفع جبرون إلى الدعوة إلى المصالحة معه ومهادنته، فما معنى "التوتر" هنا؟ التوتر هو طبيعة المراحل الانتقالية إلى الديموقراطية، لذلك لم يكن الطلب على الإلتزام بتعريف الانتقال الديموقراطي رغبة معارضاتية، شعاراتية، بقدر ما أملته ضرورة القراءة العلمية لحالة التحكم في المغرب، ومن ثم مقاومته، فالتوتر عند جميع دارسي الانتقال الديموقراطي هو من طبيعة المرحلة إن لم يكن سمتها الأبرز.
فالتوتر ليس مخيفا ولا غير منتظر، بل هو جوهر عملية الانتقال، فهو يقوم بسبب عمليات التحول الجارية في المجتمع والدولة معا، لأن المستفيد من المرحلة السابقة حتما هو غير مستفيد اليوم، وبالتبع لن يستفيد غدا، فيسارع إلى عمليات مقاومة، (جيوب مقاومة التغيير على رأي الأستاذ اليوسفي)، ومن ثم يفتعل الأزمات بل ويصنع الفوضى ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
3 أوفقير نموذج الوصل الأول
مع الإيمان بأن الوصل بين التحكم والملك ليس له ما يثبته، ولا يقدم شيئا جديدا على اعتبار أنه نقاش قديم قِدَمَ الحركة الوطنية والمطلب الديمقراطي في مغرب ما بعد خروج الاحتلال من البلاد، فإنه عند مناقشة "الوصل" لا بد من الحديث عن أوفقير نموذج الوصل الأول، والأوفقيرية الجديدة التي تحدث عنها بن كيران.
تعد تجربة حكومة عبد الله إبراهيم المجهضة، أول تعبير للمغرب المستقل عن شيء يحمل مدلول "التحكم" كما هو مطروح للنقاش اليوم، من خلال عدد من الشهادات التاريخية التي وقفت على أن الملك (محمد الخامس) لم يكن يريد استقالة الحكومة، بينما كان ولي العهد آنذاك الحسن الثاني "بتأثير" من أوفقير يضغطان من أجل ذلك.
تقول الرواية التاريخية أن قائدا عسكريا خدم الاحتلال الفرنسي إلى آخر مقيم عام فرنسي في المغرب، وكان آخر مودع للجنرال "أندري دوبوا"، على نفس الطائرة التي عاد فيها السلطان محمد الخامس، أوفقير كان آخر مودع للمقيم العام، وأول مستقبل للسلطان المنفي!.
أوفقير مثل الانتقال من دولة الحماية إلى دولة الاستقلال، مثل "استمرارية" الدولة بين نظامين، قدم نفسه "وسيطا" بين السلطان وبين الإدارة الاستعمارية التي تمثل كل شيء في مغرب الحماية بما فيها البنية التقليدية.
الشهادة التي تقدمها مثلا وثيقة "الاختيار الثوري" جديرة بالتوقف عندها والتمعن في خلاصاتها. الوثيقة كما هي، بعيدا عما أريد لها.
هذا الأوفقير وبقايا فرنسا في الإدارة، سيقول عنهم المهدي بن بركة "إن أولئك الذين غدت مصالحهم مهددة بالسياسة الجديدة التي ظهرت بوادرها في 1959، أدركوا قبل غيرهم خطورة هذه السياسة، وهبوا لمساندة ولي العهد آنذاك، إن لم نقل "ليوحوا" له بموقف المعارض المتعصبة ضد بقائنا في الحكومة، بينما كان والده محمد الخامس يرى مشاركتنا ضرورية".
ويضيف في مقطع آخر أنه في الوقت الذي كانت حكومة عبد الله إبراهيم تحاول حل أزمة المغرب مع سكان الريف في الخمسينات، قصفت طائرات مغربية يقودها أوفقير مناطق الشمال المغربي !
مصير أوفقير يعرفه المغاربة وليس فقط المهتمون بتاريخه السياسي الحديث. فقلد انتهى أوفقير بعد ما تحول في 10 سنوات إلى خطر داهم على الملك، والملكية والدولة المغربية.
انتهى أوفقير فهل انتهت الأوفقيرية؟ بمعنى "كيف" انتهى النموذج الأول لوصل الملكية بالتحكم؟ فهل انتهى التحكم؟
يقول التاريخ إن الحسن الثاني الذي انتهى ثقته بأوفقير إلى مغرب الستينات الدموي القمعي المغرق في الاستبداد، اختتمه صاحبه بمحاولتي انقلاب، اختار أن يصنع أحزابا موالية، فخرج صديقه بنسودة ليعلن ميلاد "الفديك". لاحظوا أن "الفديك" لم تكن أبدا "أوفقير".
ليس ترفا أن يتحدث رئيس الحكومة الحالي عن "الأوفقيرية"، ويتساءل مشككا في نهايتها في مغرب 2016، ويحذر المغرب والمغاربة من تبعاتها.
وظف رئيس الحكومة هذه الصورة الذهنية المثقلة بالدلالات والرموز عند المغاربة، وعرف "الأوفقيرية" بكونها نزوعا تحكميا سلطويا نافذا يستمد قوته من القرب من ملك البلاد، وليس من طرف رئيس الدولة.
رفض الأوفقيرية لأنها كما عبر رئيس الحكومة، الرجل الثاني في الدولة، لأنها تقم نفسه "وسيطا" بين الملك وشعبه بمختلف أطيافه ومؤسساته، ولأنها أيضا تقدم نفسها هي "استمرارية" الدولة من نظام الحسن إلى نظام حكم محمد السادس، ويدفع رئيس الحكومة على أن الوسطاء "عبئ" حالي على الملك والشعب وخطر قادم عليهما.
لابد من التأكيد على أن تعريف بن كيران يتماشى مع عمله على تحرير المؤسسات من نفوذ الأوفقيرية ورسلها الجدد، خلاف المحاولة الجديدة/القديمة التي تهدف إلى تصعيد التناقض وجعله حديا في مواجهة الملك، في أفق إنهاء النقاش لاستحالة الصمود أمام شرعيات التحكم، من ثم ضرورة المهادنة، وتجنب التوتر، والتوافق من أجل التنمية وتأجيل الديموقراطية.
4 المهادنة المستحيلة
وجه الباحث دعوة صريحة إلى العدالة والتنمية إلى المهادنة مع التحكم، فالمهادنة تنهي "التوتر" بداية ثم تجنب المغرب ما وقع للبلاد العربية، وثالثا يتسنى لنا بناء دولة ناجحة تنمويا واقتصاديا.
هل المهادنة شيء جديد؟ أم لم تسبق له أحزاب أخرى؟ ما مصير هذه الأحزاب المهادنة؟ هذه الأسئلة تفرض نفسها على كل من يحاول ربط هذه الدعوة مع تاريخ المغرب في 14 سنة الأخيرة التي اعتمدناها لقربها وقرب أحداثها، وسهولة إنعاش الذاكرة بالحديث عنها.
اختار حزب الاتحاد الاشتراكي مهادنة "التحكم"، في عهد الملك الجديد، والتعاون معه من أجل الوطن وإنجاز التنمية أولا، وتقديمها على أي شيء آخر بما فيها الانتقال الديموقراطي. النتيجة أن المغرب ضحى ب"المنهجية الديموقراطية"، فهل حقق المغرب التنمية الاقتصادية؟ وأين الاتحاد الاشتراكي؟. لقد اضطر المغرب سنة 2011 إلى إعادة الحديث عن الانتقال الديموقراطي بعد سنوات من الانقلاب على تجربة اليوسفي.
لا يختلف اثنان اليوم على أن الاتحاد الاشتراكي أصبح عالة على تاريخه، بسبب موقف واحد واختيار واحد، هو موافقة التحكم على معادلته "التنمية قبل الديموقراطية"، تأجيل الانتقال الديموقراطي إلى ما بعد بناء الدولة القادرة.
قبل إنهاء الاتحاد الاشتراكي، لم يتوقف "التحكم" عن السعي إلى "الهيمنة" و"التمدد" وفرض الحزب الوحيد من فوق، فالتهم خمسة أحزاب دفعة واحدة في 2008 مخالفا قانون الأحزاب، وأعلن ميلاد أداته السياسية التي استطاعت الفوز في الانتخابات، ولولا القدر والربيع الديموقراطي، لكنا اليوم تحت نير حكومة يسيرها هذا الخطر على الديموقراطية والحريات العامة والدولة والملك.
انتهى الاتحاد الاشتراكي، ولم يعد إلا ملحقة تابعة "للوافد الجديد"، والسبب في تصور كثير من الاتحاديين يكمن في أن الحزب "هادن" التحكم أولا، ثم قبل تدخل هذا التحكم في قرار الحزب واختياراته، وثالثا انتهى به المطاف تابعا وهو الحزب سليل الحركة الوطنية، لتجمع هجين سمي حزبا ولد في 2008!.
طبيعة التحكم "توسعية"، "هيمنية"، "تسلطية"، رافضة لوجود أي شخص أو حزب أو أي كيان "مستقل" بعيد عن "السيطرة" و"الخضوع"، لذلك ينطرح السؤال بحدة، هل المهادنة حل مع التحكم؟.
قدم حزب الاستقلال نموذجا يحتذى لمن أراد العودة من أحضان "التحكم" إلى "الاستقلالية" بعد عامين من التنسيق العالي والشراكة بين الحزبين، ابتدأ بإقناع الاستقلال بمغادرة الحكومة في 2013، وانتهى ب"سطو" التحكم على 2000 قيادة محلية وجهوية لحزب الاستقلال قبيل انتخابات شتنبر 2015.
نجح الاستقلال فيما فشل فيه الاتحاد الاشتراكي، بين النجاح والفشل انكشفت طبيعة التحكم الرافضة للمهادنة، القائمة على السطو والهيمنة والاستحواذ والتمدد والانقلاب على العهود والمواثيق.
المهادنة ليست خيارا لدى التحكم نفسه، لأنه حتى وإن أعلن عنها في مراحل ضعفه الشديدة، في 20 فبراير وما تلاها، فإن طبيعته تأبى إلا الهيمنة والإقصاء والسيطرة والتطويع. لذلك فمواجهة التحكم ليست "خيارا" بل "قدر"، ولحسن حظ الأحزاب اليوم توفر إرادة "شعبية" مضادة للتحكم، داعمة للأحزاب الممانعة.
إن توجيه الدعوة إلى العدالة والتنمية بالتوقف عن مهاجمة التحكم، هو في أحسن الأحوال عجز عن فهم طبيعة التحكم، وأيضا قصور في فهم الدينامية الاجتماعية التي تفجرت في 2011، واستمرارها في أشكال وتعابير سياسية، فالمجتمع المندفع إلى الساحات العامة قرر تبني أي خطاب أو أطروحة تعلن عزمها مقاومة التحكم.
5 في دينامية المجتمع
يمكن القول إن جزء من عدم قدرة الباحث على تقديم جواب ناجز نظريا إزاء التحكم والموقف منه، راجع إلى طبيعة المشروع الفكري الذي ينتمي إليه ويدافع عنه، الذي هو ببساطة استعادة "تجديدية" للفقه السلطاني، قائمة على تعميق النقد للمجتمع ومنتوجاته السياسية والنقابية والمدنية، والتماهي مع الحاكم.
وفق هذه المقولة فالسلطان أو الدولة الحديثة هي الرشيدة، والمجتمع قاصر غير رشيد، وهو بهذا يحتاج إلى الوصاية، لأنه لم ينضج بعد ليمارس وعيه بما يعود عليه بالنفع وعلى دولته بالاستقرار والنماء، فمن حق الدولة التحكم في المجتمع وصناعة قيمه وثقافته ولم لا بناء هويته بما يتلاءم مع حاجتها. فالمجتمع وفق هذا التصور مشيئة الدولة.
الاستعادة التجديدية للفقه السلطاني قائمة على قاعدة "السلطان هو الأصل" الذي على المجتمع الخضوع له رفضا للفتنة، هذه المقولة تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع مشروع التجديد الإسلامي الذي حمل راية "الأمة هي الأصل"، وهي التي ب"إرادتها" الحرة بايعت السلطان واختارته كشكل تاريخي للتعبير عن الإرادة العامة.
لذلك فعند استعادة الشعب المبادرة كما جرى في 2011، تجنبت الاندفاعة الشعبية رفع شعار عزل السلطان أو تجريده من سلطاته، بقدر ما دعت إلى إبعاد رموز الفساد والاستبداد، ولم يتردد الشعب في تسميتهم ورفع صورهم والتحذير من خطرهم على حاضر البلاد ومستقبلها.
فالمجتمع الذي انتفض في 2011 كان هدفه وسقفه واضحا، إبعاد رموز التحكم عن تدبير شؤون البلاد، هذه الدينامية وجدت خطا سياسيا تفاعل إيجابا معها، مثله طيف واسع من الأحزاب السياسية، جزء منه انعكس على نتائج انتخابات 25 شتنبر.
هذا الدفاع عن الإرادة الشعبية في مواجهة التحكم، ستوسع دائرة المؤمنين بخيار "النضال" في إطار الاستقرار، صحيح للعدالة والتنمية دور فيه، لكنه ليس وحده، وليس فقط داخل الطبقة السياسية والنخب الحزبية، بل يتمدد داخل المجتمع ومختلف فئاته.
الإرادة الشعبية المقاومة للتحكم كطريقة لتدبير الشأن العام، تعبر عن نفسها حسب الزمان والحاجة، ففي فضيحة "كالفان" مثلا، كان التعبير موجات غضب عارمة وعامة، لامس معها الملك الخطر الذي ورطه فيه مستشاره فؤاد عالي الهمة رمز "الوصل" في التحكم.
هذه الإرادة الشعبية ورغم الطابع غير السياسي للانتخابات الجماعية، إلا أنها أبت أن تعلن وعيها بطبيعة المعركة السياسية في البلاد، وجعلت 4 شتنبر استمرارا لدينامية عودة المجتمع إلى ممارسة الرقابة القصوى على الفاعلين السياسيين في البلاد، فكانت نتائج التصويت كاسرة لكل أشكال التحكم في نتائج الانتخابات وتوزيع النفوذ السياسي للمدن من طرف الإدارة.
على سبيل الختم
سجل الجميع أن نتائج شتنبر 2015 كانت تعاقدا سياسيا بين الحزب الفائز وبين قاعدة انتخابية "تتوسع" بشكل مطرد ولا تنكمش، عنوانها مقاومة التحكم والتصدي له، ووَثِقَتْ في أطروحة "النضال الديموقراطي" باعتبارها أطروحة الحزب الوحيدة، والتي يتم تنزيلها عبر "برامج مرحلية/طاكتيكات" منها "مقاومة التحكم" والتصدي له.
نعم للعدالة والتنمية أطروحة واحدة هي "النضال الديموقراطية"، تم تحيينها في 2012، لتصبح "الشراكة من أجل الديموقراطية"، ما يقترحه الأستاذ جبرون ليس أطروحة مضادة بل تغيير "الطاكتيت" من المقاومة إلى الاستسلام، أما النضال الديموقراطي فهو مسار طويل ومعقد ضمن أدبيات الانتقال الديموقراطي ينتهي ببناء دولة العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للسلطة والثروة.
تبقى هذه كلمات على هامش المتن الكفاحي الذي يقوده الرجل الثاني في الدولة، ضد التحكم، تحتضنه فئات عريضة شعبيا تتوسع طرديا بفعل الصمود من جهة وبفعل الهزات والتفكك الذي تعيشه جبهة التحكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.