يرى مراسل صحيفة “الغارديان” في الشرق الأوسط مارتن شولوف، أن سمعة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ستظل على أكبر احتمال “مشوهة” بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية قبل عام. وفي تقرير بعنوان “الهزات الارتدادية بسبب جريمة قتل جمال خاشقجي لا تزال تهز الشرق الأوسط”، ففي منطقة تعودت على الوحشية ترك مقتل خاشقجي أثرا بالغا. ولم يحدث في التاريخ أن تركت وفاة شخص نتائج واضحة مثل قتل خاشقجي. وعندما دخل المعارض والكاتب إلى قنصلية بلاده في اسطنبول العام الماضي، كانت السعودية تعيش في ظل الأضواء العالمية، وكان ولي عهدها محمد بن سلمان يتحدث ويخطط لبرنامج إصلاحي بدأ يتجاوز شكوك المشككين. وكان قادة العالم من دونالد ترامب إلى إيمانويل ماكرون يحدثون أصواتا لكي يظهروا إلى جانب محمد بن سلمان، الأمير البالغ من العمر ثلاثين عاما أو يزيد، والذي جاء بوعد تغيير العالم. كل هذا تغير في الدقائق التي خطا فيها جمال خاشقجي إلى البعثة الدبلوماسية السعودية حيث هاجم فريق من القتلة وذبح الكاتب الصحافي الناقد للنظام، وتم تسجيل الجريمة عبر أجهزة تسجيل زرعها الجواسيس الأتراك في داخل القنصلية. وتم تسجيل الوحشية بعد الكشف عن القتل الذي تم التخطيط له على يد فرقة قتل مدعومة من الدولة وواجهت العائلة المالكة تداعياتها. واللطخة لا تزال على باب العائلة حتى بعد مرور 12 شهرا على الجريمة رغم انكار ولي العهد المتكرر علاقته الشخصية بأمر القتل. إلا أن الهزات الارتدادية لا تزال تتردد في العواصم العربية وساحات المعارك. وتركت المتاعب التي واجهتها السعودية أثرها على الصديق والعدو. وبعد عام على مقتل جمال خاشقجي ظل محمد بن سلمان معزولا بدرجة كبيرة. فالإعجاب الذي حصل عليه وهو يقدم إصلاحاته تراجع ليحل محله الغضب والإدانة. ودفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثمن، وهو الذي منحت زيارته الأولى عام 2017 إلى السعودية ميزة ومكانة عندما أعاد ترتيب العلاقة مع المملكة التي تدهورت في ظل باراك أوباما والتركيز على مواجهة إيران. ورغم كلام الرئيس ترامب الشديد والداعي للحرب، إلا أنه لم يتحرك للدفاع عن المملكة عندما تعرضت منشآتها النفطية لهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ الشهر الماضي، واتهمت إيران بالوقوف وراءها. وأدى الهجوم الذي تصر السعودية وأمريكا أن القوات النظامية الإيرانية هي التي نفذته وليس الجماعة الحوثية الوكيلة عنها في اليمن، أدى لوقف نصف إنتاج النفط السعودي وتراجع إمدادات النفط العالمية بنسبة 5%. ووصف الهجوم بأنه عمل حربي وأثار تكهنات بقيام الولاياتالمتحدة بالرد عليه. ولن يحدث الانتقام نظرا لتردد ترامب بالتورط في حرب جديدة بالمنطقة ولحساباته الأخرى المتعلقة بحملة إعادة انتخابه. كما أن التداعيات المحتملة من الدفاع عن صديق تلطخت سمعته يعد عاملا في غياب الرد الأمريكي. ويقول شولوف إن العائلة السعودية تقدم نفسها كحامية للحرمين الشريفين في مكة والمدينة ولكن تركياوإيران تتحدثان باسم الإسلام ولديهما تأثير في المنطقة. وتركزت الدعاية التركية على الحط من سمعة الأمير محمد لدرجة لا يعود ينظر إليه كوريث لعرش والده. ومن خلال هذا يعتقد الرئيس رجب طيب أردوغان أنه أضعف محورا معاديا له ويتكون من الأمير محمد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ومع محور الرئيس التركي يقف أمير قطر وبقايا جماعة الإخوان المسلمين التي يعيش عدد من قادتها الكبار في هذين البلدين. ولا يزال الإخوان يمثلون بعبعا لمعارضي أردوغان، إلا أن هدفهم في إضعاف الإسلام السياسي كقوة في المنطقة توقف بسبب خسارة السعودية لنفوذها الإقليمي. وكان خاشقجي الناقد المنتظم لولي العهد قد عبّر عن دعمه للإسلام السياسي بما في ذلك مقالاته الأخيرة التي كتبها في صحيفة "واشنطن بوست" وأصبحت محل اهتمام لمحور أردوغان ولمن يرون أن إصلاحات ولي العهد السعودي ليست إلا ستارا للحصول على السلطة. وبعد صمت طوال العام وافق ولي العهد على مقابلتين في الذكرى الأولى لمقتل خاشقجي. وقال لمراسل "فرونت لاين" الذي يعرض على قناة "بي بي أس" الأمريكية إن القتل الذي حدث في ظل إدارته يجعله مسؤولا بالكامل عنه. إلا أن المسؤولية الكاملة لم تؤد إلى تخفيف مطالب العدالة الدولية التي يواجهها الحاكم الفعلي للمملكة والتي حمل 15 من أعضاء فريق القتل مسؤوليتها. ومع أن سعود القحطاني الذي حددته الولاياتالمتحدة بالعقل المدبر للعملية ويعد مستشارا بارزا لولي العهد، إلا أنه لم يقدم للمحاكمة، وكل ما في الأمر أنه عزل اسميا من منصبه. فيما يواجه خمسة من المتهمين أحكاما بالإعدام. ويقول الكاتب إن الأجندة المحلية هي الشاغل للمواطنين في داخل السعودية ولا يذكر اسم خاشقجي إلا نادرا وكذا الناشطات اللاتي اعتقلن بتهم تهديد الأمن مثل لجين الهذلول. ويتردد السعوديون بالحديث وهم في الخارج. وقالت سيدة سعودية في بيروت: "لقد تعلمنا الطريقة السورية" و"سنحصل على كل الحريات التي تمنحنا إياها الدولة ولكنها أفضل من لا شيء". وقبل شهر أعلنت الحكومة عن إلغاء قانون الوصاية على المرأة حيث سمح لها بالسفر بدون إذن وليها. ويقول الكاتب إن محاولات بن سلمان إعادة تغيير شكل المملكة بنفس الطريقة التي شكلت فيها الإمارات وتأكيد الطابع الوطني لا الديني مستمرة، لكن استعادة صورته كرجل دولة فشلت وربما لن تتعافى صورته. ومن المؤكد أن تظل جريمة قتل خاشقجي معلما يحدد مصير الوريث الإسمي للعرش السعودي، وستظل تهديدا للمصير الذي رسمه لنفسه بعد وفاة والده البالغ من العمر 83 عاما. وفي الوقت الذي سيتمكن فيه من الوصول إلى العرش، فإنه سيطرته على المنطقة ليست واردة.