في 20 غشت 2018، صادق المجلس الوزاري، في خطوة مفاجئة، على مشروع قانون يتعلق بالخدمة العسكرية، في سياق تميز بمبادرات ملكية وحكومية سعت إلى تقليص بطالة الشباب، وإدماجه اجتماعيا ومهنيا، بعدما تحول منذ حراك الريف إلى مصدر توتر اجتماعي في أكثر من منطقة. وخلال مناقشته أمام البرلمان، قال الوزير المنتدب المكلف بالدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، إن الهدف من الخدمة العسكرية وطني، ويتمثل في تقوية روح الانتماء إلى الوطن، وتعزيز قيم الانضباط والمسؤولية لدى الشباب المغربي، والتربية على احترام المؤسسات. وفي خطاب الملك محمد السادس، بمناسبة افتتاح البرلمان في الجمعة الثانية من أكتوبر، أوضح أن الهدف من المشروع هو «تقوية روح الانتماء إلى الوطن»، و«الحصول على تكوين وتدريب يفتحان فرص الاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام». لكن، رغم تلك التطمينات، فقد كان لافتا انخراط فئات شبابية وحقوقية في التعبير عن رفض المشروع، ففي يوم 25 غشت 2018، أُعلن تأسيس «التجمع الشبابي ضد الخدمة العسكرية»، وهو تجمع شبابي برّر رفضه الخدمة العسكرية بعدة أسباب، منها، حسب البلاغ التأسيسي : «عدم الوضوح التام بشأن أهدافه الحقيقية»، و«السرعة التشريعية التي جرى التعامل بها مع قانون 44.18، بخلاف قوانين أخرى أكثر أهمية مازالت في الرفوف»، مشيرا إلى أن مشروع القانون «لم يكن في أي برنامج انتخابي، ولا في البرنامج الحكومي الذي صوّت لصالحه البرلمان». وقد انخرطت منظمات حقوقية في المنحى نفسه الرافض للمشروع، فف ي بيان للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بتاريخ 13 شتنبر 2018، دعت إلى «الاعتراف بالحق في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية» في القانون المغربي، و«الالتزام بتوفير الحماية التشريعية للمستنكفين ضميريا من الخدمة العسكرية، على أساس المعتقدات المذهبية أو الإنسانية». وتبنّت نوادي مشجعي الفرق الرياضية، أو ما يسمى ب«الإلتراس»، الموقف نفسه. ومن النماذج البارزة في هذا الإطار، موقف «إلتراس حلالة»، مشجع فريق النادي القنيطري، الذي غنى فوق المدرجات رافضا الخدمة العسكرية. وهو الأسلوب الذي أتى في سياق تنامي الاحتجاجات وسط مجموعات «الإلترات» المغربية بواسطة أغانٍ وشعارات تنتقد غياب العدالة الاجتماعية، حيث برزت قوة احتجاجية ناقمة على سياسات الحكومة. كما عبّرت احتجاجات التلاميذ على «الساعة الإضافية» (GMT+1) في شهر نونبر 2018 عن موقف رافض لخيار التجنيد الإجباري كذلك، إذ رفعت شعارات تنتقد مشروع القانون لأنه يستهدف الشباب ممن ولدوا في مطلع الألفية الثالثة، بدل توفير المدارس وإصلاح التعليم. وقد حاولت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، التي أحيل عليها مشروع القانون للمناقشة والمصادقة، امتصاص الغضب عن طريق إحالة مشروع القانون على المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بحجة توسيع النقاش العمومي حوله، لكن مكتب مجلس النواب رفض قرار اللجنة، بحجة مضادة مفادها أن القانون سبق عرضه أمام المجلس الوزاري، ولا يمكن عرضه مرة أخرى على المجلسين. وخلال الأيام الماضية، صادقت لجنة العدل والتشريع على مشروع القانون بالإجماع، دون تعديلات جوهرية. وإذا كان القانون يرمي بالفعل إلى تحييد الشباب الناشطين على «الفايسبوك»، فإن هذا الرهان قد يتحقق مؤقتا، لكن لا يبدو أن الخدمة العسكرية كافية لحل المشكل، مادام الإشكال الاجتماعي والاقتصادي عميقا، ولم تنجح الحكومات المتوالية في حله.