كثيرا ما يقال، إذا كان المشرق هو بلد الأنبياء، فالمغرب هو بلد الأولياء، للإشارة إلى كثرة الأولياء في بلاد المغرب وأضرحتهم ومواسمهم. وربما يكون موسم مولاي عبد الله امغار أشهرهم على الإطلاق. ليس فقط لأن إشهاراته استطاعت أن تصل إلى الجرائد والشوارع المغربية في كل المدن، لكن لأنها تجاوزت ذلك إلى الفضاء العربي فصارت الخيول الدكالية تظهر في قنوات MBC ونسمة. جرت العادة أن ينطلق الموسم خلال الأسبوع الأول من شهر غشت، لكن هذه السنة جرى تقديم موعد انطلاقه لأن رمضان على الأبواب. لقد أتى المغاربة وبعض الأجانب من كل حدب وصوب. الغالبية العظمى من منطقة دكالة، يأتون من زاوية سيدي إسماعيل والزمامرة وسيدي بنور وأحد أولاد أفرج. يأتون من كل القرى مشيا على الأقدام وعلى ظهور الحمير، وفي عربات تجرها البغال في قوافل متصلة لا نهاية لها. وقد يستعملون أيضا الحافلات التي تملأ عن آخرها، والواقفون فيها أكثر من الجالسين، دون أن ننسى الطاكسيات والسيارات الخاصة، ولا الشاحنات “الكاميونات” التي تحمل الخيام والأغطية والأطفال وتلك المقاهي التقليدية العجيبة التي تقدم خدماتها لزبائن يفترشون حصير قديم ومتاكل، وتقدم الشاي الدكالي المنعنع الأصيل والخبز الساخن وطبعا الفول والحمص… يجلس الجميع في “القهوى”، رجالا ونساء وأطفالا. على وجوه الأطفال ملامح فرحة عبد حرر للتو من مزارع قصب السكر في أمريكا، فقد تخلصوا من معلم غليظ القلب أو فقيه يعشق النهي والأمر، ومن أعمال السخرة في حقول “الدلاح” والرعي والحصاد. أما الرجال، فتتعالى أصواتهم وقهقهاتهم بعد موسم حصاد جيد. لكن أكثر الفئات فرحة هن النساء البدويات، فالموسم هو الفرصة الوحيدة لهن للخروج من “الدوار” وممارسة حق من حقوق الإنسان، هو حق الترفيه والاستجمام ولو لمدة أسبوع في بلدة مولاي عبد الله. الضريح.. قديما، كان للولي رمزية عظيمة لدى الناس. حكت لنا سيدة عن عاداتهم القديمة، حيث اعتاد الناس على التوجه لأضرحة الأولياء كمولاي عبد الله وسيدي اسماعيل من أجل التظلم والشكوى في حالة حدوث خصومات أو تظلم. واليوم، لم يحدث تغيير كبير. فأعداد الناس رجالا ونساء المتحلقين حول الضريح كبيرة. يرمون له الدراهم والشموع وأشياء لم نعرفها، ويقدمون القرابين كالديكة وغيرها. أثناء الدخول، يطلب منك خادم الضريح أن “تدير النية” ويدعو معك “الله يجيب الشفا” ويدعوك لنزع نعلك، لتستقبلك الرسوم والنقوش والصندوق الكبير الخاص بالتبرعات النقدية وصور الملوك محمد السادس والحسن الثاني وطوابير الشعب التي تتمسك بأهداب الخرافات ولو اضطرت إلى افتراش “الضس” وتحمل البرودة. السوق.. خارج الضريح، معرض صور المجلس العلمي (الديني) و”حلقة” لمجموعة من “الفقهاء” يلبسون جلابيب مغربية بيضاء ويحملون بنادق تقليدية الصنع، ويوزعون أدعيتهم على الزوار حسب الجود والكرم. وبقربهم فتاة بلباس البحر جالسة عند “نقاشة” نتقش الحناء في رجليها، وبجانبها طفل صغير يضع على ذراعه رسما لفريقه المفضل. وهناك بائعو التوابل (العطرية) والشموع والتذكارات. وفي الممر الآخر، بائعو الأواني المنزلية، والخضر والفواكه، والملابس، والأكلات السريعة وو.. وهكذا يتحول الموسم الديني إلى سوق تجاري كبير الفروسية.. لا تحتسب الزيارة إلى الموسم إذا لم تحضر (التبوريدة) التي يحبها المغاربة كثيرا. يحبون منظر الخيول وهي “تحرك”، والفرسان بلباسهم التقليدي، والفرق وهي تتجمع، كل فرقة على حدة بلباس موحد وقائد ينسق بين الأعضاء. يمتطي الفرسان الخيل، ويتسلمون البنادق المحشوة بالبارود من الأطفال والشباب، ويتقدمون، وسرعتهم تتزايد شيئا فشيئا، لكن يبدو ان الاطلاقة لم تكن موفقة لذلك ترى القائد يشير إليهم بالعودة. في المرة الثانية كانوا موفقين في الانطلاق، وإطلاق البارود كان موحدا فاستحقوا تصفيقات الجمهور. الفن الشعبي.. يعدون على رؤوس الأصابع من يعرفون أعضاء المجلس العلمي وأنشطته الموازية للموسم، لكن أغلب الحاضرين إلى الموسم يعرفون متى سيغني الستاتي وحجيب والداودية. وهذا هو الموسم الحقيقي، سهرات الفن الشعبي التي يتزاحم فيها الناس، شيبا وشبابا، رجالا ونساء، فرادى وعائلات، من أجل الاستماع إلى الغناء ومشاهدة “الشيخات” والرقص، لو اضطرهم الأمر إلى الزحام واحتمال التعرض إلى السرقة. الناس تعجب أيضا بفن “الحلقة”، خصوصا حلقة الحمار المدرب على القيام بحركات غريبة ويجيد التآمر مع “الحلايقي” من أجل إيقاع بعض المتفرجين في مقالب مضحكة، والسخرية منهم. وكعادة المغاربة، يتقبلون السخرية منهم بصدر رحب ولا ضغائن في القلب، وينخرط الجميع في مسلسل الضحك ويتعاهدون على اللقاء مجددا في النسخة المقبلة من موسم مولاي عبد الله أمغار.