قال المعهد المغربي لتحليل السياسات ورقة "تقدير موقف" أن قرار التجنيد العسكري الإجباري.جاء لدوافع ذات طبيعة سياسية واجتماعية أساسا، فمن الناحية السياسية، أتى القرار في ظل تنامي الاحتجاجات الاجتماعية، التي يُعتبر الشباب وقودها الرئيسي. وأعطى المعهد المثال بحراك الريف، حيث جاء في الورقة أن حراك الريف يشكل نموذجا للجيل الجديد من الاحتجاجات التي يعرفها المغرب، والتي تندلع لأسباب تتعلق بالكرامة والعدالة الاجتماعية، وتلعب فيها وسائل التواصل الاجتماعي دور المعبئ والمحرض، في الوقت الذي تراجع فيه دور الهيئات الوسيطة من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني، ما جعل "الدولة في مواجهة الشارع. وعلى المستوى الاجتماعي يرى المعهد أن محرك الاحتجاجات من الشباب هم ضحايا للبطالة والفقر والتهميش، ما يجعلهم فئة غير محصّنة إزاء مختلف التهديدات الأمنية، فحسب دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ظلت غالبية الشباب المغربي، من الفئة التي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و34 سنة، على "هامش النمو الاقتصادي المطرد الذي شهدته المملكة خلال السنوات العشر الأخيرة". وكشف المعهد أن البطالة تنتشر في صفوف هذه الفئة بنسبة 20 في المائة، في حين أن 50 في المائة منهم يعملون في مناصب شغل بأجور زهيدة وغير قارة، أما ثلثي الفئة نفسها فقد انقطعت عن الدراسة. وحسب المركز فإنه بالرغم من مشروعية الأهداف المعلنة، إلا أنه كان لافتا بروز مقاومة لمشروع الخدمة العسكرية الإجبارية منذ اللحظة الأولى لإعلانه، حيث أنه و في يوم 25 غشت 2018، أي خمسة أيام بعد المصادقة عليه في المجلس الوزاري، تم تأسيس "التجمع الشبابي ضد الخدمة العسكرية" الذي دعا إلى رفض الخدمة العسكرية لعدة أسباب منها: "عدم الوضوح التام من قبل الحكومة حول أهدافه الحقيقية"، و"السرعة التشريعية التي تم التعامل بها مع القانون بخلاف قوانين أخرى أكثر أهمية لا زالت في الرفوف". وأشار المعهد إلى أن مشروع القانون " لم يكن في أي برنامج انتخابي، ولا في البرنامج الحكومي الذي صوّت لصالحه البرلمان". وإلى جانب التجمع الشبابي، وجّهت منظمات حقوقية انتقادات إلى مشروع القانون، فقد اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن مضامينه "تتنافى مع حرية الفكر والضمير والوجدان"، ودعت إلى "الاعتراف بالحق في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية" في القانون المغربي، و"الالتزام بتوفير الحماية التشريعية للمستنكفين ضميريا، على أساس المعتقدات المذهبية أو الإنسانية". وتحدث المعهد في ورقته ععلى أن تبني نوادي مشجعي الفرق الرياضية أو ما يسمى ب"الإلتراس"موقفا معارضا للخدمة العسكرية، فعلى سبيل المثال رفعت "إلتراس حلالة" مشجع فريق النادي القنيطري في شهر نونبر 2018، شعارات فوق المدرجات الرياضية رافضة للخدمة العسكرية، وهو أسلوب أتى في سياق تنامي الاحتجاجات وسط مجموعات "الإلتراس" المغربية بواسطة أغاني وشعارات تنتقد غياب العدالة الاجتماعية، حيث برزت تلك المجموعات كقوة احتجاجية ناقمة على سياسات الحكومة. وفي السياق نفسه، عبّرت احتجاجات التلاميذ ضد "الساعة الإضافية" (GMT+1) في شهر نونبر 2018 عن موقف رافض لخيار التجنيد الإجباري كذلك، دلّ على ذلك رفع شعارات تنتقد مشروع القانون، لاستهدافه الشباب ممن ولدوا في مطلع الألفية الثالثة، بدل توفير المدارس وإصلاح التعليم. ونتيجة لهذه المقاومات من فئات مختلفة، قرر مكتب مجلس النواب إحالة مشروع القانون بتاريخ 10 شتنبر 2018 على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بدل لجنة الخارجية والدفاع الوطني، علما أن الأخيرة هي المختصة بدراسة كل ما يتعلق بقضايا الدفاع الوطني. وقد برّر مكتب المجلس هذه الخطوة بكون مضامين مشروع القانون تتقاطع بقوة مع مجال حقوق الإنسان. وفي خطوة ثانية، قرّر أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالإجماع إحالة مشروع القانون على المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإبداء الرأي والمشورة، بحجة توسيع النقاش العمومي حول مشروع القانون، لأن الرأي العام لم يُمنح الفرصة الكافية لفهمه، ويقتضي المنطق الديمقراطي الإنصات له. وأبرز المركز أن هذه الخطوة لم تصل إلى مداها، إذ قرر مكتب مجلس النواب رفض قرار اللجنة البرلمانية إحالة مشروع القانون على المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بمبررات تكمن خلفياتها في الرغبة في الإبقاء على القضايا العسكرية ضمن المجال المحفوظ للملك، ويبدو أن هذا القرار مرتبط بعودة الهدوء إلى الشارع، خصوصا بعد تواري الاحتجاجات التلاميذية. ومن المستبعد جدا استجابة البرلمان لمطالب المعترضين على الخدمة العسكرية، رغم قرار "التجمع المغربي لرفض الخدمة العسكرية" تنظيم وقفة احتجاجية يوم 15 يناير 2019، مسنودا في ذلك بهيئات حقوقية وشبابية ترى أن المرامي الحقيقية للمشروع تستهدف "الضبط الممنهج للشباب المُطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، و"الزج به في الثكنات العسكرية وأوضح المركز أن الحكومة ماضية في تمرير مشروع القانون المثير للجدل داخل البرلمان، كما حصل مع قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين سنة 2012، بالرغم من اعتراض بعض الهيئات الحقوقية والشبابية. وأكد المركز أنه من الراجح أن هذا المشروع قد ينجح، على المدى المنظور، في تحييد جزء من الشباب الناشطين في الاحتجاجات الاجتماعية، لكن ذلك سيكون نسبيا ومحدود النطاق، على اعتبار أن التحديات الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما مشكلة بطالة الشباب، أكبر من مجرد قانون أو إجراء مهما كانت فعاليته. لهذا من المستبعد على المدى البعيد حسب المركز أن ينجح مشروع الخدمة العسكرية في امتصاص غضب الشباب العاطل والمهمش، ليس بسبب المقاومة التي تعرض لها حتى الآن، ولكن لأن الشباب الذين يلجون إلى سوق الشغل سنويا يقدرون بمئات الآلاف، وهو ما يقتضي إيجاد حلول عميقة لمعضلة إدماج الشباب.