اليوم له طابع خاص، إنه لا يشبه باقي الأيام لأن اسمه العيد العالمي للمرأة، لذلك سنسمع في وسائل الإعلام العالمية، طوال هذا اليوم وفيما تتلوه من أيام، أشياء كثيرة عن احتفالات في كل مكان، وأيضاً عن أوضاع مهينة للمرأة في كل مكان، لكن من المستبعد جداً أن نسمع شيئا عن «النساء البغلات» وطريقة احتفالهن بعيدهن العالمي. في صباح هذا اليوم لم يكن أي شيء مختلفا عما عداه من أيام في النقطتين الحدوديتين في سبتة ومليلية، ففي ساعات الصباح الأولى تجمعت عشرات الآلاف من «النساء البغلات» استعدادا للمعركة، وهي ليست معركة سنوية، ولا شهرية، ولا حتى أسبوعية، بل معركة يومية من أجل كسب قوت العيش اليومي، ويا له من قوت مر ممزوج بالحنظل والوحل! مصطلح «النساء البغلات» ليس محليا، بل هو مصطلح عالمي صارت تعرف به عشرات الآلاف من النساء المغربيات اللواتي يدخلن سبتة ومليلية كل صباح من أجل حمل عشرات الأطنان من السلع المهربة على ظهورهن، ذهابا وإيابا، مرورا عبر النقطتين الحدوديتين في المدينتين المحتلتين من طرف إسبانيا.. والفساد. رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي سيتأنق اليوم احتفاء بهذا اليوم لكي يظهر إلى جانب نساء كثيرات فاضت عليهن النعمة، أكيد أنه لم يفكر، بل لم يدر بخلده على الإطلاق، أن يبدو مثل رئيس حكومة حقيقي انتخبه الشعب وحمله على ظهر غضب الربيع العربي إلى منصبه الحالي، ويتوجه صباحا إلى إحدى النقطتين الحدوديتين في سبتة ومليلية لكي يرى نساء مغربيات حقيقيات استطعن أن يجعلن من المغرب أول بلد في تاريخ البشرية يقترن فيه اسم المرأة بالبغلة. بنكيران لن يفعل ذلك لأنه يعرف مسبقا ما سيراه. سيرى المغرب العميق الذي يحصل فيه المغاربة على لقمة العيش بشكل أسوأ بكثير من عبيد القرون الوسطى. سيرى نسوة في خريف العمر وهن يحملن على ظهورهن سلعا بأضعاف وزنهن ويحاولن عبور النقطة الحدودية بين نارين، نار «الحكرة» العنصرية والاستعمارية للإسبان الذين يتعاملون مع هؤلاء النسوة كحشرات قابلة للسحق في أية لحظة، ونار المغاربة الذين ينظرون إلى هؤلاء النسوة بشكل أسوأ من نظرة الإسبان، وهو أنهن حشرات أولا، ثم بقرات ثانيا، لأنهن يملأن كل صباح صناديق الرشوة بمبالغ خرافية من المال. لو أن بنكيران أراد أن يتصرف يوما مثل أي رئيس حكومة حقيقي فنتوسل إليه أن يحتفل باليوم العالمي للمرأة إلى جانب «النساء البغلات» لكي يخبرنه بحجم الأموال التي يضعنها كل صباح في صندوق الفساد، ولو أن بنكيران يحس فعلا بأنه رئيس حكومة فعلي فلن يحتاج منا إلى توسل لكي يفعل ذلك لأنه كان يجب أن يفعله من زمان، وكان عليه، من زمان أيضاً، أن يخبرنا بمصير تلك الأموال التي تفيض في النقطتين الحدوديتين في سبتة ومليلية، لكن الرجل وجد مهربا رائعا في كلمتي «العفاريت» و»التماسيح» ولن يذهب يوما إلى أبعد من ذلك. لكن ذلك لن يمنعنا من أن نتخيل أن رئيس الحكومة توجه باكرا صباح هذا اليوم إلى باب سبتة للاحتفال مع النسوة هناك بيومهن العالمي. الخيال حر وغير خاضع للضرائب. في يوم ثامن مارس سيحدث في بابي سبتة ومليلية ما يحدث دائماً. الكثير من الازدحام والكثير من المعاناة، والكثير من الرشوة والكثير من الأنين والآهات، وأيضاً الكثير من السلع والمواد الخطيرة التي تزرع المزيد من الأمراض القاتلة في المغرب، ومع ذلك لا أحد يبالي سواء في ثامن مارس أو غيره، فالبلدان المتقدمة التي تحتفل بهذا اليوم جعلت كل أيام نسائها عيدا، وهذا اليوم هو احتفاء رمزي فقط. التلفزيون المغربي، الذي يستضيف كل أنواع السياسيين والمنافقين من صنف المتردية والنطيحة وما عاف السبع، لم يفكر يوما في جعل يوم ثامن مارس مناسبة خاصة لاستضافة مجموعة من «النساء البغلات» من أجل الحديث عن معاناتهن الأبدية. ومن الأكيد أن هذا التلفزيون، المتخصص في تبذير أموال الشعب في كل ما هو فارغ، لن يفكر يوما في فعل ذلك، لأن أي صاحب برنامج أو صحافي في التلفزيون لو فكر في ذلك وعرضه على رئيسه فالجواب لن يكون مختلفا كثيرا عن العبارة التالية: مال موك تسطيتي..؟ واتا خدم بحالك بحال عباد الله ولا سير لداركم»!. لكن هذا التلفزيون هو نفسه الذي تتفرق كاميراته في يوم ثامن مارس بين جمعيات ولقاءات كثيرة إلى درجة تصبح الكاميرا عملة نادرة وثمينة، وفي النهاية يتم تجميع تغطيات تحتفي في هذا اليوم تظهر فيها الكثير من أولئك النساء المتأنقات اللواتي يتقيأن تصريحات من خشب، تحت شعار واحد: النفاق.. ولا شيء غير النفاق.