تحل اليوم الذكرى 31 لاغتيال الفنان ناجي العلي مبدع شخصية " حنظلة " ذاك الطفل الفلسطيني الذي لم يكبر. ومازال يشيح بوجهه عنا ولا نلمح سوى قفاه إمعانا في السخرية المرة التي اختارها رسام الكاريكاتور الفلسطيني الأشهر عندما ابتكر شخصية حنظلة والتبست باسمه حتى بات يكنى بها. وكان ناجي العلي يعتبر شخصية حنظلة مشتقة من مرارة الواقع العربي ومر العلقم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، جراء الاحتلال و الحروب التي تشتت أوصال الوطن العربي. و اختار ناجي العلي أن يكون ساخرا يقتلع الابتسامة المرة من أشواك اليأس والإحباط. ويلعب لعبة التناقضات العربية التي يرصدها بشكل فني مدهش ورغم مرور عقود على ابتكار هذه الشخصية الكاريكاتورية الا ان المواضيع طرحها ناجي العلي لازلت متسقة مع الوقائع التي نعيشها اليوم على الصعيد الفلسطيني والعربي. عاش ناجي العلي حياته ككثير من الفلسطينيين الذين ولدوا في النصف الأول من القرن العشرين وعايشوا نكبة فلسطين وكانوا من المشردين الذين شكلوا شتاتا من اللاجئين في بلدان اخرى . واستقر المقام بناجي العلي في لبنان بمخيم عين الحلوة بالجنوب وهناك نما الوعي السياسي في نفس الفتى الفلسطينيين الذي أرضعته فلسطين حليب الثورة والصمود. موهبته ناجي العلي الفنية الفذة فقد ولدت و تفجرت في الزنازين التي وجد نفسه يواجه جدرانها الصماء الباردة، حيث خط اولى الملامح التي ستشكل حنظلة العلي الصورة والرمز. وهذا نما حدا به في ما بعد الى ان يلتحق بمعهد الفنون لكن الظروف المادية الصعبة حالت دون ان يتم تحصيله العلمي. وكان الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني اول من ساند هذه الموهبة واحتضنها من خلال نشر اولى الرسوم له في مجلة الحرية. ثم استقر في الكويت لمدة 11 عاما حيث باشر النشر في عديد الصحف وفي هذه المرحلة برزت للنور شخصية حنظلة مكتملة لتصبح شعارا للثورة الفلسطينية وأيقونة للثوار. وعايش الرسام الفلسطيني الحرب الأهلية اللبنانية والغزو الإسرائيلي بكل ماسيها عندما قرر العودة لبيروت في عام 1974 ثم عاد الى الكويت غير ان الرقابة حاصرته ولم يعد قادرا على النشر فاختيار الرحيل الى لندن ليعمل في النسخة الدولية من جريدة القبس. لكن التهديدات بالتصفية تكاثرت عليه حتى أصبحت أمرا واقعا عندما اطلق عليه النار في صيف 1987 عندما كان بصدد مغادرة مقر الصحيفة وتوفي بعد أسابيع من إطلاق الرصاص عليه. ولا تزال وقائع الاغتيال المعلن لرسام الكاريكاتور الفذ غامضة الملابسات وان كان الجميع يجمع بكون الموساد الإسرائيلي هو من خطط ومول ونفذ. ورغم مرور عقود على اغتيال ناجي العلي إلا أن رسومه لازالت حاضرة وبقوة سواء في الصحافة العربية او في الأذهان باعتبار حنظلة أصبح رمزا إنسانيا ولم يعد مقتصرا على حدود ضيقة او يتناول قضية محدودة بل هو أيقونة لكل الأحرار وكل الذين يتوقون الى التحرر.