يعتبر المقاوم عبد الكريم الخطابي أحد أبرز مناضلي المغرب في القرن العشرين، إبان الهجمة الاستعمارية على المغرب، فكتبه التاريخ قائدا وطنيا، وزعيما متمرسا للمقاومة المغربية في خلال الفترة الممتدة من عام 1919م إلى عام 1929م، كما دون اسمه في سجل البطولات التاريخية، بفضل قيادته لحرب الريف الشهيرة، ووقوفه ضدَّ الاحتلال الفرنسي – الإسباني للمغرب. ولد الخطابي سنة 1300ه الموافق ل 1882 م ببلدة أجدير في منطقة جبال الريف، في وسط عائلي متدين إذ تلقى في سنوات صباه الأولى تعليمه الابتدائي في المدرسة القرآنية إلى غاية سن الرابعة عشرة، وتصادفت ولادته مع الفترة التي شهدت حدّة التنافس بين الدول الأوروبية المستعمرة على القارة الإفريقية. وبعد إقامة قصيرة في مدينة تطوان، التحق بجامعة القرويين في مدينة فاس. ليتولى القضاء في المحاكم المختلطة بمدينة مليلية لحل المنازعات بين الاسبان وسكان الريف، وهو ما جعله يعايش المهانة التي يتعرض لها أبناء جلدته على أيدي المحتل الإسباني. بعد ظهور نزعته الاحتجاجية واعتراضه على عدد من تصرفات السلطات الإسبانية، وكثرة المواقف الجريئة التي لم ترق المستعمر الاسباني، والتي تسببت له في اصطدامات مباشرة مع الكيان المستعمر، تم فصله من العمل وأودع السجن. بعد إطلاق سراحه ولمكانة عائلته في المنطقة قام بتوحيد جهود القبائل الريفية فسافر عبر قرى الريف من أجل استنهاض السكان وتعبئتهم ضد المحتل، وتزعّم قبيلته بعد وفاة والده سنة 1920وحمل راية الجهاد، وهو ابن التاسعة والثلاثين، وقد حَنَّكَتْهُ التجارِب وصقلته الأيام، ووَحَّد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم عليه من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد. وفي تلك الأثناء كان الجنرال سلفستر قائد قطاع مليلية يزحف نحو بلاد الريف؛ لِيُحْكِمَ السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يُحَذِّرَ الجنرال سلفستر من مغبَّة الاستمرار في التقدُّم، والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكنَّ الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمرَّ في التقدُّم ممنِّيًا نفسه باحتلال بلاد الريف. بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلَّهَا الإسبان، وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في ردِّ الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصَرَة، وأصبحت قوَّاته الرئيسيَّة -التي جمعها في «أنوال»- مُهَدَّدة، بعد أن حاصرها وطوَّقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقوَّاته اصطدم بقوَّات الخطابي في 22 من يوليو 1921م في معركة حاسمة عُرفت بمعركة أنوال، وكانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية؛ حيث أُبيد معظم الجيش المحتلّ، وأقرَّ الإسبان بأنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل يتقدَّمهم الجنرال سلفستر، ووقع في الأسر 570 أسيرًا، وهذا غير الغنائم من الأسلحة التي وقعت في أيدي المجاهدين المغاربة. ما إن انتشر خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة أنوال، حتى هبَّت قبائل الريف تُطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمضِ أسبوعٌ إلَّا وقد انتصر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة تطوان وبعض الحصون في منطقة الجبالة. وتواصلت سلسلة الهزائم التي ألحقتها قوات الخطابي بالمحتل الإسباني ما جعل إسبانيا وفرنسا تتحالفان في خريف العام 1924 ضد هذا الخطر الذي بات يهدد الوجود الاستعماري ليس في المنطقة فقط، بل في المغرب والمغرب العربي، وخصوصا بعد أن ظهرت الميول القومية التوحيدية لعبدالكريم الخطابي. أصبح الخطابي مضرب المثل في جهاده ضد الاستعمار الأوروبي، وما زال اسم عبد الكريم رمزاً للرعب في اللغة الإسبانية؛، خاصة وأنه تمكن من إلحاق الهزيمة بالقوات الفرنسية في معركة تازة سنة 1925 فعملت فرنسا على إضعافه بإشاعة أنه يطمع في عرش مراكش، ونسَّقت دعايتها مع الحكومة الإسبانية، كما ضمنت معاونة إيطاليا وصَمْتَ بريطانيا، وقد أحدث هذا انقساماً في صفوف المجاهدين، وتحالف بعض أتباع الطرق الصوفية مع القوة المعادية. التضييق العسكري الفرنسي الإسباني وما خلفه من ضحايا في صفوف المدنيين المغاربة في منطقة الريف، وخصوصا بعد استعمال القوات المتحالفة الأسلحة الغازية المسمومة «الكيماوية» أجبر الزعيم الخطابي في شتنبر من العام 1926 إلى إعلان استسلام، وينفى بعد ذلك بمعية أسرته إلى جزيرة لارينيون المحتلة من قبل فرنسا ومصادرة أملاكه، وعلى رغم ظروف النفي والأسر في الجزيرة المذكورة فقد رفض كل الإغراءات التي قدمت له في سبيل استمالته من قبل الحاكم الفرنسي الموالي لنظام فيشي العميل لنظام هتلر النازي. واضطر الأمير عبد الكريم الخطابي إلى تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية باعتباره أسير حرب؛ وذلك بعد أن شعر بعدم جدوى المقاومة، وأن القبائل قد أُنهكت، ولم تَعُدْ مستعدَّة لمواصلة القتال، وقد قامت فرنسا بنفي الأمير المجاهد إلى جزيرة نائية في المحيط الهندي. وفي تلك الجزيرة عاش الأمير المجاهد مع أسرته وبعض أتباعه أكثر من عشرين عامًا، قضاها في الصلاة وقراءة القرآن، وفشلت محاولاته لأن يرحل إلى أية دولة عربية أو إسلامية. غير أنه في سنة 1947قرَّرت فرنسا نقله إليها على متن سفينة، فلمَّا وصلت إلى ميناء بورسعيد تمكَّن بعض شباب المغرب المقيمين في مصر من زيارته على متن السفينة، ورجَوْهُ أن يتقدَّم باللجوء إلى مصر ليُواصل مسيرة الجهاد من أجل تحرير المغرب، وأسَّس مع أبناء المغرب العربي لجنة أطلقوا عليها «لجنة تحرير المغرب العربي»، تولَّى هو رئاستها في 9 من دجنبر 1947. تقلّص نشاط الزعيم الخطابي بمصر، لوجود الرقابة الصارمة على من يزوره أو يتردد عليه، واستمر الحال حتى غادر الدنيا إلى جوار ربه في الثاني من شهر فبراير عام 1963 بالعاصمة المصرية التي دفن بها، ولا زال قبره قائما الى حد الساعة، مع كثرة المطالب المغربية باسترجاع جثمانه لمسقط رأسه بالمغرب.