نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على تجارة البشر في ليبيا. ومنذ أن بدأ التعاون بين الاتحاد الأوروبي وخفر السواحل الليبي من أجل التصدي للهجرة غير الشرعية، انخفض عدد المهاجرين إلى إيطاليا بصورة ملحوظة، إلا أن المبعوث الخاص من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى منطقة البحر المتوسط، أكد أن عددا كبيرا من العائدين يعانون من التعذيب والاغتصاب والعبودية. وقالت الصحيفة، في تقرير لها،حسب ما ترجمته "عربي "21، إن الاتحاد الأوروبي قدم مساعدات في شكل معدات وسفن لخفر السواحل الليبي، بهدف اعتراض زوارق المهاجرين غير الشرعيين، وإعادتهم إلى ليبيا مرة أخرى. وحسب ما أكدته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حاول قرابة 6340 مهاجرا غير شرعي الهرب إلى أوروبا هذه السنة فقط. وأضافت الصحيفة أنه حتى تاريخ 17ماي الماضي، تم ترحيل نحو 10 آلاف مهاجر من إيطاليا إلى ليبيا، بينما بلغ عدد المرحلين خلال الفترة نفسها من السنة الماضية 45 ألف شخص. ويزج بأغلب المهاجرين العائدين إلى ليبيا في السجن، علما بأن الأوضاع في السجون الليبية لاإنسانية. وفي نهاية الأسبوع الماضي، قالت مديرة منظمة العفو الدولية في إفريقيا، هبة مورايف، إن "الاتحاد الأوروبي يغض الطرف عن معاناة هؤلاء المهاجرين في السجون الليبية، وكل ما يهتم به هو تأمين حدوده". وحيال هذا الشأن، تساءل المبعوث الخاص للمفوضية لمنطقة وسط البحر الأبيض المتوسط، فنسنت كوشتيل، عن بديل مراقبة الحدود، مؤكدا أن فرص هؤلاء المهاجرين في الحصول على حق اللجوء في إيطاليا شبه معدومة. ويدرك كوشتيل جيدا أن إحكام السيطرة على الحدود معناه أن هؤلاء المهاجرين سيبقون في السجن مدة أطول، ولهذا يعتقد كوشتيل أن "الأمر معقد للغاية". وأشارت الصحيفة إلى أنه أعيد نحو 135 مهاجرا إلى بلدهم الأصلي، النيجر. وبعد أن أجريت عليهم فحوصات طبية بهدف التأكد من عدم إصابتهم بالإيدز، اتضح أن جميع النساء تعرضن للاغتصاب، كما أن عددا كبيرا منهن شهد عمليات قتل. وحسب ما قاله كوشتيل فإن 80 بالمائة منهم تعرضوا للتعذيب أو لمعاملة غير إنسانية. ووفقا لتقديرات المفوضية، تجاوز عدد اللاجئين المسجونين في ليبيا حتى الآن 5832 سجينا، مقابل خمسة آلاف سجين خلال السنة الماضية. وأفادت الصحيفة بأن عدد المهربين أو المليشيات التي تقوم بعمليات تهريب للبشر في ليبيا ليس محددا، ومع إحكام السيطرة على الحدود، انخفض دخل هؤلاء بصورة كبيرة؛ فدون وجود مهاجرين على متن زوارقهم لا وجود للمال. لذلك، سعى هؤلاء إلى جني الأموال بطريقة أخرى. حيال هذا الشأن، أورد فنسنت كوشتيل أن "المهربين يقومون ببيع المهاجرين أو تأجيرهم بمجرد وصولهم إلى إيطاليا، حيث يجبرونهم على العمل في ظروف قاسية أو ممارسة البغاء، وبذلك عدنا إلى تجارة الرقيق مرة أخرى". ونقلت الصحيفة عن كوشتيل قوله إن "إحكام السيطرة على الشواطئ الليبية لم يوقف الهجرة غير الشرعية، ولكنه قلل منها فحسب، وهو ما كان يرغب فيه الاتحاد الأوروبي". ومن جهتها أكدت منظمة الهجرة الدولية أن عدد الأجانب المقيمين حاليا في ليبيا بلغ 660 ألف لاجئ، مقارنة بحوالي 720 ألف لاجئ خلال نونبر الماضي، خمسة آلاف منهم فقط يمتلكون تصريح عمل. وأضافت الصحيفة أن فنسنت كوشتيل يرغب في بناء بدائل للسجون، حيث إن 99 بالمائة من المهاجرين غير الشرعيين لا يشكلون تهديدا أمنيا على ليبيا، ولا طائل من اعتقالهم. كما انتقد كوشتيل سياسة الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا في التعامل مع هذه المسألة، موضحا أنه يجب التصدي لتجارة البشر في ليبيا وانتهاكات حقوق الإنسان، ووضع حد للمهربين. ومؤخرا، أصدر النائب العام الليبي نحو 250 مذكرة توقيف في حق مهربي البشر في ليبيا، ولكن حسب كوشتيل "لا توجد قوة أمنية لتنفيذ أوامر الاعتقال". وتطرقت الصحيفة إلى تحذيرات فنسنت كوشتيل من أن المهربين يعدون خطة جديدة خلال شهر رمضان، حيث يقومون بجمع عدد كبير من الراغبين في الهجرة على الشواطئ الليبية، مستغلين مظاهر الاحتفال بشهر رمضان. وخلال الأسابيع القادمة، سيرسلونهم ليلا إلى الشواطئ الإيطالية، وهم يدركون جيدا أن خفر السواحل الليبي لن يتدخل لإيقافهم. ومن هذا المنطلق، دعا فنسنت كوشتيل الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة حاسمة تجاه هذا الأمر، مضيفا أن "المهربين لديهم الكثير من الأعمال في أوروبا، وفي حال منعوا من السفر، سنتمكن من عرقلة أعمالهم الإجرامية. كما يجب أن يمثلوا أمام المحكمة، وعلى الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرارات سياسية صارمة وملاحقتهم، على غرار ملاحقته للإرهابيين". وأوضحت الصحيفة أن تهريب النفط هو ثاني أكبر تجارة لهؤلاء المهربين بعد تجارة البشر. وأضاف كوشتيل أن السفن تذهب إلى ليبيا حاملة علم الاتحاد الأوروبي لتشتري من هؤلاء المهربين النفط بطريقة غير شرعية، ولا يستطيع خفر السواحل وقف هذه السفن. وتساءل فنسنت كوشتيل "لماذا نلاحق المهاجرين الفقراء، ونترك المهربين الذين يجنون أموالا طائلة؟" وأردف قائلا "يبدو أن هناك دولا لها مصالح مشتركة مع هؤلاء المهربين بسبب النفط، لذلك لا يستهدفونهم مهما تاجروا بالبشر". وفي الختام، قالت الصحيفة إن سلطة خفر السواحل مازالت محدودة جدا، وطالما أنه يسمح للمهربين بالرحيل خارج البلاد، فلن تتوقف معاناة المهاجرين.